الأحد  22 كانون الأول 2024

ظل التانغو بقلم: أسماء ناصر أبو عيّاش

2018-10-28 08:37:15 PM
ظل التانغو
بقلم: أسماء ناصر أبو عيّاش

إلى أمها.. إلى أولاادها وبناتها.. إلى راقصي التانغو الهاربين من وحشة العالم، تهدي الكاتبة الفلسطينية السويدية دلال عبد الغني روايتها ظل التانغو وتقول؛ "منذ أن انشطرنا يضيق العالم من حولي ويبقى امتداد ظلِك – في أشارة إلى أمها-  من وحشة العالم أهدي روايتي لتكون جسراً للخروج من غربتنا."

"ظل التانغو" الصادرة عن الأهلية للنشر والتوزيع؛ رواية ضاجّة زاخرة بالمختلف موجعة في مواضع كثيرة، تحكي بجرأة عن تابوهات ظللت مجتمعاتنا وترجمت حرمان الأنثى من ممارسة حريتها بلجوء بطلة روايتها (حورية) إلى إجراء حوارات مع ذاتها لتصنع أبطال خيالها بماء قلبها.

كتبت عن النساء والحرب.. تلك الحرب التي اقتصّت منا سنيَّ العمر والأحبة. ربما.. أقول ربما رجال مسّهم بعض جنون هم من يطلقون شرارة الحرب لتعيش النساء معاناة تداعياتها.. تلك وجهة نظر مفتوحة على احتمالات شتى قابلة للدحض أو القبول.

من تداعيات الحرب تولد الهجرة.. تكتب عن الهجرة إلى بلاد الغربة ومعاناة الطريق الواصل ما بين المكان الذي شهد أول شهقة حياة إلى اللا مكان لتجد الأمان هناك كما في التشبث بثوب أمها ساعة نزوح.

يبدو حضور المرأة طاغٍ في رواية دلال عبد الغني فنجدها تتحدث تارة عن صديقات يُجدن إعداد الطعام والحلوى.. تتحدث عن هناء وخالد وتناقض الرجل الشرقي في الفكر والممارسة، عن فضيلة وما لهذا الاسم من مدلول اختارته الكاتبة بذكاء.. فضيلة المقتولة بيد أبيها وأخيها بذريعة غسل الشرف لحبها لرجل سويدي. ولا يفوتها أن تفرد في كل لمحة من ذاكرتها مساحة للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وتورد قريتها وبيت جارتها الذي هدمته آليات الاحتلال نموذجاً لوطن مكلوم! تتحدث عن صديقتها لينا التي تفجر حالتها في ذهنية الكاتبة على لسان حورية حقيقة أننا ننتمي لأمة تُفقِد شعوبها حقها في إنسانيتها. ولأن الكاتبة تعيش في السويد فقد كان لا بد وأن توَشّي ملامح روايتها إشكاليات العلاقة بين شرقيتها والمحيط المعاش من خلال الولوج في شخصية خالد الرجل الذي يمارس الغرب قيماً وممارسة فيما يرفض أن تمارس أخته هذا الحق!

في لحظة ودونما انسلاخ عن حاضرها تدخل الكاتبة في نستولوجيا تعيدها إلى قريتها وبيت جدها وزيتونتها ورفيقات طفولتها لتعقد مقارنة بين بيتها الهناك وبيت رفيقتها السويدية الذي يعج بأثاث ذي عبق موروث عن أجدادها ينبي عن قِدمٍ فيما إرثها هي حملته أمها في صرّةٍ حينما تشبثت هي بثوب أمها فزعاً من الضياع حينما سلب الاحتلال من شعبها الوطن والهوية.

تأتي الكاتبة على ذكر جدتها من خلال ركونها لتأريخ مناسبات العائلة بأحداث ومصابات الوطن من مثل وعد بلفور وجائحة النكبة وتأميم الزعيم جمال عبد الناصر لقناة السويس فيما تلوذ حورية أحيانا بالمعجزات تحصيناً لذاتها.

تتكالب على حورية المنافي والأنواء.. من منفى إلى منفى حتى يحط بها ركابها في بلد تنتمي إليه مضطرة وتتواءم مع قيمه وقوانينه فتحقق النجاج تلو النجاح فيما يبقى زوجها أسيراً لماضيه محققاً الفشل تلو الفشل.

تلقي فصول الرواية الأخيرة ضوءاً ساطعاً على ولادة الأمل من رحم اليأس وأن الإنسان صنيعة إرادته. رواية قرأتها مرتين القراءة الأولى بشغف والثانية بعناية أدخلتني حيزاً لم ألجه من قبل. "ظل التانعو" هو الالتحام واللاإلتحام في رقصة التانغو والتماهي مع المحيط.