الجزء الثاني من التقرير الذي يتتبع تحولات المشهد الأدبي الفلسطيني في زمن الإبادة وما بعدها. يمكن قراءة الجزء الأول عبر الضغط هنا.
تدوين-سوار عبد ربه
ما بعد الصدمة.. الإبادة تعيد تعريف النص الأدبي ووظيفته
غير أن الصدمة لم تعمل كقوة تعطيل، إنما أخذت منحى تصاعديا بدأ بالصمت، ثم التأمل، ثم الفعل. فقد تعامل جميع الكتاب معها بوصفها لحظة وعي جديدة، أعادت تعريف الكتابة ليس فقط شكلا ومضمونا، بل أيضا وظيفتها وأدوارها الأخلاقية والإبداعية في مواجهة الكارثة.
الكتابة بوصفها واجبا

يرى الشاعر ناصر رباح أن الكتابة في زمن الإبادة تحولت من فعل جمالي إلى توثيقي، وإلى وظيفة أخلاقية، فيقول: "في الحرب، تصبح الكتابة من حيث الشكل توثيقية تأريخية، تلتقط المشاهد اليومية الكارثية والمجنونة من الإفلات، وتقيدها بسطور اللغة". أما من حيث الوظيفة فتصبح "واجب لا بد من إنجازه تماما مثل الصلاة على الشهيد، ووداع الأصدقاء، ومراوغة الموت، واللهاث بقوة الحياة لرفع حجر الصمود إلى قمة جبل المأساة".
ويبين رباح أن هذا الواجب محملا بمستويات متعددة: "لطمأنة الناس على رصديهم الوطني والأخلاقي، ولإمداد الثكالى بالأمل، وكي لا يرى الأعداء موتنا فينتشون، وسدادا لدين الشهداء والأطفال اليتامى المستحق، وللتاريخ، وللعدالة، وللحق الذي لا يموت".
الكتابة كفعل نجاة
بالنسبة للشاعر جواد العقاد، فقد غدت الكتابة وسيلة للنجاة لا مجرد أداة للتعبير. يقول: "الحياة والكتابة بالنسبة لي فعل وجود وبقاء. كتبت في ظروف قاسية: في النزوح، على الأرصفة، وفي الخيام، تحت الصواريخ وضجيج الطيران، والقذائف تتساقط حولي حقيقة لا مجازا. كوني فلسطينيا يعني أن المكان يشكل هاجسا إنسانيا وأدبيا في تكويني، ففلسطين قضية المكان، والمكان يسكننا أكثر مما نسكنه".
ويضيف: "قاومت الموت بالكلمات، وحصرت حصاري بالشعر. كتبت عن غزة قبل المأساة وبعدها، وفي كل مرة كانت القصيدة فعل نجاة ومقاومة، وسيلتي الوحيدة لحماية ما تبقى من إنسانيتي في وجه العدم".
الكتابة بوصفها معركة سرد
يرى الروائي والفنان التشكيلي مروان عبد العال أن الإبادة منحت الكتابة معنى جديدا، إذ تحولت لديه من فعل جمالي إلى فعل وجود ومقاومة في مواجهة الفناء. يقول: "شعرت أن الكلمة هي ما تبقى من الإنسان، وأنها الوسيلة الأخيرة لحماية الذاكرة من المحو. الكتابة لا تنقذ العالم، لكنها تفضح زيفه، وتمنح الذاكرة سلاحها الأخير في وجه العدم".
ويتوقف عبد العال عند التجربة التشكيلية بوصفها امتدادا للفعل الإبداعي نفسه، مستشهدا بمعرضه الفني الذي أقامه في بيروت خلال الحرب بعنوان "ألوان معلّقة"، حيث حاول استحضار ما يسميه "العين الثالثة"، أي القدرة على رؤية ما وراء الدمار والتقاط الوجع الإنساني في أدق التفاصيل. ويوضح: "الألوان عندي لم تعد تنتمي إلى الواقع، بل إلى حالة معلقة بين الحياة والموت، مثل المخيم نفسه، وكما القضية الفلسطينية التي ظلت معلقة منذ النكبة الأولى: دمٌ معلّق، وطنٌ معلّق، وشهداء يظلون معلقين في الذاكرة والسماء. كان المعرض بمثابة مرآة لحالة الفلسطيني الوجودية؛ كائن يعيش مؤقتا في انتظار دائم، ويحمل وطنه في ذاكرته لأن الأرض من حوله تسلب كل يوم".

