الحدث ــ محمد بدر
لا ينتهي الجدل حول الانتحار دينيا واجتماعيا، في مساحة تمتد بين الفعل الفيزيائي المجرد والحكم المطلق وبين الأسباب والعوامل والمحددات والظروف. قراءة غنية لـفكرة الانتحار تطرحها ألفة الإدليبي في روايتها "دمشق يا بسمة الحزن"، انطلاقا من تضمين الانتحار في سياقاته الاجتماعية والسياسية والنفسية، وصولا لتجريده من بُعده الديني وما يحمل من أحكام قطعية، إلى طرح سؤال إشكالي جديد في القضية يتلخص في أزمة الموقف: "هل هو موقف انتصار أم موقف هزيمة؟" بعيدا عن حرمته من دونها.
تعيش صبرية ابنة إحدى الحارات الدمشقية بين حياتين، الحياة المفترضة وحياة الواقع، ويشتد الصراع بين الافتراض والواقع، إلى درجة أن تنتحر صبرية بعد أن كان المجتمع والاستعمار قد اغتالا الحياة المفترضة أو "الحياة الحقيقية من وجهة نظرها". يَقتل الاستعمار الفرنسي شقيقها سليم كاتم أسراها ومؤيد خطواتها الأول، فيما يبقي لها "راغب" الجشع التقليدي و"محمود" المحايد. وفي مرحلة متقدمة يقتل شقيقها "راغب" حبيبها "عادل" حفاظا على "شرف العائلة". تكشف لنا "صبرية" من جديد كم أن المحايد قاتل من خلال اعتبارها لحيادية "محمود" كعامل من عوامل مأساتها.
تعيد صبرية في كراسها الأزرق الذي تركته لـ"سلمى" ابنة شقيقها "محمود"، بشكل درامي محكم، رسم معايير الحياة التي تليق بالأنثى في مجتمعنا أو أي مجتمع، لأن تعريف الحياة بالنسبة لـ"صبرية" هو عمليا إعادة تعريف لـ"الموت" بكافة أنواعه، على أن "الموت الاختياري" كأي قرار أو موقف في الحياة، يُتخذ ضمن محددات عامة ودراسة للسلبيات والإيجابيات المنبثقة.
إنها ليست دعوة من "صبرية" للانتحار الجماعي في مواجهة قواعد التنظيم الاجتماعي والسياسي، وإنما صرخة "المعذّب" في وجه "المعذِبين" ليفكك "المعذِبين" ثقافتهم وسلوكهم من جديد تجاه "الأنثى" التي لها خصوصيتها وأحلامها وآمالها ووجهة نظرها. تلطم صبرية كل المحايدين والمستسلمين للعرف. كما أنها تؤكد من جديد على ضرورة بعث الصوت المقتول في السياق الاستعماري؛ صوت المرأة التي تتألم لغياب شقيقها وحبيبها وتتبرع بحليها للثورة، لتقول إن المرأة التي تقوم بخدمة والدها المريض ووطنها المحتل مغيبة بكل الأحوال.