الأحد  14 كانون الأول 2025

حنان العزايزة شابة من غزة واجهت الحرب بالكتابة وتصل بروايتها إلى إيطاليا

الكاتبة حنان العزايزة: الكرسي الفارغ هو المكان الذي نضع عليه كل من رحل، ونبقى ننتظر عودته

2025-12-14 02:56:14 AM
حنان العزايزة شابة من غزة واجهت الحرب بالكتابة وتصل بروايتها إلى إيطاليا
حنان العزايزة

تدوين-مثنى النجار 

وسط ركام البيوت، وذكريات الحرب الثقيلة، وصوت الطائرات الذي لم يغادر سماء غزة يوما، برز صوت مختلف، صوت شابة في العشرين من عمرها قررت أن تكتب لتنجو، وأن تحوّل وجعها إلى رواية عبرت حدود غزة ووصلت إلى إيطاليا.

حنان العزايزة، ابنة دير البلح، الطالبة في هندسة العمارة، استطاعت رغم الحرب والتهجير أن تصدر روايتها الأولى "الكرسي الفارغ"؛ رواية تلامس الوجدان وتغوص في سؤال الهوية والصدمة، وتروي على لسان بطلة تعيش اضطراب الهوية الفصامي، رحلة الألم والبحث عن الذات.

في هذا الحوار، تفتح حنان قلبها لـ "تدوين"، وتحكي كيف أنقذتها الكتابة، وكيف صار “الكرسي الفارغ” رمزا لكل الغياب الذي لم ينته.

تدوين: من هي حنان العزايزة؟ وكيف كانت بداية الكتابة؟

العزايزة: أنا حنان العزايزة، من دير البلح، أبلغ من العمر عشرين عاما، وأدرس هندسة العمارة في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية.

الكتابة بالنسبة لي مساحة للتنفس، وملاذي الوحيد من أصوات القذائف والطائرات المُسيّرة والخوف الذي رافقني منذ الطفولة. كنت أكتب لأفرغ قلبي من كل ما خلفته الحرب في داخلنا، ولذلك أعتبر الكتابة أسلوب نجاة.

بدأت بكتابة نصوص وقصائد قصيرة، جمعتها لاحقا في كتاب بعنوان "خيوط الحياة"، لأن الكلمات كانت بالنسبة لي خيوط صوتي التي خرجت خارج حدود غزة. طُبع الكتاب في إيطاليا، ووصل إلى قلوب الناس بطريقة لم أكن أتوقعها، وكان ذلك أول دفعة حقيقية نحو حلمي الأكبر: كتابة رواية تحمل قصتي وقصص الناس الذين غيرت الحرب ملامح حياتهم.

تدوين: لماذا اخترتِ في الرواية ثلاث شخصيات داخل شخصية واحدة؟

العزايزة: الشخصيات الثلاث ليست خيالا، بل هي مراحل مني فرضتها عليّ الحرب، وصار كل واحد منها يمثل وجها من وجهي: الوجه الأول كان العاقل الهادئ الذي يحاول فهم الفوضى، أما الوجه الثاني فكان المضطرب الذي أفسده الغياب الطويل، وأما الوجه الثالث فهو ذلك الوجه الذي، رغم كل شيء، ما زال مؤمنا بوجود الضوء.

هذه الأصوات لم تكن مجرد تقنية سردية، بل كانت أصوات روحي.

تدوين: الطفلة تحت القصف تظهر بقوة في الرواية… من هي؟

العزايزة:  تلك الطفلة هي أنا.

حادثة قصف بيت أقاربي وإصابتي في طفولتي تركت أثرا لم يزُل. كنت أبحث عن لعبتي، وفجأة وجدت نفسي على الأرض، والدخان يملأ المكان، وصراخ الكبار يحيط بي.

ظل هذا المشهد يرافقني، يكبر معي، ويتسلل إلى كل ما أكتبه. عندما أكتب عن الطفلة، فأنا في الحقيقة أعود إلى تلك اللحظة، وأحاول إعادة صياغة الخوف بدل أن يبقى غائرا في داخلي.

تدوين: ماذا يرمز عنوان "الكرسي الفارغ"؟

العزايزة: "الكرسي الفارغ" لا يعبر عن غياب شخص واحد، بل هو رمز لغيابات كثيرة: الغياب الذي خلّفته الحرب، والناس الذين فقدناهم فجأة، والبيوت التي دُمّرت، والوطن الذي تغير، والنسخة القديمة منّا التي طمرتها الصدمات.

اخترت هذا العنوان لأنه يعبر عني وعن غزة كلها. الكرسي الفارغ هو المكان الذي نضع عليه كل من رحل، ونبقى ننتظر عودته.

تدوين: ماذا يعني لكِ تدمير منزل عائلتك؟

العزايزة: بيتنا كان مكونا من أربعة طوابق، مليئا بالحياة والذكريات. وعندما قُصف، انهار معه شعور الأمان بالكامل.

الكتابة ساعدتني على ترتيب الخراب الداخلي؛ لم تعد البيت، لكنها أعادتني إلى نفسي، وجعلتني أشعر بأنني أبني من جديد، كلمة فوق كلمة.

تدوين: كيف وصلت الرواية إلى إيطاليا؟ وما شعورك تجاه هذا الإنجاز؟

العزايزة: طباعة روايتي في إيطاليا كانت لحظة لا تنسى، ليس فقط لأن كتابي وصل إلى مكان بعيد، بل لأن صوتنا كشباب غزة يجب أن يصل. يجب أن يعرف العالم أن غزة ليست فقط حربا وحصارا، بل روح وإبداع وقدرة على النجاة.

أنا ممتنة لكل من آمن بي، وخاصة تشيشليا بارودي، الناشطة الإيطالية التي وقفت إلى جانبي ودعمت الرواية بقلب مفتوح. وهذه كلماتها المؤثرة عن الكتاب، والتي ما زالت تلامس قلبي في كل مرة أقرأها: "هذا الكتاب ليس سهلا على القارئ الغربي؛ إنه رحلة إلى داخل جحيم حنان، إلى عمق الذاكرة التي حملت الإبادة والحرب… هل يمكننا أن نعيش بعد أن ينهار بيتنا فوق رؤوسنا؟ سؤال لم تجد له حنان جوابا بعد… دعائي أن يعود الكرسي الفارغ ليحتضن طفلة صغيرة تحمل لعبتها… وهذا هو أقوى انتقام من العالم".

تدوين: ماذا تنتظرين اليوم من روايتك؟

العزايزة: أتمنى أن تكون الرواية صوتا، ليس لي وحدي، بل لكل طفل خائف، ولكل أم موجوعة، ولكل بيت صار ركاما.

وأتمنى قريبا أن أرى كتبي بين يدي، لا مجرد ملفات محفوظة على جهازي.

في عمر مبكر، حملت حنان العزايزة من الرمل ما يبنى به بيت، ومن الركام ما يكتب به رواية. خاضت عتمة الذاكرة، ونحتت كلماتها تحت القصف، وخرجت بصوت يشبه غزة موجوع لكنه واقف.

"الكرسي الفارغ" هو شهادة جيل كامل على الحرب، وعلى محاولة النجاة منها عبر الكتابة. حنان تثبت مرة أخرى أن غزة، مهما أثخنتها الجراح، قادرة على أن تخرج للعالم أصواتا تنبض بالحياة.