الثلاثاء  28 تشرين الأول 2025

"اللوحات المفقودة": معرض مارون طنب الضائع واستعادة لذاكرة فنية طمستها النكبة

2025-10-28 03:04:22 AM

تدوين-يحدث الآن 

في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1947، كان الفنان الفلسطيني اللبناني مارون طنب يقف في باحة كنيسة مارونية بمدينة حيفا، يستقبل الزوار في افتتاح معرضه الفردي الذي ضم 53 لوحة زيتية. لم يكن يعلم أن هذا اليوم الذي صادف إقرار الأمم المتحدة خطة تقسيم فلسطين سيكون بداية النهاية، ليس فقط لمعرضه الفني، بل لوجوده في مدينته أيضا.

بعد أسابيع قليلة، اندلعت النكبة، ففقد مارون وعائلته منزلهم ولوحاته وأرشيفه الفني، واضطر إلى النزوح إلى لبنان. ومنذ ذلك اليوم، لم تر تلك اللوحات مرة أخرى.

من الفقد إلى الإحياء

اليوم، وبعد أكثر من سبعة عقود، يعود معرض مارون طنب إلى الضوء في عمل فني جماعي بعنوان "اللوحات المفقودة: مقدّمة للعودة"، يحتضنه مركز بروكلين للفنون ومنظمة Unbound Visual Arts في مدينة برايتون الأمريكية، بالشراكة مع مهرجان بوسطن لأفلام فلسطين.

يستمر المعرض حتى 17 كانون الأول المقبل، ويضم 53 فنانا وفنانة من فلسطين والشتات، استلهم كل منهم إحدى اللوحات المفقودة من معرض 1947 ليعيد تخيلها من خلال وسائط معاصرة تشمل المنحوتة، والمنسوجة، والطباعة، والفيديو، والتركيبات متعددة الوسائط.

المعرض، الذي أشرفت عليه القيمات رولا خوري وهايدي موتولا وجويل طنب (حفيدة الفنان الراحل)، ولد من وثيقتين نادرتين بقيتا من معرض مارون الأصلي: بطاقة الدعوة عام 1947 وقائمة بأسماء اللوحات التي عرضت فيه.

تقول جويل طنب: "نحن لا نعيد بناء معرض فني فقد فقط، بل نعيد سرد قصة بلد سرق منه تاريخه الفني. هذه اللوحات كانت جزءا من هوية فلسطين التي حاولت النكبة محوها".

بدأ المشروع بمصادفة إنسانية مؤثرة. فبين أوراق جدها الراحل، اكتشفت الفنانة هايدي موتولا وهي من عائلة فنية عاشت في حيفا في ثلاثينيات القرن الماضي رسمة بقلم الرصاص لمارون طنب، ودعوة لمعرضه، ورسالة بين الجدّين الفنانين. عندها تواصلت مع جويل طنب، والتقتا لاحقا على شاطئ في قبرص، حيث سلمتها الرسالة الأصلية التي أصبحت بذرة المشروع الفني الكبير.

تصف جويل اللقاء بقولها: "كان شعورا يشبه القدر. أدركت أن لدي مهمة: أن أستعيد هذه القصة وأن أعيد للذاكرة الفلسطينية ما سُرق منها".

من هو مارون طنب؟

وُلد طنب في حيفا عام 1911 لأم فلسطينية وأب لبناني. عاش طفولته في حي الزوارة المطل على البحر، ثم انتقل إلى وادي النسناس بعد وفاة والده عام 1936. درس في المدرسة الإيطالية للفنون التطبيقية، وشارك عام 1933 في المعرض العربي الأول في القدس، حيث عرضت أعماله إلى جانب فنون من فلسطين وبلاد الشام.

في حيفا، تتلمذ على يد الفنان الألماني هيرمان شتروك، واشتغل في شركة السكك الحديدية البريطانية لتأمين معيشته ودعم شغفه الفني. أقام أول معرض فردي له في مبنى الكرمليت، ثم معرضه الثاني عام 1947 المعرض الذي فقدت لوحاته إلى الأبد بعد وقوع النكبة.

توفي مارون طنب في نيسان 1981 إثر نوبة قلبية قبل أيام من افتتاح معرضه العاشر في غاليري دامو ببيروت. وبعد عقود، أسس ابنه فؤاد طنب مع زوجته مي طنب عام 2020 مؤسسة "فؤاد ومي طنب للفنون" لحفظ إرثه الفني.

مارون طنب

يصف القيمون المعرض بأنه "مقدمة رمزية للعودة"، إذ يجمع أجيالا من الفنانين من داخل فلسطين وخارجها، ليعيدوا رسم ما فقد بالخيال.

تقول رولا خوري: "الفن هنا ليس نوستالجيا، بل أداة مقاومة ضد النسيان. كل عمل فني في هذا المشروع هو عودة صغيرة إلى فلسطين".

من بين المشاركين الفنانة دينا نظمي خورشيد، التي استلهمت عنوان لوحة "تحت شجرة البلوط" لعملها المنسوج بالأخضر والبني والأصفر. تقول خورشيد: "ثبات الأشجار وانعكاسها المتحرك في الماء هو تماما إحساس الفلسطيني الذي يرى وطنه من بعيد".

بعد عرضه في بروكلين وبرايتون، سينتقل "اللوحات المفقودة" إلى بلفاست (إيرلندا) ثم إلى لندن وبريستول (إنجلترا)، ضمن جولة عالمية تهدف إلى إعادة تقديم الفن الفلسطيني للعالم بوصفه فعل بقاء وذاكرة لا تموت.