الأحد  22 كانون الأول 2024

نداء يونس في حوض الغياب ديوان جديد بعنوان "كتابة الصمت"

2019-12-19 10:19:01 AM
نداء يونس في حوض الغياب ديوان جديد بعنوان
في حفل إطلاق الديوان

 

 تسمعنا صمتًا وتروينا عطشًا لمحبوب ظله غاب فكيف له هو أن يأتي أو أن يكون؟

ديوان أنائيل يتبعه بروفايل السيد هو

شعر نداء يونس "كتابة الصمت"

 

الحدث الثقافي- آيات يغمور

 

لا أقول أن الانعكاس ضرورةً،

بل أنّ الظّلَّ

إثباتٌ على نجاة الكائنات

لا من الحبّ؛

بل من العدم.

هكذا قالت نداء عندما تمنت لو تحمل مرآة ترى فيها انعكاس ظلال محبوبها لتتأكد من حقيقة وجوده فتصبح أحاسيسها مشرعنة أو لعلها تصبح أكثر واقعية فتحميها من جنون أوشكت به أن تصاب، فأنائيل توحدت مع محبوبها ليصبحان واحدًا فالشاعرة بلسان المتكلم هو، وهو هي، فهي تبحث عن ظلّ لتتأكد من وجود الأخير الذي بوجوده تكون! أو حتى بوجوده هي الأنثى يكون هو فكل ذكر موجود بسبب أنثى أنجبته وأخرى أحبته.

نداء يونس الكاتبة والشاعرة الفلسطينية التي احتفلت أمس بتوقيع إصدارها الثاني "كتابة الصمت" الذي احتضن ديوانين: أنائيل وبروفايل للسيد هو، أطلقت المجموعتين في متحف درويش حيث كان صوتها مسموعا تناجي حبيبًا طال غيابه وازداد بها الشوق فلم تره يومًا ولا حتى انعكاس ظله فتبقى عاشقة دون معشوق، تعيش الحالة دون اكتمال جزئياتها، تعيش لوعة الحب وحدها وتتماثل مع معشوقها.

 الحل في ديوانيها كان بإسكات الزمن وحلمها كان الانعتاق من تعريفاته التقليدية

الوقت داهم الشاعرة التي عطشت ولم ترتوِ، حزينةٌ كانت وما زالت في غياب محبوب لم يأت حتى بظله، الحل في ديوانيها كان بإسكات الزمن وحلمها كان الانعتاق من تعريفاته التقليدية، ليصبح قياس الزمن بالإحساس، "الآن ليس وقتًا بل إحساسًا". ترفض يونس معظم التابوهات وتخرج عنها لتتحرر بجسدها عن كل ما أوجدوا له تعريفًا محددًا بإطار، كان لابد لها أن تفعل! لتسكت الجميع علها تسمع صوت محبوبها أو علها تكسب زمنا جديدًا تنتظر من مكانها عودة غائب علّه تاه أو ضل الطريق..فيأتي ليرويها.

نداء التي أسمعت بصمتها آذاناً تجلت على وقع إلقائها لشعر يروي أحداثًا عطشى، أروت قلوب كثيرين! من بينهم أسير يتعطش لحرية منذ سبعة عشر عامًا، الكاتب والمؤلف الأسير كميل أبو خميش، تشرّب أبياتًا وصورًا فنية صوفية رسمت الوقت! كمسافة بين جسدين اثنين لا داعي لكلام بينهما..يتحدثون بصمت.

من معتقل ريمون هنأها وكتب لها تقديمًا إعجابًا بما أصدرت فأبدعت، حزينٌ كان لتمزيق السجان صفحة الإهداء! لكنه خط أبيات شعرها في صفحات دفاتره لتصبح حرة من الزمن..وفي حالته حرة من الجدران والسجان. قرأ لها ديوانها الأول وبعثت له نداء بالثاني فور إصداره فشعر أنه حر لا زال وقد يكون على الأقل وقت قراءته لما كتبت نداء التي أيضًا تريد حرية من الوقت وتابوهات الجسد وثقل الأحاسيس المربوطة بمعشوق لم ولن يزورها.

