تدوين- يحدث الآن
أطلقت "مؤسسة الدراسات الفلسطينية" في العاصمة اللبنانية بيروت مبادرة توثيقية نوعية تحت اسم "منصة شيرين أبو عاقلة"، بهدف توفير مرجع رقمي شامل وموثوق يرصد كافة أشكال الانتهاكات التي تطاول الجسم الصحفي الفلسطيني والمؤسسات الإعلامية العاملة في الأراضي المحتلة. وتأتي هذه الخطوة استجابةً لضرورات المرحلة الحالية التي وصفتها المؤسسة بأنها الأكثر دموية في تاريخ الصحافة الفلسطينية منذ اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث تحول استهداف الصحافيين ومنشآتهم من حوادث متفرقة إلى جزء ممنهج من منظومة "الإبادة الإسرائيلية" التي تسعى لاغتيال "الصوت والصورة" بالتوازي مع اغتيال الجسد.
تأتي هذه الخطوة استجابةً لضرورات المرحلة الحالية التي هي الأكثر دموية في تاريخ الصحافة الفلسطينية
أرشيف حي في مواجهة محو الحقيقة
لا يقتصر دور المنصة المستحدثة على مجرد تجميع البيانات، بل تتجاوز ذلك لتأسيس قاعدة معلوماتية متكاملة تمزج بين التوثيق المكتوب والمصور. وتعمل المنصة على أرشفة شهادات ميدانية حية، ووثائق قانونية، وصور، ومقاطع فيديو، بالإضافة إلى رصد التقارير الحقوقية والإعلامية الصادرة في هذا الشأن. وإلى جانب الرصد الخبري، تقدم المنصة بعداً تحليلياً عبر نشر دراسات لباحثين متخصصين يتناولون البنية السياسية والقانونية التي تشرعن استهداف الإعلام، وذلك سعياً لبناء أرشيف نقدي يساعد في فهم ظاهرة "الإبادة الإعلامية" وتحليل سياقاتها، بما يضمن حماية الذاكرة الفلسطينية وصون الحق في الحقيقة أمام محاولات طمس الرواية وتغييب الشهود.
لغة الأرقام تفضح حجم الكارثة
كشفت البيانات التي نشرتها المنصة عن واقع مروع عاشه الصحافيون خلال عامين من الحرب المستمرة على غزة، مقدمة مسحاً شاملاً للخسائر البشرية والمادية. فقد وثقت المنصة استشهاد مائتين وخمسة وخمسين صحافياً في فلسطين، إضافة إلى ثلاثة عشر صحافياً في لبنان. وعلى صعيد البنية التحتية الصحفية، رصدت المنصة استهداف مقار مائة واثنتي عشرة مؤسسة إعلامية، تعرضت إحدى وأربعون منها لتدمير كلي، بينما لحق الدمار الجزئي باثنتين وثلاثين منشأة أخرى. ولم تتوقف الانتهاكات عند القتل والتدمير، بل طاولت حرية العمل الصحفي عبر الاعتقالات، حيث سجلت المنصة اعتقال ستة وثمانين صحافياً بعد السابع من أكتوبر، ولا يزال ستة عشر منهم قيد الاعتقال في سجون الاحتلال حتى اللحظة.
شيرين أبو عاقلة.. الرمز والبوصلة
أوضحت المؤسسة أن إطلاق اسم "شيرين أبو عاقلة" على المنصة يحمل دلالات عميقة، نظراً لما شكله اغتيال مراسلة قناة الجزيرة من لحظة مفصلية في تاريخ الصحافة الفلسطينية والعالمية. فقد تحول استشهادها برصاص قناص إسرائيلي استهدفها بشكل مباشر في الرأس أثناء تغطيتها لاقتحام مخيم جنين في مايو/أيار 2022، إلى رمز دائم ودامغ لسياسة "الإبادة الإعلامية". ورغم وضوح الأدلة التي تدين قوات الاحتلال في تلك الجريمة، فإن استمرار إسرائيل في التهرب من مسؤولياتها يعزز الحاجة لمثل هذه المنصات التوثيقية التي تمنع نسيان الجرائم وتلاحق الجناة بالكلمة والوثيقة.