الحدث - إسراء أبو عيشة
تهجر الآلاف من الفلسطينيين بشكل قسري وجماعي عام 1948، وطردوا من أراضيهم وبيوتهم، ورغم معاناتهم الطويلة من التشرد والنزوح واللجوء والتي استمرت إلى اليوم؛ إلا أنهم ما زالوا يحلمون بالعودة الى أرضهم. وانطلاقاً من إعادة الذاكرة المكانية؛ حيث شهدت جامعة بيرزيت مشروع تخرج لطالبات من الهندسة المعمارية يحمل عنوان " إعادة إحياء قرية لفتا المهجّرة كنموذج للعودة".
وفي لقاء مع طالبات الهندسة القائمات على المشروع وهنّ جميلة عابد، أريج خلف وكفاح أبو شرار مع "الحدث"، قلن إن فكرة المشروع في البداية كانت تتمثل بالعمل على القرى المهجرة في فلسطين، "لأن توجهنا كان حول التراث الفلسطيني، في محاولة للدفاع عن حق عودة اللاجئين".
وأشارت كفاح أبو شرار، أنه من خلال مشروع توثيقنا لهذه المباني، سنبين ونظهر للعالم حقيقة أن هذه الأرض هي حق لكل لاجئ أجبر على ترك أرضه، خصوصا بأن سياسة الاحتلال تقوم على تضليل وإخفاء الحقائق حول أصل ملكية الأراضي التي تم احتلالها عام 1948، في محاولة لطمس الهوية الفلسطينية الموجودة هناك تاريخيا، من خلال غرس وتهويد المناطق الفلسطينية المهجرة ومنها قرية لفتا لفتا، من خلال تحويلها لمناطق شبيهة للكيان الصهيوني، لذلك قمنا بالعمل على هذا المشروع بحيث نقوم بتوثيق القرية بكل مبانيها الموجودة فيها، وبطبيعتها، من خلال جمع المعلومات من أشخاص كبار في السن عاشوا فيها، وبقيت لفتا محفورة بذاكرتهم.
وأشارت جميلة عابد، أنه في بداية المشروع "قمنا بالعمل على قائمة من القرى الفلسطينية المهجرة، وخلال العمل وقع الاختيار على قرية لفتا لعدة أسباب، منها أن قرية لفتا من القرى التي ما زالت تحافظ فيزيائيا على شكل وتفاصيل مبانيها من كل الجوانب، و.كل هذه التفاصيل الموجودة شكلت عبر الزمان محطة جذب للزوار والسائحين، وجعلت منها منطقة صراع مع الاحتلال من قبل الأهالي الذين واصلوا رفع القضايا ضد تهويد هذه القرية. وأيضا كانت تشكل البوابة الغربية للقدس، فهي بذلك كانت تعتبر نقطة حساسة للقرى المجاورة لها وللاحتلال، بسبب موقعها، ومن القرى التي كانت تتوسطها، دير ياسين وقالونيا وعين كارم.
وأشارت كفاح أبو شرار، "كوننا لسنا من منطقة القدس واجهنا الكثير من العقبات خلال العمل على مشروعنا، فكان يصعب علينا زيارة قرية لفتا، حيث كنا نؤمن تصاريح الزيارة بصعوبة جدا، ولا يسمح لنا برؤية أو طلب وثائق من مواقع بلديات القدس، بسبب عدم حملنا للهوية المقدسية، وذلك للحصول على حقائق المخططات القديمة التي تخص قرية لفتا بشكل كامل، لأن الاحتلال يقوم بعرض المخططات التي يريدها والتي تتوافق مع سياسته".
وأضافت أبو شرار، "أنه من خلال تخصصنا في الهندسة المعمارية، حاولنا قدر المستطاع أن نعمل على تخطيط إقليمي ومحلي للقرية، بحيث قمنا بأخذ المخططات القديمة للقرية، وعملنا على إعادة إحياء هذه البيوت والمباني ببرامج عمرانية جديدة، تبقى محافظة على الهوية الريفية للقرية، وللحدث التاريخي لهجرة أهالي لفتا من قريتهم، فكانت هناك بعض المباني المهدوم سقفها، قمنا بترك السقف كما هو وعملنا على تغطية المكان بطريقة تحاكي الحدث الداخلي الذي كان موجودا.
وأوضحت عابد، "كان هناك محاولة لإرجاع الحياة للقرية بكل مناحي الحياة، وليس فقط من الجانب المعماري، بحيث تم دراسة عودة أهالي قرية لفتا إلى قريتهم بعد تهجيرهم منها، مع بقاء الحدث التاريخي للتهجير واضحا.
وأضافت عابد، "ردود الأفعال كانت خلال مناقشة المشروع إيجابية ومفرحة من قبل دكاترة جامعة بيرزيت وخارجها والحضور، كما وحضر النقاش أشخاص من جمعية لفتا وتم تكريمنا بدروع للتميز بعد انتهاء عرض المشروع، وهذا ما أكده الدكتور محمد عبد الهادي، المشرف على المشروع، فكان فرحا جدا من النتائج والأداء، كون المشروع كان جامعا للتخطيط الإقليمي والمحلي، وبحسب ردود أفعال المناقشين هو تصميم ناجح بكل المراحل.
وأكدت أريج خلف، أن أهمية المشروع تأتي على المستوى الوطني، بأنه قدم نموذجا من حالة التأمل وذلك بتصور عودة اللاجئين لقراهم، حيث يوجد حاليا حوالي 43 ألف لاجئ من قرية لفتا في أماكن مختلفة حول العالم، وكان الهدف الأهم في المشروع هو مراعاة راحة اللاجئين عند عودتهم، بأن يجدوا هوية فلسطينية أصيلة وتستطيع في نفس الوقت تلبية احتياجات الحياة الجديدة، وجاء المشروع أيضا ليوثق ويؤرخ هذه القرية تاريخيا، من خلال التاريخ الشفوي الذي تم اعتماده من ضمن منهجية البحث.
وقالت كفاح، "إن الأهمية الثالثة للمشروع، تأتي بأنه ليس من المهم بأن يكون الشخص لاجئا لكي يدافع عن حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أرضهم، لأننا نحن الفلسطينيين يجب أن نكون يدا واحدة، لأنه فعليا جميعنا تضررنا من قبل الاحتلال الصهيوني.
ويشار الى أن قرية لفتا تقع على أراضي مدينة القدس على مساحة تبلغ 8743 دونم، ويبعد مركز لفتا عن مركز المدينة المقدسة ما يقارب 2 كيلو متر، وتشترك لفتا مع العديد من القرى المحيطة بالأراضي والعقارات، وأحتلت بتاريخ 1/1/1948م، وهجر أهلها كحال المئات من القرى الفلسطينية التي استولى عليها الاحتلال بعد النكبة، والمنازل الموجودة اليوم مهجورة في معظمها, مع أن بعضها رمم لتقيم فيه عائلات يهودية. ولم يبق من الحوض الذي شيد حول النبع في وادي الشامي سوى الأنقاض, ويظهر المسجد ونادي القرية شمالي النبع. وتحف بالجانب الغربي من المسجد مقبرة تغطيها الأشجار والأعشاب البرية.