الأربعاء  15 تشرين الأول 2025

"الانضباط" لرندا عبد الفتاح: تساؤلات في الهوية والصوت المهمش.. كيف تأثرت بالعدوان على غزة؟

2025-10-15 05:30:14 AM
رندا عبد الفتاح

ترجمة وتحرير: تدوين
نشر على: ABC News

نقلا عن: The Book Show| كتابة: نيكولا هيث وكلير نيكولز 

في ظل عدوان الاحتلال الأخير على قطاع غزة، وما رافقه من إبادة جماعية وتجويع ممنهج، تبدو رواية "الانضباط" للكاتبة والناشطة الأسترالية من أصول فلسطينية ومصرية، رندا عبد الفتاح، عملا أدبيا بالغ الراهنية.

لكن اللافت أن الرواية لم تكتب في سياق هذا العدوان، بل بدأت عبد الفتاح العمل عليها عام 2021، في أعقاب عدوان على غزة استمر 11 يوما خلال شهر رمضان.

في حديثها لبرنامج The Book Show على إذاعة ABC، تسترجع عبد الفتاح تلك اللحظة: "كان لذلك وقع كبير، لأن القنابل كانت تتساقط على غزة بينما كان الناس يحاولون الإفطار".

حينها، كانت تجري أبحاثا ميدانية في مدارس سيدني، تدرس فيها تجارب الشباب المسلمين ولا سيما الفتيان، في مرحلة ما بعد 11 أيلول، وسط مناخ اجتماعي يزداد فيه التمييز والإسلاموفوبيا.

من هذه الأجواء، ولدت فكرة رواية تعالج قضايا الهوية والنشاط السياسي في الشتات الفلسطيني، وتوجه للقراء البالغين، وهي الأولى من نوعها في مسيرتها.

في نسختها الأولى، كانت الرواية تتناول خمسة شخصيات وتستكشف "ثقافة الاحتجاج"، لكن مع اندلاع عدوان تشرين الأول 2023، تقول عبد الفتاح إنها شعرت بشلل إبداعي: "الواقع تجاوز العالم المتخيل الذي كنت أكتبه".

وعندما عادت إلى المخطوطة، قلصت الشخصيات إلى اثنتين فقط، وركزت على ساحتين متنازع عليهما بشدة: الإعلام والأكاديميا.

رواية الانضباط

"هنا": الصحفية الممزقة بين المهنة والانتماء

تدور أحداث الانضباط في سيدني خلال شهر رمضان، وتتابع قصة "هنا"، صحفية شابة وطموحة تعمل في صحيفة خيالية تدعى ذا كرونيكل. تجد نفسها المسلمة الوحيدة في غرفة الأخبار، وتكلف بتغطية قصة "نبيل"، طالب ثانوي فلسطيني يعتقل خلال احتجاج طلابي ضد علاقات الجامعة بشركة أسلحة، ويتهم بالإرهاب.

يطلب منها رئيس التحرير استغلال صلاتها بالمجتمع الفلسطيني لتصل إلى عائلة الفتى. وبينما تتزايد الضغوط، تجد "هنا" نفسها ممزقة بين مهنتها وانتمائها، في وقت تحاول فيه أيضا الاعتناء بطفلتها البالغة من العمر 14 شهرا، وتواصل صيامها في بيئة مهنية لا تراعي هويتها الدينية أو الثقافية.

تقول عبد الفتاح: "أردت أن أظهر هشاشتنا وإنسانيتنا. نحن لسنا خارقين".

ذنب النجاة والاغتراب داخل الوطن

رغم المسافة، يبقى الحضور الفلسطيني طاغيا في حياة "هنا"، من خلال الإشعارات الهاتفية، ورسائل الواتساب، والأخبار القادمة من غزة.

تصف عبد الفتاح هذا الشعور بـ"ذنب النجاة"، الإحساس الثقيل الذي يعيشه الفلسطينيون في الشتات وهم يتابعون المأساة من بعيد. "أردت أن أطرح سؤالا: كيف نخلق مساحات للراحة دون أن نشعر بالخيانة؟ دون أن يثقلنا الذنب؟"

"آش": الأكاديمي الذي تبنى منطق المنظومة

بالتوازي، تتابع الرواية شخصية "أشرف" أو "آش"، أكاديمي من أصول مصرية يشرف على أطروحة الدكتوراه لزوج "هنا". يجسد "آش" نموذج "الأقلية المثالية" أي المسلم الذي يحاول التأقلم مع النظام القائم بدلا من مواجهته.

تقول عبد الفتاح: "آش شخصية يائسة من التغيير الحقيقي، اختار الانصياع والعمل داخل المنظومة، ولو على حساب مجتمعه".

حين يعرض عليه قيادة برنامج حكومي مخصص للشباب المسلمين، يرى فيه فرصة لإنقاذ مسيرته، رغم علمه بأنه سيكون أداة لتلميع سياسات تهمش مجتمعه.

هذا التماهي مع المنظومة لا يمر دون تكلفة شخصية. زواجه من "مايا" ينهار بعد أن قررت التدين وارتداء الحجاب، وهو ما يراه هو "تطرفا" لا "روحانية". في إحدى المشاهد، يعلق بسخرية على ظهورها بالحجاب خلال مكالمة فيديو: "لماذا تجعل الأديان من الناس أضحوكة؟"

من الشتات إلى الكتابة: بين الذات والتخييل

تنحدر رندا عبد الفتاح من أب فلسطيني وأم مصرية، وتصف نفسها بأنها "نتاج شتات الإمبراطورية"، في إشارة إلى أن الاستعمار شكل مصير عائلتها التي استقرت في أستراليا أرض استعمارية بدورها.

رغم التقاطع بين خلفيتها وشخصيات الرواية، تصر عبد الفتاح على أن الانضباط ليست سيرة ذاتية: "هناك دوما افتراض أن الكتاب المسلمين أو العرب يكتبون سيرهم الذاتية، وكأننا لا نملك خيالا. هذا انتقاص من قدراتنا الإبداعية".

الرواية، كما تقول، تمزج بين التجربة والمعايشة والخيال، وهي ثمرة بحث عميق واستكشاف ذاتي.

اللغة كفعل سيادة

في آب 2025، انسحبت عبد الفتاح من مهرجان بنديجو للكتاب مع أكثر من 50 كاتبا، احتجاجا على ميثاق السلوك الذي قيد حرية التعبير خصوصا فيما يتعلق باللغة المستخدمة لوصف فلسطين.

قالت لإذاعة ABC: "كان من المستحيل أن أشارك في مهرجان لأتحدث عن رواية الانضباط، التي تتناول إسكات الفلسطينيين، بينما تنتزع مني لغتي، فاللغة هي سيادة.و إذا لم أتمكن من استخدام لغتي لوصف ما يحدث لشعبي، فأنت تمحوني وتمحو وجودي".

تختم عبد الفتاح حديثها بالقول: "كتبت هذه الرواية أولا وقبل كل شيء للصحفيين والأكاديميين العرب والمسلمين، أردت أن أقدم لهم مرآة يجدون فيها قلقهم، تعبهم، مقاومتهم، وصمودهم".