السبت  23 تشرين الثاني 2024

"مر الكلام "... مشهد 2 لـ: رائد أبو زهرة

2019-02-19 09:07:45 AM
رائد أبو زهرة

(نص روائي او سينمائي او مجرد نص فقط )

.2...ناجي ...ونصحو في حلم .......

ينهض من سريره ...هادئا رائقا ...يغتسل ويحضر شايه الصباحي بالنعناع ....يفتح الباب ويمشي ...المساحة الصغيره امام بيته وهويحمل كتاب "ابن رشد تهافت التهافت " ...يقلب فيه قليلا ثم يغلقه ...يضع كوب الشاي على طاولة الوسط في الساحه ..ويعاود الدخول متهاديا

...يتناول كتاب "كليله ودمنه "يقلبه ثم يعيده مكانه ...ويتناول كتاب "عبد العزيز حموده ...المرايا المقعره" من على طاولة الكمبيوتر ويعود الى مقعده في جلسة الحالم ....يرشف من الشاي بلذة ويقرأ قليلا ثم يقف ويتمشى ويتأمل المكان والسماء ....السماء بكسلها الخفيف الشفيف في أولات الفجر والشمس والدفء الصغير ...ينظر في ساعة يده ثم يعاود الجلوس متمتعا بين القراءة ورشف الشاي والتأمل ...يدخن بشهية وينظر في ساعته بعد وقت ...لينتبه ان الوقت قد حان لتحضير نفسه للذهاب الى الجامعه .....يدخل غرفته ...يستحم ويرتدي ثيابه مغتبطا ....يضع سماعتي هاتفه السلكية في اذنيه ...يلملم اغراضه التي يحتاجها ويضعها في جيوب سترته التي بدون اكمام ...ويحمل كتابين ودفتره ...يتفقد اشياءه كلها كي لا يكون قد نسي اي شيء ضروري ...يعيد التفقد ثانية اذ هو يزعجه دوما النسيان ...او احتمالات النسيان ...يتأكد ان لا سجائر مشتعلة في اي من المنافض ....وان الكهرباء كلها مطفئه وان صنبور الماء مغلق جيدا وان انبوبة الغاز و(السبيرتايه) ايضا محكمتي الاغلاق ...يضع سيجارة في فمه ....يشعلها بعود ثقاب ويعيده للعلبة مطفئا مقلوبا بعكس عيدان الثقاب الاخرى ....ينفث اول نفثة من سيجارته ...كأنه يعطر غرفته قبل ان يخرج منها ....ثم يغلق الباب خلفه ....

يتهادى نزولا على الدرج طربا بما يصغي ...وبروية ورشاقة وخفة -رغم ما يبدو عليه من شيب في شعر لحيته وببعض الشيب الذي لا يبين كله بسبب طاقيته الجميله - ...يصغي لصوت "فيروز "في سماعتي اذنيه يشدو "فايق يا هوى " ....وعابرا في تفاصيل حيه الشعبي باتجاه موقف باص النقل العام ...كأنما يعبر في غيمة طويلة من الجمال .....

أثناء عبوره ...أهل الحي ينظرون اليه بغرابة وود ككل يوم ....وكأنهم كل يوم يرونه لأول مره...او انهم ما زالوا يندهشون بوجوده من غير ان يعرفوا ما هو اومن هو او من اي عالم اتى ....رغم انه لا يختلف عنهم بملامحه بأي شيء لو انتبهوا ....وهند ....هند تتأمل المحبوب بعيون الحب والتوجع والرجاء ...

أهل الحي كما كل يوم ينظرون اليه وهويمشي متهاديا ...مصغيا الى هاتفه ...يلوح لهم بالتحية بيده التي يحضن بها سيجارته ...من غير ان ينبس بحرف ...وهم لا يعرفون منه او عنه سوى انه انسان لطيف هادىء وبسيط مع كل من حادثه صدفة او قصدا ومريحا بكلامه لكل من تحدث اليه وسمع منه كلاما طيبا .....

اليوم احدهم من جالسين المقهى تساءل وكان صوته مسمعوعا لمن بالقرب منه ....

احدهم :معئول يكون بيحشش طول الوئت ....بس ايه الصنف دا يا ترى ...دا اكيد صنف عيليوي..../ويساءل نفسه ثانية / طب عيليوي ازاي وساكن في حتتنا ...وديني دا حكايه ..../

يرد عليه عامل المقهى /

عامل المقهى : يا راجل اختشي على دمك ...هوا علشان مؤدب يعني وبيبتسم في وشنا كلنا ...لازم يعني يكون بيحشش ...اما انت مخك طاءء .

وثرثرات كثيرة مشابهة بكثير او قليل تحدث كل صبح ...ثم سرعان ما ينسونها كأنها لم تكن وينغمسون باشياءهم ..وكأنه بالنسبة لهم ..كائن فضاءي هبط فجأة بينهم ...وحط في حيهم ...ويظل يهبط فجأة ويغيب فجأة .....

