الأربعاء  22 تشرين الأول 2025

من الموناليزا إلى جواهر التاج: سرقات متكررة في أعرق متاحف العالم

2025-10-22 05:57:31 AM
من الموناليزا إلى جواهر التاج: سرقات متكررة في أعرق متاحف العالم
متحف اللوفر

تدوين-تغطيات 

في صباح يوم الأحد، 19 تشرين الأول 2025، وقع في متحف اللوفر حدث أربك الأوساط الثقافية والأمنية في فرنسا والعالم. ففي غضون أقل من سبع دقائق فقط، اختفت تسع قطع أثرية نادرة من قاعة "أبولون"، ضمن مجموعة جواهر التاج الفرنسي.
العملية التي نفذت ما بين الساعة 9:30 و9:40 صباحا، "كانت سريعة وصامتة واحترافية إلى درجة مذهلة، دون استخدام أي عنف أو إثارة للذعر"، كما أكدت وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي لقناة TF1.

من بين القطع المسروقة، لم يعثر سوى على تاج الإمبراطورة أوجيني محطما في مسرح الجريمة.

ورغم السمعة التي يحظى بها متحف اللوفر كأحد أكثر المتاحف تأمينا في العالم، فقد أثارت الحادثة تساؤلات كبيرة حول فعالية الإجراءات الأمنية، خاصة بعد معلومات تداولتها الصحافة الفرنسية تشكك في متانة واجهات العرض التي كانت تحمي الجواهر.

تاج الإمبراطورة الفرنسية أوجيني دي مونتيجو في متحف اللوفر- باريس

نظم حماية متهالكة وثغرات أمنية خطيرة

كشف تقرير حديث صادر عن محكمة الحسابات الفرنسية، وهي هيئة رقابية مستقلة تُعنى بمراقبة المال العام، عن تأخيرات كبيرة في تحديث أنظمة المراقبة والأمن داخل المتحف، مشيرا إلى "ثغرات غير متوقعة" استغلها لصوص محترفون خلال السرقة الأخيرة.

ووفقا لما نشره موقع فرنسا إنفو، استخدم الجناة شاحنة رفع حمولات في وضح النهار لتنفيذ السرقة في قاعة أبولون، وتمكنوا من الفرار، بينما لا تزال السلطات الفرنسية تبحث عنهم حتى اللحظة.

التقرير الذي يتوقع صدوره بنسخته الكاملة في تشرين الثاني المقبل، أشار إلى أن قسم "دينون" حيث تقع قاعة "أبولون" والموناليزا لا يحتوي على كاميرات مراقبة في نحو ثلث الغرف، بينما يعد الوضع أكثر خطورة في قسم "ريشليه"، حيث تخلو ثلاثة أرباع الغرف من أي نظام مراقبة بالفيديو.

ورغم مرور خمس سنوات على التحذيرات السابقة، لم تضف سوى 138 كاميرا جديدة فقط، وهو رقم يعد ضئيلا جدا بالنظر إلى المساحة الإجمالية للمتحف وعدد قاعاته، مما يعني أن أقل من ثلث الغرف فقط مجهز بأنظمة مراقبة حديثة.

محكمة الحسابات لم تخف استياءها من ضعف الإرادة الإدارية في مواجهة هذه التحديات، مشيرة إلى أن ذلك يحدث رغم الميزانية السنوية الضخمة التي تقدر بـ 323 مليون يورو، في حين أن الإنفاق المخصص للأمن لا يعكس مستوى الخطر ولا يتناسب مع قيمة الكنوز المعروضة.

ردود فعل المتحف والسلطات: نفي ووعود

في خضم الانتقادات المتصاعدة، دافعت إدارة متحف اللوفر عن نفسها، مشيرة في بيان نقلته وكالة "فرانس برس" إلى أن الواجهات التي كانت تحمي المجوهرات تم تركيبها في كانون الأول 2019، وتعتبر تحسينا أمنيا مهما مقارنة بالأنظمة القديمة التي كانت شديدة التقادم. وأكدت الإدارة أن المعدات السابقة كانت معرّضة للأعطال، وأن الإبقاء عليها كان سيؤدي إلى سحب القطع من العرض تماما.

