تنطُّ قطعان الوحشة في زماني
تكتظُّ سهولي بأحزان الغروب
حلقي حشرجة
قدماي غابتان تحترقان
تتحوّلان سريعًا إلى منجمي فحم
الألم يومض كالبرق في المفاصل
وداخلي سماءٌ تنزُّ عواءً
الآن، أغادر جسدي، أطياف الصّديقات تسَّاقط من دمي، شفاهُهُنّ المُجَرِّحاتُ مثل نصالٍ حادّة، تنسلُّ من لحم الأكتاف. أهدابهنَّ تسيلُ بوجلٍ، وللمرة الأخيرة على بياض ورقتي، فتصير ليلًا للعابرين بالحانات والقصائد المارقة.
أغادرني، كعاقٍّ للوالدين، كمُعاقٍ للدولة المُعَقَّمَةِ بيودِ القوّة، كمطرودٍ فضوليٍّ من جنّةٍ وهميّةٍ، وكأبينا أَربطُ العالم عند بابي وأهربُ من النافذة.
جحيم الحاضر ظلّ يعلو مثل حريق، أعمق وأكثر حقيقةً، في خطّة السماء، من بشرٍ فانيين، لذا قرَّرتُ أن ألعب دوري في المسرحيَّة:
أولًا، سأشحن جباة الضرائب، أصحاب البنوك، قراصنة البحر، والزوجات الخائنات على متن باخرتي، وسأمخر الفلك راسيًا في ميناء العصيان.
ثانيًا، سأصير مغتصبًا، ألمُّ شمل الأم وابنتها في مخدع الليل، والصُّراخ يرتفع مثل طائر الفينيق، أو دعاء مؤمن، أو عامودِ سحابٍ في سيناء.
ثالثًا، سأرمي أثداء المترهّلات من فرط البغاء والعمر، إلى المكبوتين والسُّجناء وذئبة قريتنا. رابعًا، سأضع للعالم الثالث عظمة ترفّعت عنها كلاب الحداثة، وسأسمح له بزيارةٍ قصيرة إلى المسلخ.
أنا الهارب من البيت الآمن
الشَّبعان من الأكل النظيف
المتعب من الجنسِ الجماعيّ
ومصِّ حلماتٍ مترعاتٍ بالنّشوة.
جئتُ ببرهان قابيل ومكر الآلهة. جئتُ والدّمُ الإباحيُّ يترامى ورائي وقدّامي.
تنوخ جيوشي، وجَرَادي، وذئابي المفترسةِ على عتبات البيوت، أمام الدكاكين والمصارف، وسط الحقول والبيادر، وراء المعابد والدوائر الحكوميّة. لا يحزنني حزن الكائنات، لا توجعني الجثث بجانب الطريق، رائحة الحقد تفوح من بطني، من رأسي، من أصابعي التي تكتب، وتعبث بالكلمات اللعينة.
أنا الدّاعية إلى كلّ رذيلة، وتمرّد، وكذب، وخيانة.
المُحتَشِدُ بالجنون، المُولع بخطوط الكوكايين على المكتب. حاشِدُ مرتزقة السهوب والوديان، القتلة الغُرباء، المحقّقين، القابلات، المبشّرين، الدجّالين، الخُطباء، في حزب سياسي، طامحًا للفوز برقاب الخلق ومقابرَ عصريّة.
أعملُ، أجتهدُ، أسرقُ تنهّدات العشّاق، قوت العصافير، الفرح من حنجرة الفجر، الغدُ أقتادهُ أسيرًا إلى خيمتي مصفّدًا بالعار، ومُتسربلًا بالهزيمة.
أُبقي على المرأة سؤالًا مُحيّرًا بلا جواب، أحيانًا أحوّلها إلى لعبة في يد رجلٍ أحمق أو حلوى على لسان شيطان، موجد العالم والشّر. الحبُّ خطيئتي، يذوّبني في غيري، فلا أكون أنا، دافعًا بي إلى هاوية الخلاص.
أمجّد العزلة بُغية الجهل، وأرتدي وجه الممثل، لألعبَ دورًا من صنع مخيالٍ مريضٍ بالقتل والسلطة. أمجّد الوهم/ محرّك الإنسان، أوّلُ الحريّة، آخر المأساة.
أبحث عن سراويل الضباب، أعمدة الهاتف، جواز السّفر، ورق التُّوت، لأستر فضيحتي، لكنّ الرّيح أقوى، تكسرني، أتشظّى، أُلملمني، أجنح للعبث، أرتع فيه، أحمله ويحملني، ثم أكملُ نشازي في أغنية الكون:
يُسلّمني المطر إلى الوحل
يُسلّمني العشق إلى الهلاك
يُسلّمني الإيمان إلى العمى
"حجر، مقص، ورقة: أحجارٌ ومقاصلٌ ومحاكم"
"مقص، ورقة، حجر: مرتزقةٌ وخياناتٌ ومعابد"
يعضُّ الغامضُ فمي، تنام الفوانيس المذعورة في سريري، حيث الصّوتُ والصّمتُ سواء، وأظلُّ متيقظَا، أحرسُ بوّابات الأحلام المتواترة منّي ومن قدري.