ال مش مواطن
الزواج الكاثوليكي رباط أبدي، يقوم على أساس قيام الزوجين ببذل الذات بشكل متبادل وتكوين جسد واحد، وبضمانة الله، ولا يمكن لأي أن يقضي على قداسته وقوته (مت 19: 3، 6). وطبقاً لذلك لا تعترف الكنيسة بالطلاق المدني. وبناء على مجريات الأمور منذ توقيع أوسلو وحتى الآن، فمن الواضح أننا سعينا للارتباط المدني المؤقت مع "إسرائيل" وفقا للاتفاقيات بضمان الراعي في حينه (أمريكا)، ولكننا انتهينا برباط الزواج الكاثوليكي مع دولة الاحتلال بضمان الشيطان، بعد تشابك المصالح وتعمق التبعية ونشوء حقائق مقدسة على الأرض لا انفكاك عنها.
ليس من الحكمة اليوم أن نخوض في مثالب تطبيق الاتفاقيات، فالنتائج تتحدث عن نفسها، ولكن دعونا نكون منصفين، حيث إن عقد أوسلو تم ما بين المهزوم والمنتصر، ولا يغيب عن بال أي منا بأن مسيرة "السلام" بدأت بتغيير معالم المنطقة بسقوط العراق وتحييد مصر وتجفيف موارد منظمة التحرير الفلسطينية. ما أدى في نهاية المطاف للسير في طريق أوسلو، لأنها شكلت على ما يبدو طوق النجاة الوحيد بعد انهيار دولة الفاكهاني. وفي ظل الحصار العربي والدولي بات من الحتمي أن تخرج القيادة من غياهب العزلة والجفاف والإقصاء عبر تقديم القرابين انتهاءً بالاتفاق. وكما أشار أحد الكتاب حديثا، انتهى بنا المطاف إلى امتطاء قارب نجاة القيادة بترتيبات تصونها، وبالمقابل منحت دولة الاحتلال نفسها يداً عليا في ابتلاع تاريخ الثورة والقضية. ومن هنا بدأت الحكاية.
على الرغم مما تقدم، فقد بني الاتفاق أيضا على افتراض الإبداع الفلسطيني في اقتناص منجزات وطنية تعزز تصويب المسار، واعتبار الاتفاق مدخلا للتوسع في تحسين الشروط من بين سطوره، ولكن يعلم الجميع بأننا، وكما حدث في معركة أحد "هرولنا من قمة الجبل" لاقتسام الغنائم، وحول بعضهم المشروع من مدخل لمسيرة قيام الدولة إلى مدخل للإثراء، وتهنا جميعا في التفاصيل. برأيي، وبغض النظر عن النصوص، فقد كانت هناك فرصة للبناء على الاتفاق، ولكنها تسربت بفعل من فضل المصالح الفردية على المصلحة الجماعية، والأمثلة على ذلك كثيرة.
ليس من الحكمة استمرار النظر إلى الخلف والتعلق بالماضي، فنحن اليوم أحوج ما نكون إلى إعادة قراءة للتاريخ واختراع صياغة فلسطينية لأوسلو، وإعادة تعريف البرنامج الوطني وتحديد العلاقة مع "إسرائيل". نحن اقترفنا خطيئة القبول بتقسيمات الأبجدية بين ألف، وباء، وجيم، ونحن الذين ندفع الثمن. ولكن الخطيئة الفلسطينية المستمرة يجب أن لا تقابل بخطيئة القبول بخطيئة دولة الاحتلال التي سحبت كل حروف الأبجدية وكرستها في جيم. وعليه، فإن ما يسمى بـ "العودة إلى خطوط 28 سبتمبر 2000" وفق خارطة الطريق يجب أن يكون هو الحد الأدنى المقبول مؤقتا إلى حين تحديد موقفنا النهائي من استمرار التقيد بالاتفاق الانتقالي. أي بصورة أوضح، فإن خطوط 28 سبتمبر 2000 يجب أن تكون مقدسة مؤقتا، ويجب أن لا نبالي برأي العالم حين ندافع عنها بشتى الوسائل. ولا أعتقد بأننا نقترف جرما حين نقابل عدم الالتزام من دولة الاحتلال بعدم الالتزام من طرفنا، وليكن ما يكون. إن دولة الاحتلال ماضية في إدامة احتلالها بشتى الوسائل، مستخدمة منصة أوسلو لتبرير عدوانها، ويستدعي ذلك منا الانحياز إلى إلغاء أوسلو ولو بشكل متدرج.
إن أحداث الأيام الأخيرة تبرهن مرة أخرى أننا فقدنا البوصلة، حيث صمتنا في رام الله واستبسلنا في الخليل، بغض النظر عن المبررات في الحالتين. لا يوجد أي مبرر للقبول بالعبث والإهانة التي مثلها التمترس في رام الله ونشر الحواجز وهدم عمارة خنساء فلسطين تحت سمعنا وبصرنا، والاكتفاء بالتصريحات الممجوجة والتهديد بالاستنكارات والشكوى إلى العالم.
أخيرا فعلى ذمة الراوي، فقد قال الرئيس "أبو مازن" في معرض تسويقه لاتفاق إعلان المبادئ في اجتماع المجلس المركزي عام 1993، بأن الاتفاق الانتقالي قد يمثل فرصة أو كارثة، وكل ذلك يعتمد على أدائنا. لا يوجد حاجة إلى تقييم النتائج، فالواقع على الأرض هي خير جواب قاطع على نتائج التقييم. من هذا المنطلق، فإنه من الشجاعة أن تقبل القيادة وتقر بفشلها في الحفاظ على مصالحنا، وإن القيادة الشجاعة هي التي تبادر إلى التقييم الذاتي المستمر وتلجأ إلى صندوق الاقتراع ليقول الشعب كلمته. إن العالم لم يعد لديه متسع من الوقت ليسمعنا ونحن في هذا الوضع المزري... ولم يتبقَ لنا أي وقت لننعم باستمرار السقوط... ولا خلاص لنا إلا بالهرولة إلى صندوق الإقتراع.
ضبو الطابق يا قيادة... واسبقونا على الصندوق