ويمتد هذا الفعل الإبداعي لديه إلى مشروعه الروائي "أشيرا"، الذي يعيد قراءة الأسطورة الكنعانية بوصفها رمزا للهوية الفلسطينية المسلوبة، فيقول: "كما سرقوا الأرض، سرقوا الأسطورة أيضا، وادعوا أن أشيرا جزء من تراثهم. عملي السردي يسعى لاستعادة هذه الرموز من قبضة التزييف، وإعادة تأصيل الصراع في جوهره الثقافي والروحي، لا السياسي وحده".
ويخلص عبد العال إلى أن كل ما سبق ليس إلا وجها من وجوه المعركة السردية الكبرى التي يخوضها الفلسطيني اليوم، فيقول: "ما يحدث اليوم هو حرب سرديات كونية، تتواجه فيها روايتان: رواية تزيف التاريخ لتبرير القتل، وأخرى تسعى لاستعادة الحقيقة والكرامة الإنسانية. من رحم غزة تولد الحقيقة الفلسطينية من جديد، وتذكرنا أن الكلمة، حين تُكتب بالدم، تتحول إلى شكل آخر من أشكال الحرية".
الكتابة كفعل ثوري تحريضي
تشير د. وداد البرغوثي إلى تحول واضح في وظيفة الأدب الفلسطيني خلال الإبادة، إذ لم يعد الاهتمام بالشكل الأدبي غاية بحد ذاته، بل أصبح المضمون الثوري والتحريضي في صلب النصوص، سواء كانت شعرا أو نثرا أو منشورات على وسائل التواصل. تقول: "بعد أن كان كثيرون يركزون على الشكل الأدبي على حساب المضمون، أصبح المضمون الثوري والتحريضي ملموسا في الشعر والنص النثري والمنشورات على وسائل التواصل، وأصبح لا بد لهذا الحس المتفجر أن يخرج في شكل قصيدة نارية أو نص يترجم واقع الحال".
كما تؤكد البرغوثي أن السخرية أصبحت إحدى أدوات المقاومة الأدبية الجديدة، فتقول: "أصبحت القصيدة أو المنشور وسيلة للسخرية المرة إزاء ما يجري، إزاء كذب العالم وديمقراطيته الزائفة".
وإذا كانت الشهادات السابقة قد كشفت عن عمق الصدمة في وجدان المبدعين الفلسطينيين، فإن ما يرد في محور "ما بعد الصدمة.. الإبادة تعيد تعريف النص الأدبي ووظيفته" يضيء مرحلة التحول التي تلتها. فالصدمة لم توقف الكتاب، بل دفعتهم إلى إعادة النظر في معنى الكتابة ودورها. حيث أصبح النص الفلسطيني مساحة للفعل والوعي والحرية، وليس مجرد انعكاس للألم والمعاناة.
بحثا عن لغة مناسبة وأنماط جديدة
لم تقتصر آثار الإبادة على المضمون والوظيفة الأدبية، بل امتدت إلى اللغة ذاتها، إذ كشفت عن فجوة عميقة بين طاقة اللغة وتقنيات الكتابة من جهة، وحجم التجربة التي تسعى إلى التعبير عنها من جهة أخرى. هذه الفجوة دفعت الكتاب إلى البحث عن لغة بديلة وأنماط جديدة.
يصف القاص والروائي عمر حمش كيف دفعته الحرب إلى تجاوز الأشكال السردية المألوفة نحو كتابة هجينة تستجيب لإيقاع اللحظة، قائلا "إن السرد التقليدي يحتاج وقتا وتأملا وراحة للعقل، بينما الحرب تجري ليلا ونهارا، وتسقط الموت في كل لحظة، لذلك كان لا بد من نمط جديد خليط وسريع، لا هو قصة ولا قصيدة ولا يوميات، بل شيء آخر حار يستجيب، تدفعه أسواط الحرب، ويأخذ تقنيته من لهب القذائف".