لكن احدا منهم احدا منهم لم يحمل ذرة بغض او استياء من وجود الاستاذ ناجي بينهم منذ سنه او اكثر تقريبا ...اذ لطالما اسعد كل منهم ممن سأله او استشاره بأي مسألة او موضوع يشغله ..وكان يندهش اغلبهم من قدرته على ايجاد حل بسيط للامر بوقت سريع ....وكانوا يشكرونه دوما بود وابتسام وبعض رهبة خفيفه ...ينسيهم اياها احساسهم انه يشكل لهم درع امان كلما استعصت عليهم مشكله .

أما هند ...التي لم يرى احد ابتسامتها ...منذ وفاة امها منذ اكثر من 3سنوات ....حتى لحظة مشاهدتها أول مرة للاستاذ ناجي وهو يغادر الحي صباحا ....فصارت تفيق كل فجر ..تصنع قهوتها ..وتجلس قرب نافذتها ..وتظل تنتظر خروجه من العمارة ...وتظل تتابع خطواته حتى يختفي خارج الحي ...لحظتها فقط تتحول ابتسامتها الى غصة ودمعة .

هند التي اهلكتها تفاصيل حياتها الماضية .. بعد وفاة امها ..وكاد يفتك بها الاحباط والقنوط من الامل ..خصوصا بعدما تأكد لها انها لن تصل الى ما حلمت به وطمحت اليه ذات يوم ...وصارت موقنة ان عليها ان ترضى بقليلها كما هو ..بكل صعوباته وقسوته ومراراته ..حتى ............

حتى رأت ناجي اول مرة ...خفق فيها ما خفق ...وارتعش فيها ما ارتعش ولا تعرف ما هو ...واضاءت في عينيها لمعة وطيف ضوء ...لا تدري هي من اين نبت ...وتظل كل صبح تقف امام مرآتها تتفقد ذاك الضوء في عينيها ....بعدما يكون ناجي قد غادر الحي صباحا ....وحين تتأكد ان ذلك التوهج والرعشة ما زالان ينبعثان فيها كما اول مرة شاهدته فيها ...وقد قاربت تلك الرؤية ما يقارب السنه ....حينها تعاودها ابتسامتها ......

365 يوم ...وما زالت تتفقد خفقتها ورعشتها والتماع عينيها كل صبح ...بعدما تشاهده يغادر ....وبعد ما باحت بالسر الى احد ....وكلما راودتها روحها ان تبوح له ...ترتبك وتجفل في وحدتها وتبكي ...تتذكر الفوارق والحواجز والذكريات المؤلمه ...تتذكر كل ما اصابها من جراح ....وما انحفر فيها من أثر ...ووووو ...وانه استاذ جامعي.

..وهي ليست متعلمة الا القليل ...و"حيالله بت مغنية اعلانات هبله "

....وذات يوم ..بالتحديد قبل اسبوعين من الان ..وبعدما سمعت من الراديواغنية"حلم لام كلثوم "...قالت لنفسها .."انا حكلمه وأؤله في حاله واحده بس ...لو لا أدر الله وصار عاوز يسيب الحته والحي بتاعنا ...أما دي اللوئت فكفايه عليا اشوف طلته الصبح من الشباك وهو بيمشي ...زي النهار في الغيطان ......اه ما عنديش استعداد وما أدرش اخسر شوفته الحلوه ولو من الشباك من بعيد ...لانه اكيد حيزعل مني لما أؤله ..ولانه مؤدب جدا مش حيبان عليه انه زعل مني ....وأل ايه علشان اعرفه اني بحبه ...طب ما انا بحبه وكده مبسوطه بيه ...وكفايه علي كده ...كفايه عليا اغسل عيوني بطلتو من بعيد من الشباك ...احسن يروح مني ويعزل لو كلمته ...أهين يا ربي اهين ...واه وتلت اهات ...ازا كنت مع نفسي بتلبك وانا بكلمه ...ومش عارف ااقول ايه ...أومال لو وئفت أدامه حعمل ايه ...طب اكلمه ازاي ....ازاي ...اه ياني مني ومن حبه ...اه يا اني يمه " .وبعد ان تتنهد وتشرد بخيالها ويعاودها الحنين تقول "خلاص يا بت ...احسن حاجه تعمليها بكره لما تروحي من الشغل ....تروحي عند مقام السيده زينب ...بنت سيدنا النبي ...تطلبي منها اللي نفسك فيه...وتترجيها ...انه يفضل ساكن في حينا طول العمر ...زي ما هوه ساكن في ألبنا طول العمر ".......

ملاحظه ....اعتذر عن اي خطأ طباعي في مفردات اللهجه المصريه الجميله ...

يتبع -2