تدوين- نصوص
.فيما يلي نص للشاعر المغربي جواد المومني
الصّيحة:
يجنّدون صيحاتهم… لا بأس، اسخر، إنّك آية العنب!
أدرك خوفهم،
أرحم بالفزع الّذي هدّهم،
اكفر بسلالة دمك، نسالة الريح، وعيد الزبد.
اكفر بها… أنت سليل الغضب.
* والمشهد:
آخر غزّيٍّ …
سيخرج من آخر نفقٍ، يحمل آخر رصاصةٍ، يزرعها في آخر شبرٍ بقي من الخراب. سيرعاها بآخر نظرتين، بآخر عينين مفتوحتين، يرويها آخر قطرةٍ من دمه …
آخر غزّيٍّ …
سيحيى ليروي مذاق آخر فاكهةٍ اعتلت جنان الفراديس.
آخر غزّيٍّ…
وهو يرسم آخر شعاعٍ لآخر شمسٍ، يفضّل ظلّ حلمه على ما افتقده قبل آخر ثدي امرأةٍ مسروقةٍ من آخر زفّةٍ.
آخر غزّيٍّ …
يصغي لطقطقة البذور بين شقوق الأرض؛ مقام جرحها، تئنّ.
لكن،
سعيدةً بذاكرة الشعاع المنتظر.
آخر غزّيٍّ …
ينثر رماد جثّته المفحّمة على كلّ البقاع،
حتّى لا تعرى،
ويتعرّف على بقايا سخامه حفّار القصور!
آخر غزّيٍّ…
يضمن للحجر المغشّى
بأحجام الموت، أليلاً بعبق الزعتر.
آخر غزّيٍّ …
يحنّ لوجه سماءٍ، لا رماديّةٍ، بغير ثقوبٍ
لا يسكنها أشباحٌ ملغّمون.
ليت الصّمت يحظر أرقام الخيانات
ليته يجرّم أرباح [سقيفة بني ساعدة] !كلّ الصّور المعلّقة على الشّجر العاري،
هاربةٌ من البراويز؛
لا تذكر سحنات أصحابها،
قد مرّوا بلا وداعٍ.
وأمام الشّوارع،
[شبه الشّوارع]؛ انتصبت خيامٌ رعشةٌ،
منها الرّيح تسخر
يعبرها العويل ولا يخجل.
أمّا آخر غزّيٍّ …
فيحضن الفراشات الّتي استأجرت من عينيه
معنى اللّا فزع!
وفي ركنه،
محصوراً بين مقام الأرض وموعد الرحيل،
أيظلّ الاسم أم الرقم الجديد؟
هامشه من الحياة، عقدةٌ وقّعها غيره،
بالنّيابة وبلا استئذانٍ.
آخر غزّيٍّ…
له بسمةٌ من بنفسجٍ [مؤقّتةٌ]
يفصح عنها بطعم المقبل على حلمٍ وديعٍ،
يخزّن فيه خريطة الأقاليم الّتي
تذكر موته، بعد قليلٍ، أو… قبل قليلٍ.
آخر غزّيٍّ…
بوطنٍ كبيرٍ وحدودٍ سميكةٍ؛
سيحمل الجسد معه،
فجوازه مختومٌ بعبق المرور.
آخر غزّيٍّ…
من عمر الزّيتونة عهده،
نصره مآوٍ أخرى
والهزيمة نيشانٌ على صدر دمه!
آخر غزّيٍّ…
بصهيل التّاريخ وسطيح الجغرافيا؛
يؤثّث لحنينه ظلال الأرض وأسرار
كلّ الوجع.
بين كفّيه،
نحلٌ، تستعصي على الدّخان
[وسطورٌ منقوشةٌ من صوّانٍ]
آخر غزّيٍّ…
ذاهبٌ بنفسه قرباناً لأجراس اللّيل،
يخرج إليه مسلّحاً بالتّهم،
ومنه يخرج أريج الأقحوان.
آخر غزّيٍّ…
يصادق الشك والرعود.
الحزن حدودا والاحتراق خاتمةً في الميلاد،
حسبه قواميس التّراب نفسا
للأشبار المتاحة.
هذا الغزّيّ …
منتهى الجلد؛
حين الدّموع يستعصي عليها النّزف،
جواره للموت، لعبةٌ أدركها صغيراً.
هذا الغزّيّ…
لا ينتهي. يكبر يتكوّر، ويكبر،
يتدحرج يمضي، يكبر ويكبر،
يقوى يفكك ويكبر بعيداً عن المعلّب، ثمّ يكبر…
آخر غزّيٍّ …
عريسٌ زفّ على مقام النّهاوند؛
معه سنرقص جميعنا في مخابئ جرحنا،
على الأعذار الواهية.
وحين نكتفي [نحن] بتخمة [المطبخ]
تكفيه [هو] شظيّة جدارٍ مفحّمةٌ،
بها يخطّ على بقايا آخر جدارٍ قائمٍ:
«أنا آخر غزّيٍّ … فمن آخركم أنتم؟!»