الأحد  22 كانون الأول 2024

عتبــــــــــة

قصة قصيرة

2014-02-02 00:00:00
عتبــــــــــة
صورة ارشيفية

 

سامية مصطفى عيّاش- كاتبة وروائية فلسطينية

لم تستطع أن تسمعني، رغم الكثير من المحاولات، لم يكن الهاتف خَرِبا، صوتي فقط هو الذي راح! 

أمي قسّمت ذهبها على عدد إخوتي الثلاثة، وقالت إنها ستصلي وستدعو الله ألا يُطرق باب الدار على بسمة قذرة.

صرخت أمام أمي: وأنا، ألن تفديني بشيء! 

نظرة رعب عميقة تحجّرت في عينيها

قالت جارتنا لأمي، إنهم جاؤوا ليأخذوا ابنها، لكنها في سطوة الخوف عليه، أعطتهم كل ذهبها. ضربتْ كفا بكف، ثم أسندته على الخد اليمين، وصار قلبها يرنّ: لو عادوا، بِم أفديه؟

اليد اليمنى فوق اليسرى، كأنني سأصلي في النوم.

اليد اليمنى فوق اليسرى، أضم رجليّ تماما، وأغطي جسدي كله. رأسي مليء بالأفكار التي قد تُرى من مقلة العين. أنام في العتمة دوما، لكني بدأت النوم في النور. تعلمتُ ذلك حديثا. وحين يرفّ النوم ينتابني فرح غامر: أخيراً سأنام!

لم أنم منذ أربعة أيام. راحت حنين، خطفوها، شيّعنا جنازتها منذ أسبوع، كلما اقتربتُ من زميلة لنا في الجامعة وشوشتني: 

وجدوها عارية! ومرمية في الشارع، عند عتبة بيت حسام. مجرمون

سمعت أن حسام لَمّ أجزاءها، في بطانية، وكان يبكي كالنساء.‭‬

قالوا إنهم سرقوا أعضاءها الداخلية، هناك خياطة عند المعدة.

اغتصبوها، أكيد اغتصبوها بالتناوب!

أنا أكره كل بنات الكلية، كلهنّ. كلامهن بقي يتردد، ويصدر أصداء مخيفة طوال الليل. لففت جسدي بالغطاء، من أخمص قدمي، وحتى رأسي. ووضعت خاتمنا أسفل الوسادة. اتصلتَ كثيرا، لكني لم أملك صوتا!

محمد: أنا لا أريد أن أُرمى عند عتبة دارك. لم أتخيل ذلك قبل استشهاد حنين، إطلاقا. كنت أتخيل أني سأرقص كفراشة في كل بيتك، أني أتجاوز العتبات، العتبة للغرباء يا محمد، أنت قلت لي ذلك.. لا أريد أن أموت غريبة!

سأصححها: لا أريد أن أموت غريبة عنك!  

في لحظة ما، لحظة عميقة في آخر الليل، أصلي. ينهشني جسدي، ورغبتي في أكلك. أنت لا تعرف كيف أريد أن آكلك! أريد أن تكون معي، في دمي، أن تغذي خلاياي كلّها. أحارب رغبتي في نهشك ككلب،  بالصلاة.. حين أصلي أصبح هادئة أكثر، وأستطيع أن أخلد لنوم بلا أحلام.

قل لي يا محمد، لماذا أحببتُ الكلاب فجأة؟ أنا أكرهها، وأكره أنيابها، وصوت نباحها. لماذا أودّ لو أنبح لك؟

أنا أحفظ رسم بابك جيدا، وأعرف عدد الشتلات الصغيرة، ورائحة الياسمين، وصوت النافورة، أنا أعرف عدد حجرات الدار، وكم بلاطة على الأرض، وأعرف كيف أترك صدري يتبلل قليلا، وكيف يمكن ليدك أن تمتد لتفكّ شعري. لقد تدربت على هذا المشهد كثيرا. أعرف كل هذا، لكني لم أعرف إلى الآن، كيف يمكن للخوف الذي تسلل في الجلد والمسام واللحم و العروق والأوردة  والنخاع والثغرات والشقوق والهواء والروح. أن يُحارَب؟