ويقدم الروائي عبد الله تايه شهادة تعكس كيف تفرض الأحداث القاسية على الكاتب أن يعيد ترتيب اللغة والأفكار، لإنتاج ألفاظ وصور وتعبيرات لم تكن موجودة قبل التجربة.
ويقول تايه: "أنا ككاتب قصة ورواية أعيد ترتيب لغتي وسيلان أفكاري وتعميق الوعي والمفاهيم الإنسانية والإبداعية حول هذه التجربة الإنسانية، فأجد أن كل هذا هو تشكيل طارئ في الظاهر بفعل القتل والموت، لكنه يفتح حجرات جديدة في العقل والقلب والوجدان، فليس ما قبل بمستوى ما بعد، ولن نتخلص من الوجع اللغوي والسردي لسنوات طويلة. إن وعي وثقافة وإبداع أي كاتب يتشكل من عوامل كثيرة مهمة، وأهمها بيئته وثقافته وأحلامه، فكيف سيغدو وقد فقد أمانه وحريته وأحلامه، فالفقد صار في كل شيء من الواقع ومن الأحلام، وراحت الخسارات إلى البيوت ومقتل الناس الذين لا شأن لهم".

ويضيف: "كتبت ونشرت عدة كتب، روايتين وكتابين في النقد، لكن الكتابة كانت بشق النفس، كتبت وأنا نازح بدون بيت، مع انعدام سبل الحياة، والخوف الدائم، وفقدان أساسيات الحياة. هذه التجربة المستمرة عمقت الوعي والفهم والإدراك، وأثرت تأثيرا قويا في اختيار اللغة المناسبة، والكلمات المناسبة، والجمل المناسبة؛ هنا تولد لغة تعبير جديدة، وألفاظ جديدة، ومعان أكثر اتساعا عن الحياة والظلم".
أما الشاعر ناصر رباح فيؤكد أن الحرب غيرت شكل قصيدته جذريا، إذ تخلص النص، كما يقول، من "كثافة المجاز والكناية والتناص"، وتحول إلى لغة أكثر بساطة ومباشرة، "يمكن لعابر الطريق أن يعتبرها قصيدته". انتقلت القصيدة من الذات الفردية إلى هم الجماعة، من الأسئلة الوجودية إلى اليومي والملموس، فصار الشعر فعل مشاركة لا عزلة.
ويرى رباح أن التجربة دفعت الشعراء إلى مواجهة السؤال الصعب: هل يستطيع الشعر أن يعبر عن حجم الكارثة؟ ويجيب بأن دوره ليس نقل الأخبار، بل رؤية ما لا تراه الكاميرا؛ المشاعر، الصمت، الخوف، والفقد. لذلك اكتفى في قصائده بالتقاط التفاصيل الصغيرة التي تبدو عادية لمن في الداخل، لكنها تكشف للعالم فانتازيا الواقع الفلسطيني تحت القصف.
ويضيف أن الكتابة في الحرب تحولت إلى واجب وطني لرفع الروح المعنوية ومواساة الذات والآخرين، فكتب عن البيت المهدوم والمكتبة المفقودة وموت الأطفال، وجعل من الأشياء اليومية شواهد حية على الصمود. أما من حيث التقنية الشعرية، فيقول إنه يكتب من منطقة وسطى بين الوعي واللاوعي، حيث تتناوب اللغة بين الواقع والخيال، بين كلمة من عصارة الذات وأخرى من مفردات الشارع، لتبقى القصيدة مثل "طائرة ورقية، إن جذبتها للأرض فقدت جمالها، وإن أطلقتها في السماء تاهت عن وظيفتها".
أما الشاعر جواد العقاد، فيصف النصوص التي كتبها خلال الحرب بقوله: "أصبحت بعيدة عن الكليشيهات والأخبار الحماسية"، إذ تغيرت اللغة وتماهت مع العواطف المتقدة والدموع الحارقة، لتغدو أصدق مرآة للحياة والموت معا".

