السبت  28 كانون الأول 2024

المعقول واللامعقول في العقل العربي..إبراهيم رحمة

2016-01-13 09:33:47 AM
المعقول واللامعقول في العقل العربي..إبراهيم رحمة

يبدو العنوان مجرد لخبطة من مفرداته، لا سيما من وجهة النظر العلمية كما وجهة النظر الأدبية وحتى الفلسفية، غير أن ما ترسب في العقل العربي منذ قرون نتيجة الهزيمة المتراكمة والحكم المسبَق لما يحدث حوله، وكذا التآكل البينيّ، أدى لا محالة إلى ترسيخ هذا الاتجاه، اتجاه تلاقي المعقول واللامعقول في العقل العربي.

إن الراهن الذي في مظهره موهن لأي بادرة أمل من أي فصيلٍ كان، وموهن لأي فرد لا على التخصيص، هو راهن من منظور عربي بحْتٍ يرسم له هذا المظهر، بينما هو في حقيقته يحمل في رحمه كل أدوات الاستنهاض، وكل أدوات الخروج من منطقة ما تحت الصفر التي يدور في مركزها ساكنة المنطقة العربية.

فميزة العقل العربي القوية هي في وحدوية منطوقه، واتفاق رابطة الدم لديه، كما في وحدوية زَخَمِه الديني، الذي يبدو منقسما، غير أنه في جوهره دين وحدوي سلاميٌّ، على اختلاف الطوائف، من مسيحية أو مسلمة أو صابئة، هذه الميزة التي لا تكون في أي جهة أخرى من المعمورة، لم تكن في هذه البقعة عبثا، بل هي كناغِمٍ للحياة، ناظِمٍ لها، وإن هذا الآخر (عدوّ الشرق اصطلاحا) والذي مناط سيادته الكونية هي السيطرة والعبث بالمكوّن الديني أولا ثم العبث بأولويات العقل العربي، بكلّ أسف نسجل انسياق جهات عربية، عن حسن نية أو سوئها، وعن جهل يبدو في كثير علما، انسياقهم في عملية الهدم الذاتي، عوض الخروج من دائرة التصوّر الشخصاني لكل ما يصادفهم، هذه الجهات العربية وعوض فهم الذات وفهم الواقع وفهم الزمن، لَزِموا جملة مواقف تكرارية على رأس كل سبعين سنة، وكأنهم لم يجدوا عنها بديلا.

ما يحدث في الأعوام الأخيرة، من انهيار لأنظمة ليس فقط سياسية، بل أنظمة اجتماعية وثقافية، في المربع العربي، هو بمثابة جرس إنذار، مثلما ذكرت سابقا ورُغم تكراريته الساذجة، إلا أن عناصر هذا المربع لم تفقه أبعاده بعدُ، ولم تتخذ الآليات الضابطة له أو الكابحة، ولم تتخذ المعادلات التي ترجع به لمصلحتها. هي تظل (هذه العناصر) تعمل بغير إدراك لصالح الآخر الذي كل جهده هو السيطرة على مقدراتها، وكان له ذلك في عملية تكرارية.

يبدو الأمر مدعاة للسخرية، أن يقوم فصيل عربي بضرب فصيل من جنسه حدّ الفناء، في الوقت الذي كان منذ فترة يسيرة يشجب ضرب فصيل عربي لفصيل من جنسه ( نضرب هنا مثالا: حالة السعودية – اليمن، وحالة العراق – الكويت)، أو أن يقوم فصيل عربيّ بتذكية حرب داخل فصيل من جنسه بدعوى نشر الحرية في الوقت الذي هو يمارس كل صنوف الانغلاق، كلّ هذا دون إغفال الحالة الفلسطينية (والصمت فيها أبلغ من كل كلامٍ)،  إن التخبط واللخبطة في المفاهيم وعدم انتظامها لدى العقل العربي، وهذا دون أن نتمادى في مناقشة عقيمة وجدال عَمَّنْ مع منْ أو من على حق ومن على باطل، فالمحصلة واحدة، والأرقام هي من تتكلم في النهاية، قلت إن التخبط واللخبطة قد حسما الرؤية ومن بعدِها النتيجة، وهي أن العقل العربي سيظل لقرن آخر على أقل تقدير، يعاني في منطقة ما تحت الصفر، هذا ليس بذكاء من عدوه الطبيعي، إنما هذا بغباء من عناصره الطبيعية.

وعلى هذا سيظل اللامعقول معقولا في العقل العربي، والمعقول تهمة لا براء منها.