ورغم ذلك، انتقدت صحيفة لو كانار آنشينيه الفرنسية الساخرة قرار استبدال الواجهات القديمة، معتبرة أن الواحدة منها التي تعود إلى خمسينيات القرن الماضي وكانت مزودة بنظام يخفي القطع في خزنة فور انطلاق الإنذار، كان يمكن أن تمنع السرقة لو لم تستبدل.

من جهتها، دافعت وزيرة الثقافة رشيدة داتي عن أداء المتحف خلال جلسة مساءلة في الجمعية الوطنية، مؤكدة أن "الإجراءات الأمنية لم تكن قاصرة"، لكنها أعلنت عن تشكيل لجنة خاصة لأمن المواقع التراثية، كما أطلقت خطا مباشرا عبر منصة "إكس" لتقصي صحة المعلومات المتداولة في وسائل الإعلام، محذرة من انتشار "المعلومات المضللة".

وفي تطور لافت، قدرت المدعية العامة في باريس لور بيكو قيمة المجوهرات المسروقة من متحف اللوفر بنحو 102 مليون دولار، مشيرة إلى أن حوالي 100 محقق يشاركون الآن في عملية البحث عن المشتبه بهم في سرقة المجهورات.

رئيس المتحف بدوره أشار إلى أن مشروع "اللوفر: النهضة الجديدة"، الذي أطلق في كانون الثاني الماضي، يتضمن خطة لتعزيز الأمن بشكل شامل، تشمل تحديثات تقنية وإعادة توزيع الكاميرات، بما يوازي أهمية هذا الصرح الثقافي العالمي.

تاريخ السرقات في متحف اللوفر

رغم سمعته كأكثر المتاحف زيارة في العالم، لم يكن متحف اللوفر بمنأى عن محاولات السرقة على مر تاريخه. بل إن بعضا من أبرز الأعمال الفنية المعروضة فيه اليوم، نالت شهرتها العالمية بعد أن تعرضت للنهب أو الاختفاء المؤقت.

سرقة الموناليزا (1911)

 فينتشينزو بيروجيا

في عام 1911، دخل موظف سابق في المتحف، وهو المهاجر الإيطالي فينتشينزو بيروجيا، إلى اللوفر يوم أحد، لكن هذه المرة في وقت متأخر من الليل. كان الدافع الذي حركه هو الغيرة القومية، إذ أراد استعادة اللوحة وإعادتها إلى موطنها الأصلي، إيطاليا.

وصل بيروجيا إلى صالون كاريه، حيث كانت لوحة دافنشي معلقة آنذاك. لكن الغريب أنه لم يسرقها في تلك الليلة.

اختبأ بيروجيا داخل خزانة تنظيف طوال الليل، ثم خرج صباح اليوم التالي وهو يحمل اللوحة تحت غطاء أبيض، وغادر المكان دون أن يثير الانتباه. والمثير للدهشة أن غياب اللوحة لم يلاحظ إلا صباح الثلاثاء أي بعد يومين كاملين من وقوع السرقة.

نجح بيروجيا في الوصول إلى مدينة فلورنسا وبقي محتفظا باللوحة لمدة ثلاث سنوات قبل أن تعاد إلى متحف اللوفر.

ورغم أنه أمضى فترة قصيرة في السجن بسبب فعلته، فإن الإيطاليين اعتبروه بطلا قوميا لما رأوه خدمة وطنية استعاد بها إرثا فنيا إيطاليا مسلوبا، بحسب ما ذكرته قناة هيستوري تشانل.

الحرب العالمية الثانية

عندما اجتاحت القوات النازية فرنسا عام 1940، واجه متحف اللوفر تهديدا غير مسبوق بفقدان بعض من أهم الأعمال الفنية في العالم. لكن مديره آنذاك، جاك جوجار، كان قد اتخذ احتياطات استثنائية، كما يوثق الفيلم الوثائقي Illustrious Yet Unknown الصادر عام 2014.

