تدوين- راما الحموري
في خطوة مهمة لإعادة الاعتبار للتراث الفكري لحركات التحرّر، صدر عن منشورات جامعة كامبريدج البريطانية كتاب "مناهضة الاستعمار والفكر الاجتماعي"، الذي حرّره الباحثان أناهيد الحردان وجوليان جو. يستعرض هذا العمل الضخم الإرث الفكري الغني للحركات المناهضة للاستعمار على مدى القرنين الماضيين، مُسلّطًا الضوء على مساهماتها المحورية في بناء النظرية الاجتماعية العالمية.
يركّز الكتاب على النقد العميق للإمبريالية، الذي لم يقتصر على رفض الهيمنة السياسية والاقتصادية فحسب، بل امتدّ ليشمل التفكيك الجذري للعنصرية والاستغلال الاجتماعي، ما جعله رافدًا أساسيًا لتطوير أدوات تحليلية جديدة لفهم العالم.
جولة بين الرواد والأفكار: من سيزار إلى ابن نبي
يستهلّ محرّرا الكتاب، الحردان وجو، العمل بمقدّمة تأسيسية تربط بين التاريخ المناهض للاستعمار والنظرية الاجتماعية. تلي ذلك فصول متخصصة تغوص في عمق التجارب والمقاربات الفكرية لمقاومة الهيمنة، وتستعرض أسماءً ثورية بارزة:
أروى عوان تحلل أعمال الشاعر المارتينيكي إيميه سيزار.
عائشة عمر تناقش الفكر التحرّري الوطني للسياسي الجنوب أفريقي زوليدينغا بالو جوردان.
إبراهيم خان يقدّم تحليلاً نقديًا لجوهر مسألة السيادة.
محمود الزايد يستعرض فلسفة التحرير عند المفكّر الجزائري مالك بن نبي.
إليزابيث أرمسترونغ تتطرّق إلى ممارسات النساء الثوريات ودورهن.
كما يُفرد الكتاب مساحات هامة لمساهمات الفكر التنموي العربي، وعلم الاجتماع المناهض للاستعمار في أميركا اللاتينية، والنقد الماركسي للقومية الهندية، والمقاربات النسوية لمناهضة الاستعمار.
أدوات نظرية لمواجهة "الاستعمار الجديد"
يوضح الكتاب كيف أن الفاعلين المناهضين للاستعمار لم يكتفوا بالمقاومة الفعلية، بل أنتجوا أدوات فكرية ونظرية مبتكرة لتفسير بنى العالم وتحليلها. لقد أسهمت هذه الأفكار في تطوير مفاهيم متقدمة حول العدالة الاجتماعية والسياسة والهوية، وما زالت رؤاها حيوية لفهم واقع الاستعمار الجديد المعاصر.
وفي شهادة على أهمية الكتاب، يؤكد بول زيلزا، أستاذ الدراسات الأفريقية في جامعة هوارد، أن العمل "يستعيد التراث الفكري الغني للفكر المناهض للاستعمار، ويقدّم رؤى تحويلية لفهم ومقاومة البنى المستمرة للاستعمار والاستعمار الجديد".
وتلفت جينيفر بيتس، أستاذة العلوم السياسية في جامعة شيكاغو، إلى أن الكتاب يكشف كيف أنتج المفكرون المناهضون للاستعمار "أدوات نظرية مبتكرة لفهم العالم المعاصر، رغم العنف المعرفي الذي صاحب الهيمنة الاستعمارية".