السبت  21 كانون الأول 2024

الفنانة "منال دیب" ریشة من نور في مدینة الضباب.. بقلم: موسى حیان / لندن

2019-04-15 10:43:46 PM
الفنانة
الفنانة "منال دیب"

المساء في لندن یثیر الذاكرة، ویفتح بوابات بعد أن ینفض الغبار عنها، لندخل عبرها فوق بساط مطرز من ألوان عتیقة، كان قد صنعها بروعتهم أجدادنا، جدران حجریة وتصامیم أنیقة في نوافذ البیوت المطلة على الكروم، وسیدات الأرض تشید تلال من الحنطة، ثم تتعدد وتختلف في أماكنها الأشخاص فیختزلون في امرأة أحیانا، وبتراب الأرض أحیان أخرى.

إنها رحلة بصریة تشق غبار التخاذل، وتوقد الحنین في دعوة تصعد سلالم العدل وتتوق لبلوغ القمة ، كل ما في الرحلة یقود الى رحلات ، وكلها تجذبنا باتجاه الجذور في أرض الجمال ، الهجرة والرحیل في أصوات نساء، تهتز لها الألوان وأوتار الریشة تحولها الى سیمفونیة، تعبر لمسامعنا وتتحول الى صدى، ثم نطیل النظر أكثر حتى نصل عمق اللوحة،فنحس مباشرة بصدمة الألم الساكن في أصواتهن، وفي تنهیدة عمیقة بجانب إطار الأرواح الباقیة، ندرك حقیقة أن البقاء یتجاوز الجدران والتعب، وأنه هو نحن في حالة منسجمة، ومتأصلة فینا، فالوجه بعیونه الراصدة، یرسم ویجسد بلغته المتحركة، باطن الروح التواقة لضوء الشمس، أرواح كانت متناثرة هنا وهناك، وكل روح تعني حیاة، كورق شجر أخضر یتجمع لكي یزهر ویطرح الثمار، في ذاكرة الرحیل تجسدت عتبة الدار، أهل الدار في غیاب وروائح الشوق للعودة تنسج قصیدة، في باطن اللون المعتق في جرار كنعانیة شاهدة على الإنتماء، وما كل من رحل رحل فالناس هنا یقبضون على حجارة الدار بأصابع أرجلهم، ویحیطونها بسوار من كوفیة، الوقت الذي یصل فیه الفنان للنضج هو الوقت الذي یمكنه فیه وصف وتفسیر وتجسید ما یجري داخل النفس البشریة، أفكار مجردة، قطعة من ألوان محدودة منسجمة مشحونة بطاقة كثیفة ممتد أثرها بین التفسیر السیكولوجي والموقف المتفرد من ظاهرة الفكر المجرد، هكذا معادلة لا یتوقف تأثیرها البصري، وهي قابلة للنمو والسیر بخطوات تساؤلیة نحو المستقبل، إنجاز نحتاجه، نغمات أصیلة تتسلل من الجدران، موجع الجمال الساكن فیها، إنها جداول ترابیة صافیة تحمل في تكوینها صفات المكان، بذور حیاة من نور القمر، وحروف عتیقة ملونة بالحلم والأمل، من النغمة خرجت الصورة، لكي توقف وتسجل الزمن بسائل لا یعرفه الجفاف، سائل تحول إلى موجة هائلة تصرخ في وجه الشتات وتمزق أقدام الرحیل، فیكون الخیا ُر الهویة ولكن شرط أن تكتب بحروف عربیة، ومن الهویة وعلى أجنحة الألوان تسافر بنا الفلسطینیة الفنانة منال دیب، إلى عالم كثیف ومزدحم من الصور نصفه الأول فینا، والنصف الآخر داخل اللوحة  مسافتنا واحدة ومتجانسة إلى حد اللا مسافة، والنور یلمع في العیون من بین العشب الأخضر وأروقة المعرض الفني الشخصي الأول في لندن للفنانة دیب، تتبادل حدیث اللوحات بلغات الزوار العدیدة، ویتردد فیها صدى النظرات الملیئة بالإعجاب، وینتشر الدفء في المدینة المضیفة، ویضیف الضوء الى أحلامنا ریشة من نور.