من جانبه، يؤكد الروائي د. حسن حميد أن الحرب أعادت تشكيل علاقته بالكتابة، فأمام مشهد الإبادة والدمار في غزة شعر بأنه يعود إلى "الصف الأول الابتدائي في مدرسة الكتابة"، رغم أن مسيرته السابقة حافلة بالإنجازات الأدبية. فقد كتب روايات حازت جوائز مرموقة، مثل (جسر بنات يعقوب) الحائزة جائزة نجيب محفوظ الأدبية من الجامعة الأمريكية بالقاهرة عام 1999، و (ناغوغي الصغير) التي حصلت على جائزة نجيب محفوظ عام 2023.
ويشير حميد أن الإبادة جعلته ينسى ما كتب في مئات القصص وآلاف المقالات خلال خمسين سنة عن "الفدائيين الفلسطينيين الذين جعلوا التراب أسرة والحجارة مخدات والحقول دروبا نحو الأراضي المحتلة"، مستبدلا هذه الذكريات بمفردات الموت والاقتلاع والوحشية والغطرسة والجوع والعطش والأمراض والعبث والكذب والصفاقة والعجز والحيرة، ليعكس غياب كل ما هو بهيج، من البيوت والأسواق والمدارس ودور العبادة والمشافي، لصالح الدموع والفقدان.
تؤكد الشهادات الواردة في هذا المحور أن الإبادة لم تغير موضوع الكتابة فقط، بل لغتها أيضا. فقد دفعت المبدعين الفلسطينيين إلى كسر القوالب التقليدية، والبحث عن أساليب تستجيب لإيقاع الدمار اليومي وتلامس الواقع بلا وسائط. فعمر حمش تجاوز الأشكال السردية المألوفة نحو كتابة هجينة، وعبد الله تايه تحدث عن ولادة لغة من رحم الألم، بينما جعل ناصر رباح قصيدته أكثر بساطة واتصالا بالجماعة، ورأى جواد العقاد أن النص بات مرآة للحياة والموت معا، أما حسن حميد فاختار لغة مباشرة وصادمة تعكس فداحة المشهد والدمار بلا زخارف.
وبينما شكلت صدمة الإبادة محركا داخليا للكتابة الفلسطينية، فإن انعكاساتها لم تقتصر على السياق المحلي فقط، بل امتدت لتصل إلى الساحة العالمية، حيث أصبح للأدب الفلسطيني صوت يتجاوز الحدود، ويطرح تجربة الشعب الفلسطيني أمام الضمير الإنساني العام.
الأدب الفلسطيني بين المحلية والعالمية في زمن الإبادة
تؤكد الكاتبة والروائية د. وداد البرغوثي هذا الانعكاس ذي البعد السياسي والإنساني إلى جانب الثقافي، قائلة: "ما أحدثه الطوفان في الكيان المهزوز الذي حاول تغطية ضعفه الداخلي وانهياره، والصورة الجديدة التي أصبح عليها المجتمع العالمي تجاه القضية الفلسطينية، من إدراك لمعاناة الشعب وتحول نظرته من تقديس الاستعمار المزعوم إلى موقف منبوذ ومكروه، هذا كله يحفز تحولا إيجابيا ويمنح الأمل في حدوث تغيير حتمي في المستقبل. ما جرى أقنع كثيرين في العالم بحق الشعب الفلسطيني في الأرض، وفعل ما لم تفعله العقود السبعة السابقة. أصبح البحث في التراث الثوري العالمي ووحدة النفس بين قوى التغيير حاضرا في كل موقف. أصبح الغرب وادعاءاته مكشوفا وموضع شك وتكذيب، فما نراه في أفعاله عكس ما يدعيه في خطاباته".
ومع هذا الاهتمام العالمي المتزايد، ظهرت تحديات تتعلق بقدرة الأدب الفلسطيني على الوصول إلى جمهور أوسع، أبرزها غياب الترجمة والدعم المؤسسي، مما جعل الأدب الفلسطيني يعاني من ضعف أدوات التواصل مع العالم.

