تدوين-إصدارات
يصدر قريبا عن دار NYRB Classics كتاب بعنوان "الرب" للكاتبة الفلسطينية سورايا أنطونيوس، وذلك في طبعة جديدة تعيد إحياء إحدى أبرز الروايات التي تناولت الحياة الفلسطينية في زمن الاستعمار البريطاني وما قبله بقليل، وصولا إلى السنوات التي سبقت النكبة. تأتي هذه الطبعة مصحوبة بمقدمة جديدة للكاتبة سلمى دباغ، تبرز أهمية العمل في سياق السرد الأدبي الفلسطيني المعاصر.
ترصد الرواية حياة الفلسطينيين في ثلاثينيات القرن الماضي من خلال شخصية طارق، الشاب الذي نشأ في ظل الحكم البريطاني، ووجد نفسه في قلب ثورة 1936–1939. يُقدّم طارق كفنان جوال يؤدي الخدع السحرية، لكنه في الوقت نفسه يحمل دورا سياسيا وشعبيا يتجاوز حدود الأداء الفني.
تتحول خدعه إلى أدوات سخرية ومقاومة، ويتحول هو نفسه إلى شخصية رمزية يطلق عليها القرويون لقب "السيد" (الرب).
تتميز الرواية ببنيتها المتشابكة، وسردها الذي يمزج بين الحكايات، والوثائق، والذكريات، والتنقل بين الأزمنة. كما تكشف عن تفاصيل دقيقة للحياة الريفية الفلسطينية عاداتها، زراعتها، أدوار النساء فيها، والعلاقات الاجتماعية المعقدة وتظهر أثر الاستعمار البريطاني على القرية والمدينة معا، بما في ذلك القمع، والملاحقة، والهندسة الحضرية التي دمرت أحياء عربية مثل حي القصبة في يافا تحت ذريعة "تحسين المدينة".
وتتجلى قوة الرواية أيضا في تناولها لأصوات النساء: من بثينة التي تزف طفلة لرجل يكبرها بسنوات كثيرة، إلى أم طارق التي تجسد تناقضات الضغوط الاجتماعية، وصولا إلى الراوية الصحفية في لبنان الثمانينيات، التي تقطع السرد بملاحظات ناقدة وساخرة تبرز البعد النسوي في نص أنطونيوس.
عن الكاتبة: سورايا أنطونيوس
سورايا أنطونيوس (1932–2007) ولدت في القدس لعائلة بارزة مثقفة وعابرة للثقافات. والدها هو جورج أنطونيوس، صاحب الكتاب المؤسس في القومية العربية يقظة العرب (1939)، ووالدتها كاتي نمر كانت شخصية اجتماعية وثقافية معروفة، تنتمي إلى عائلة لبنانية سورية نافذة. نشأت سورايا في بيت كرم المفتي في حي الشيخ جراح أحد المحاور الثقافية والسياسية في القدس قبل النكبة.
تلقت تعليمها في القدس والإسكندرية ثم في لندن، حيث درست في كلية "تشيلتنهام" ولاحقا في كلية الفنون الجميلة "سليد". بدأت عملها الصحفي والأدبي في بيروت، وشاركت في النشاط الثقافي الفلسطيني بقوة، فأصبحت عضوا في "الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية" وعملت بعد حرب 1967 على تأسيس "جمعية الخامس من حزيران" المعنية بالتوعية بالقضية الفلسطينية. كما شاركت في إنتاج أفلام توثيقية مثل Resistance, Why واهتمت بتوثيق الحياة الاجتماعية الفلسطينية، خصوصا حياة النساء، وهو ما أثر بعمق في كتابة "الرب".
كتبت الرواية أثناء اجتياح وحصار بيروت في الثمانينيات، حيث كانت تعيش مع والدتها المريضة تحت القصف والقطع الكهربائي، وهي تجربة انعكست بقوة في حدة السرد وأسلوبه المتقطع والمتوتر. كانت تقول إن الرواية "كتبت نفسها" رغم ظروف الحرب القاسية.
يمثل صدور هذه الطبعة الجديدة من "الرب" استعادة لصوت أدبي فلسطيني مؤثر، يجمع بين الحس التاريخي العميق والأسلوب التجريبي المتحرر، ويعيد إلى الواجهة رواية تضيء جانبا مخملا من الذاكرة الفلسطينية، خاصة ما يتعلق بحياة القرى وأدوار النساء في ظل الاستعمار البريطاني.