تدوين-تغطيات
في سياق الرقابة المتزايدة التي تطال الأصوات الفلسطينية والداعمين لها في الولايات المتحدة، نشرت صحيفة The Guardian تحقيقا يرصد تجارب عدد من مؤلفي كتب الأطفال، الذين تعرضوا لحملات إلغاء، ومنع من زيارة المدارس، وحظر كتبهم من المكتبات، لا لشيء سوى أنهم كتبوا عن الثقافة الفلسطينية أو أعربوا عن دعمهم للحقوق الفلسطينية، أو لأنهم مسلمون.
يُظهر هذا التقرير الذي يعتمد على مقابلات مع تسعة مؤلفين كيف تتحول القضايا السياسية إلى سيف مسلط على الإنتاج الثقافي للأطفال، حتى عندما لا تكون الكتب المعنية سياسية في مضمونها، بل تدور حول الهوية، والجذور، واللغة، والعائلة.
القصة كما رواها الكتاب في تقرير "ذا غارديان":
بدأت الكاتبة الفلسطينية الأمريكية جنان مطري الترويج لكتابها الأول للأطفال بعنوان "كل شيء ينمو في حديقة جدو" خلال صيف 2025، قبل أن تنهال عليها حملات الإلغاء والضغوط. ألغت مكتبة Chevalier’s Books في لوس أنجلوس حدثا مخصصا لها، نتيجة لضغوط مجتمعية محلية، كما ذكرت. ورغم أن الموظفة المسؤولة عن الحجز رفضت الإلغاء، فإنها طُردت من عملها، واستقال موظف آخر بعدها تضامنا.
في نيوجيرسي، ألغت مكتبة Watchung Booksellers في مونتكلير فعالية قراءة أخرى لها، مبررة القرار بأنه "لحماية الموظفين والزوار". كانت مطري قد نشرت كتابا مصورا يحكي قصة طفلة فلسطينية تتعرف على تراثها من خلال حديقة جدها، المستوحاة من تقاليد الآباء في فلسطين. ورغم الطابع الإنساني البسيط للقصة، تعرضت مكتبات ومؤسسات تعليمية لضغوط لإلغاء فعالياتها بسبب منشوراتها على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن غزة والاحتلال.
تقول مطري: "حرية التعبير ليست متاحة للجميع في هذا البلد، خصوصا إذا كنت فلسطينيا. لم يتمكنوا من منع الناس من قراءة قصص عن فلسطين، فحاولوا منعهم من التعرف إلى من يكتب هذه القصص".
رقابة تطال الإنسان قبل النص
قصة مطري ليست فريدة. الكاتبة صفاء سليمان تلقت اتصالا بإلغاء زيارتها المدرسية في سياتل أثناء وجودها على متن الطائرة، بسبب تدوينة تحدثت فيها عن أفراد من عائلتها استشهدوا في غارات إسرائيلية. قالت: "كنت سأشارك كتابي مع أطفال ربما لم يروا أنفسهم يوما ممثلين في الكتب. كان ذلك يعني لي الكثير".
أما الكاتبة جميلة تومكنز-بيغلو، فقد ألغي لها حدث مدرسي بسبب منشور قالت فيه فقط: "إليكم رابطا للتبرع لأطفال فلسطين". هذا التعليق وحده كان كافيا لوضعها تحت مجهر الاتهام بمعاداة السامية، رغم أن كتبها لا تحتوي على أي مضامين سياسية.
الكاتبة هنا مشبك، صاحبة كتاب "الوطن: أبي يحلم بفلسطين"، منعت من قراءة مقتطف من كتابها في جامعة ولاية كارولاينا الشمالية لأنه "لا يظهر وجهتي النظر". وقالت إنها تلقت تهديدات أجبرتها على حضور فعالية مدرسية في ماساتشوستس تحت حماية أمنية مشددة، خوفا من استهدافها أمام أطفال عائلتها.
كتب بريئة... ومؤلفون تحت الهجوم
بحسب بحث أجرته الكاتبة والمربية نورا ليستر مراد، هناك 114 كتابا للأطفال باللغة الإنجليزية تتناول الرواية الفلسطينية، غالبيتها صدرت بعد عام 2019. لكن معظم هذه الكتب نشرت ذاتيا، نظرا لامتناع دور النشر الكبرى عن تبنيها.
تقول الكاتبة المصرية الأمريكية آية خليل، التي أزيل كتابها "البطانية العربية" من رفوف مكتبات مدارس بنسلفانيا: "لم يعترض أحد على القصة. بل لم يقرأوها أصلا. فقط قالوا: هذه كتب متنوعة ويجب إزالتها".
تضيف خليل أن الدعوات التي كانت تتلقاها للمشاركة في فعاليات المكتبات والمدارس تراجعت بشدة بعد حديثها العلني عن الرقابة على الأصوات الفلسطينية. ومع ذلك، فإن محاولات المنع جاءت بنتائج عكسية أحيانا: فقد نفدت الطبعة الأولى من كتاب مطري (5000 نسخة) قبل وصوله إلى المتاجر، وتم بيع 10,000 نسخة من كتب خليل في إحدى المناطق التعليمية بفضل حملة دعم مجتمعي.
تجربة مقاومة... وأمل في التغيير
الكاتبة ميساء عودة، صاحبة كتاب "خريطة لفلسطين", تعرضت لمحاولة إلغاء من قبل مجموعة "أوقفوا كراهية اليهود" في مدينة واترتاون بولاية ماساتشوستس. أغرقت الجهات الرسمية بآلاف الرسائل الإلكترونية تطالب بحذف الكتاب من قائمة القراءة الصيفية لتلاميذ الصف الثاني، لكن المكتبة تمسكت بالكتاب ورفضت الاستجابة.
وفي مؤتمر المجلس الوطني لمعلمي اللغة الإنجليزية (NCTE)، اضطرت عودة وكتاب آخرون للاستعانة بحماية أمنية بعد استهدافهم من منظمة إعلامية مؤيدة لإسرائيل تعرف بـCAMERA، والتي اتُهمت سابقا باستخدام تكتيكات ترهيب وتشويه السمعة ضد أصوات مؤيدة لفلسطين.
تقول مشبك: "أصبح إسمي مرتبطا بخمس مقالات من هذه المنظمة تظهر فورا عند البحث عني على الإنترنت. النقد الذي تعرض له كتابي استند إلى اقتباسات مباشرة من تلك المقالات".
تشير هذه التجارب إلى أن الأمر لم يعد يتعلق بالمحتوى فقط، بل بمن يُسمح له برواية القصة. تقول مطري في ختام حديثها: "ما يحدث ليس مجرد إلغاء فعاليات، بل محاولة لفصلنا عن قصصنا، عن أطفالنا، عن صوتنا".