تشير الصحفية والكاتبة رشا فرحات إلى أن "الكتّاب والإعلاميون وناقلو الكلمة عموما خلال هذه الإبادة نجحوا تماما في نقل الصورة بشكلها الحقيقي، إذ خرجت كتب من غزة، ومجموعات قصصية، وروايات، أوصلت الرسالة بقوة". ومع ذلك، فإن هذا الوصول إلى العالمية كشف تحديا جديدا يتمثل في "غياب الأدب الفلسطيني المترجم إلى لغات أخرى"، كما توضح فرحات: "التقيت العديد من الأشخاص الذين لا يتحدثون العربية، وكانوا يطلبون ترجمة روايات مهمة عن الرواية الفلسطينية، ما يعني أنهم أصبحوا يبحثون عنا من خلال الأدب". ودعت فرحات وزارة الثقافة ودور النشر إلى استقطاب مترجمين من مختلف أنحاء العالم لضمان وصول الأدب الفلسطيني إلى الجمهور الدولي بشكل فعال.
إلى جانب هذه التحديات، بدأت بوادر الاهتمام العالمي تتضح من خلال الجوائز الأدبية المرموقة التي نالها بعض الكتاب الفلسطينيين خلال فترة الإبادة، حيث تقول فرحات: "حصل العديد من الكتاب على جوائز دولية خلال هذه الفترة، الأمر الذي لم يكن موجودا في السابق، لأن الفلسطيني كان محاربا، أما اليوم، فالإبادة فرضت وصول الفلسطيني بقوة، ولهذا وصلت رواياتنا إلى الجوائز".
وبذلك، ومع جهود الترجمة والجوائز الدولية، فتحت الإبادة أفقا جديدا للأدب الفلسطيني، ليصبح خطابا إنسانيا ذا بعد كوني، قادرا على نقل تجربة الشعب الفلسطيني إلى العالم، وتحمل مسؤولية نشر الرسالة الفلسطينية على الصعيد الدولي.
ملامح المشهد الأدبي الفلسطيني بعد الإبادة
في ضوء ما تقدم، يمكن القول إن الشهادات التي قدمها الكتاب الفلسطينيون أجمعت على أن التحولات العميقة التي طرأت على اللغة والوعي والوظيفة الأدبية، وإن جاءت استجابة لحالة طارئة فرضت نفسها، فإن أثرها سيمتد لسنوات قادمة، ليشكل إحدى أبرز علامات المشهد الأدبي الفلسطيني الجديد. فالإبادة، كما تبين من الشهادات، لم تعطل الكتابة بل أعادت تعريفها، ولم تترك النصوص في فراغ، بل دفعتها إلى أن تحضر بشكل مغاير، أكثر التصاقا بالحياة، وأقرب إلى جوهر التجربة الفلسطينية الممتدة.
لقد بدأ الأمر بسؤال بسيط حول جدوى الأدب أمام المأساة، لكنه سرعان ما تحول إلى مراجعة عميقة لطبيعة الفعل الإبداعي ذاته، وإلى وعي جديد بدور الكاتب الفلسطيني كمن يعيش التجربة من داخلها لا من على أطرافها. بهذا المعنى، نحن أمام مشهد أدبي يتشكل في رحم الصدمة، محققا شرط د. فيصل دراج لازدهار الإبداع الأدبي الفلسطيني.
قد لا يمكن اختبار استدامته الآن، لكن المؤشرات تؤكد أن الكتاب الفلسطينيين باتوا أكثر جاهزية لانتشال هذا المشهد من حالتي الركود أو الغياب، نحو حضور كثيف وفاعل، يجعل من الكتابة الفلسطينية شهادة حية للأجيال القادمة، وجسرا بين الحاضر والمستقبل، ونافذة للعالم لفهم تجربة إنسانية عميقة. فالإبادة، رغم فظاعتها، لم توقف الإبداع، بل أعادت تأكيد قدرة الأدب الفلسطيني على التعبير عن الوجع، ومقاومة النسيان، واستعادة المعنى الإنساني في أحلك الظروف.