ففي الأيام التي سبقت سقوط باريس، نظم جوجار عملية إخلاء شاملة لكنوز المتحف، أرسل خلالها أكثر من 1,800 صندوق خشبي مليء بالتحف والأعمال الفنية التي لا تقدر بثمن إلى مناطق ريفية آمنة داخل فرنسا. وعندما دخلت القوات الألمانية العاصمة، وجدت المتحف شبه خاو من مقتنياته.

في 25 آب 1939، أغلق جوجار اللوفر بذريعة أعمال صيانة. وعلى مدار ثلاثة أيام وثلاث ليال، انهمك الموظفون وطلبة الفنون وعمال المتاجر الكبرى في تعبئة الأعمال داخل صناديق خشبية بيضاء. وقد وضعت علامات لونية على كل صندوق لتحديد

درجة أهمية ما يحتويه: أصفر للأعمال القيمة، أخضر للأعمال الكبرى، وأحمر للكنوز العالمية.

فعلى سبيل المثال، حمل الصندوق المخصص للوحة الموناليزا ثلاث علامات حمراء، وقد تنقلت اللوحة لاحقًا بين عدد من المواقع السرية طيلة فترة الحرب.

أما اللوحات التي أمكن لفها، مثل الزفاف في قانا لبول فيرونيزي، فتم نقلها بهذه الطريقة. بينما اضطروا إلى تحميل أعمال ضخمة، مثل لوحة الطوفان لجيريكو، على شاحنات كبيرة وتغطيتها بالبطانيات.

تحركت القافلة المؤلفة من 203 مركبات محملة بـ 1,862 صندوقا نحو أرجاء الريف الفرنسي، حيث تم توزيعها على مواقع متفرقة لضمان سلامتها.

وكان تمثال نصر ساموثريس المجنح هو آخر قطعة تغادر المتحف، وذلك في اليوم نفسه الذي غزت فيه ألمانيا بولندا، معلنة بذلك اندلاع الحرب العالمية الثانية.

عودة تمثال "انتصار ساموثراس" إلى متحف اللوفر بعد الحرب

سرقة مجوهرات التاج (1966)

رغم أن اللوفر لم يشهد سرقات كثيرة في العقود الأخيرة من القرن العشرين، إلا أن بعض الحوادث اللافتة وقعت بين الحين والآخر. من بينها حادثة وقعت عام 1966، حين تمكن لصوص من اعتراض شحنة مجوهرات أثرية كانت عائدة من ولاية فيرجينيا الأميركية إلى فرنسا، بعد عرضها مؤقتا هناك. وبينما لم تقع السرقة داخل المتحف نفسه، فإنها شكلت ضربة لمجموعة جواهر التاج الفرنسي.

 سرقة لوحة "طريق سيفر" (1998)

أما آخر عملية سرقة "حقيقية" وقعت داخل أروقة اللوفر، فقد كانت في 3 أيار 1998وكما في كثير من القصص السابقة، يوم أحد أيضا.

في وضح النهار، سرقت لوحة المنظر الطبيعي الصغيرة Le Chemin de Sèvres (طريق سيفر) للرسام الفرنسي جان-بابتيست كاميل كورو، وهي لوحة تعود إلى خمسينيات القرن التاسع عشر، وكان المتحف قد اقتناها عام 1902.

تبلغ أبعاد اللوحة 17.7 × 25.6 إنشا فقط، حيث تمكن السارق، من نزع اللوحة ببساطة من خلف الإطار، من دون كسر الزجاج أو إثارة أي جلبة تذكر. وغادر القاعة دون أن يكتشف أمره، ولم يلحظ غياب اللوحة إلا بعد فوات الأوان.

حتى اليوم، لم يعثر على العمل الفني، ويعتقد أنه دخل السوق السوداء الفنية حيث يسهل تهريب مثل هذه اللوحات الصغيرة خفيفة الوزن وعالية القيمة.