الأحد  05 تشرين الأول 2025

ثورة الـ"ميتافيرس": كيف يعيد "جيل زد" تشكيل ثقافة الاحتجاج السياسي في المغرب؟

2025-10-05 08:19:32 AM
ثورة الـ
شاب مغربي يرفع لافتة في احتجاجات "جيل Z" في مدينة الرباط

تدوين- ناديا القطب

لم تعد الاحتجاجات في المغرب مجرد تجمعات في الشارع، بل تحوّلت إلى معركة ثقافية تخوضها حركة "جيل زد" (Gen Z)، مستخدمة أدوات التكنولوجيا الحديثة لتحدي أساليب النضال التقليدية وإعادة تعريف العلاقة بين السلطة والمواطن. الحركة المتنامية لم تكتفِ بالمطالب الاجتماعية والاقتصادية، بل كشفت عن تحوّل مفصلي في الثقافة السياسية المغربية، حيث أصبح التعبير عن المواطنة يتم خارج الإطار المؤسساتي وبعيدًا عن هيمنة الأحزاب والنقابات.

إنّ ما يشهده المغرب من حراك شبابي يُسلّط الضوء على أزمة عميقة في الوساطة السياسية، كما أشار سابقًا عالم الاجتماع المغربي عبد الرحمن رشيق. فإذا كانت الأجيال السابقة قد وضعت احتجاجاتها ضمن أُطر مؤسساتية، فإن "جيل زد" ينطلق من فراغ تنظيمي، مُبدعًا لغة احتجاج جديدة تعكس متغيرًا حاسمًا في أدوات التعبير عن الغضب الاجتماعي.

من المسرح إلى "الميتافيرس": ثقافة النضال الرقمي

بخلاف الأجيال التي سبقتها، لم يعد "جيل زد" يقيّم الثقافة في حدود المدارس والمكتبات والمسارح. لقد أعلنت هذه الحركة بداية مرحلة ثقافية غير مسبوقة تُقيَّم بالدرجة الأولى في "الميتافيرس". بالنسبة لهذا الجيل، تتحول المنصات الاجتماعية، الألعاب التفاعلية، الفيديوهات القصيرة، والإبداع الرقمي إلى ساحات فعلية للنضال والتعبير.

هذا التحوّل يجد جذوره في ما وصفته عالمة الاجتماع زينب توفيكجي في كتابها "تويتر والغاز المسيل للدموع"، حيث بيّنت كيف غيّرت الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي طبيعة التعبئة السياسية عالمياً. لقد انتقل بناء القواعد الجماهيرية من مقرات الأحزاب ووسائل الإعلام التقليدية إلى الأدوات الرقمية، مما منح هذه الحركات قوة تعبئة وانتشارا غير مسبوقة.

يُنشئ شباب "جيل زد" مساحة حضورية مزدوجة: جسدية ورقمية. فالتطبيقات المحصنة ومنصات التواصل الاجتماعي هي الخلفية التي ينمو فيها وعيهم وتتشكل تصوراتهم عن السلطة، مع تفضيل كامل "للعيش في اللحظة" والاستقلال عن "العلب الثقافية القائمة" والتأملات الفكرية النسقية.

تحدي السلطة التقليدية: البحث عن الشرعية والمشاركة

إن النضال الثقافي لـ "جيل زد" ليس رفضًا مطلقًا للسلطة، بل هو رفض لنمط ممارستها. هذا ما أوضحته المختصة الفرنسية في علم النفس التربوي، بريجيت بروت، في كتابها "الجيل Z: تحرير الرغبة في التعلم". فالجيل لا يرفض السلطة في جوهرها، بل يرفض السلطة التي تُمارَس "دون احترام لعقولهم وحاجاتهم وكرامتهم". إنه يطالب بـ "سلطة موثوقة" تكون شرعية وواضحة وتتيح له الفهم والمشاركة في القرار.

يطالب هذا الجيل بـ المشاركة في صناعة المعرفة وفي بناء القواعد، رافضًا التلقين الأعمى أو القولبة الحزبية والإيديولوجية. هذا المطلب يعيد إلى الأذهان الترابط الفلسفي الذي أقامه ميشيل فوكو بين "السلطة والمعرفة". فـ "جيل زد" يسعى إلى "تعديل" العلاقة التي تفرضها السلطة التقليدية (الدين، الأسرة، المدرسة، الدولة)، وتحويلها إلى علاقة تشاركية تتيح له الفهم والمشاركة بفاعلية. هذا الجيل، القادم من كتلة مظلمة من التنوع والاختلاف، يقع خارج أي تماسك هوياتي تقليدي.

الكونية الثقافية: تجاوز الحدود الجغرافية

تنبّه بروت إلى الخطر الذي يواجه "جيل زد" في هذه المعادلة الجديدة، وهو "العيش في اللحظة الراهنة" واستهلاك ما تتيحه الفضاءات الافتراضية، مما قد يؤدي إلى فقدان الصلة بـ الذاكرة الجماعية والقيم المشتركة التي تُشكل الرابط بينه وبين الأجيال السابقة، كالـ موروث والتاريخ والمتخيل الجماعي.

يتفاعل "جيل زد" بشكل واسع مع أنظمة ثقافية واجتماعية كونية، يربطه بأبناء جيله في كل مكان، مثل الموسيقى العالمية، ألعاب الفيديو، العلامات التجارية، وتقليعات الموضة. هو لا يسعى للانتماء إلى "العالم المشترك" بحدوده الجغرافية والسياسية والثقافية المحلية، كما وصفته المنظّرة السياسية حنة أرندت، بل يتجه نحو الانتماء إلى عالم كوني يستهلكه في المنصات الاجتماعية.

هذا التوجه نحو الكونية يُفسر لماذا يربط "جيل زد" رغبته في التعلم والتغيير بإطار الديمقراطية والحرية والكرامة الإنسانية في نموذجها الحديث، مما يجعلهم يسعون إلى فتح "أفق ثالث" في محيطهم الرقمي، تعكسه فلسفة جيل دولوز التي ترى أن الرغبة قوة مبدعة تفتح مسارات جديدة.

السلطة كـ "قوة إنسانية" والثقافة كـ "فضاء للإبداع"

في نهاية المطاف، يُشكل حراك "جيل زد" تحولاً مفصليًا في العلاقة بين السلطة والثقافة في المغرب. لقد نجح هذا الجيل في تحويل الثقافة الرقمية إلى مسرح للإبداع المتواصل، من الميمات إلى الفنون البصرية، حيث أصبح التعلم اختبارًا ثقافيًا متواصلاً يعمل على صناعة المعنى، بمنأى عن السلطة التربوية والثقافية التقليدية.

فالسلطة، في منظور "جيل زد"، يجب أن تتحول من آلة للقولبة والضبط إلى قوة إنسانية، وتتحول الثقافة من محتوى يستهلكه الجمهور إلى فضاء للإبداع والحرية والاختلاف. إنها محاولة لإعادة تأسيس عقد اجتماعي وسياسي جديد، قوامه المشاركة، الشفافية، والاعتراف بالجيل الذي وُلد رقميًا ويُصر على قيادة المستقبل.