ديوان كتابة الصمت للشاعرة نداء يونس

ووزير الأسرى والمحررين السابق عيسى قراقع، تناول "كتابة الصمت" على طريقته، فوجده مليئًا بالأنوثة فارغًا من الرجل دونها، عبر عنه بالتماهي بين القصيدة وبين الأنثى، ووجد في تجليات الظل المحمولة على النص رؤية محدودة في فهم العالم والذات، مدح الأسلوب والكلمات التي رآها حين قراءتها تتراقص بين صفحات كتاب، واختتم رؤياه بأن المرأة جامعةٌ للتناقضات وهكذا يكمل الجمال الأنثوي بتناقضاته ليحتضن الرجل..عندها فقط يكون.

عيسى قراقع يعقب على الديوان

فلسفة صوفية تتحدث عن كل ما هو أبعد من الجسد وماهيات الحياة هكذا وصفها قراقع، والمتوكل طه مقدم "كتابة الصمت" وجد نفسه أمام صوفية جديدة للجسد، وبمرور أحاسيس تعبر عن الوقت، يصير دمها هو ذاته المنفى: الشاعرة أمام رجلٍ شهي كأنه ذئب في خزانتها والمفتاح ليس معها، وقد أغلق الحب الباب على أصابعها..أحلامها تعج بالوحوش، وأضحى الزمن ممحاة، وراحت تجلس عارية في حوض الغياب".

رأى الشيخ الصوفي الأكبر ابن عربي أن كل شيء في الكون حقيقة، وفي فلسفة الصوفية العربية كان الجسد تعبيرًا مجازيًا عن جسد العالم بمعنى حقيقته، ووظفت نداء يونس الجسد وجلعته ينطق بالحقيقة التي صمتت هي عنها بالكلام، وتركت له حرية التعبير عن واقع تعيشه يعكس أفكارًا تراها وكوابيس تعيشها فتتحرر منها بصمت خافت وجسد لتعطينا أبعادًا جديدة للحقيقة فيها من المجاز أكثر من الحقيقة نفسها فنصبح أيضًا أحرارًا في عمق فهمنا لما قصدت وما كتبت فكلما تعمقنا وجدنا حقيقة أعمق تعكس قساوة واقع نعيشه وتعيشه الشاعرة.

الظل في الشعر والخيال في الفلسفة، وبين فلسفة أرسطو وأستاذه أفلاطون، يأتي ديكارت ليخبرنا عن الأشياء. الخيال كما يعرفه كانط: "هو ملكة الحدس خارج الحضور الشيء، أي إما أصلية، أي ملكة تقدم الشيء في بعده الخام الذي يسبق التجربة، أو خيالا معاد إنتاجه، أي معناه ملكة لتمثيل الشيء بشكل منحرف". أما الخيال عند أرسطو يتسم بغموضه، يحتوي بطريقة أو بأخرى على تصويرين للمخيلة: إما مخيلة تخضع للحواس،أي كصدى لها وبالتالي ستكون سببًا في الأخطاء والأوهام، أو مخيلة رافضة للعقل مفتوحة على الحقيقة. ولكن يبقى النص الأرسطي متناقضًا متوترًا مشحونًا وثراءه يكمن بالضبط في هذه التناقضات. ويأتي الظل في كتابة الصمت تأكيدًا على ما هو غير موجود، فانعدام الظل من انعدام الأصل، تحاول الشاعرة إحياءَه رؤيتَه استرجاعه.. لكن دون جدوى فإذا الأصل غاب انعدم ظله واستحال وجوده.

وجع طويل وممتد تستشعره لدى قراءتك "كتابة الصمت"، الذي وصفه الشاعر العراقي وسام هاشم ضمن مداخلة أخرى قرأتها الشاعرة فيما كتب الأول عن إصدارها: "الصمت المكتوم فيه إخفاء مقصود". فالشاعرة أرادت أن يفهم كلٌّ ما يفهم ويغوص كلٌّ بقدر ما يود أن يتعمق. ويعود شاعرنا العراقي فيقول: "الصرخة الخرساء ..صرخةٌ أشد إيلاماً".

للاطلاع على الفيديو كاملا عبر الضغط هنا 

للاطلاع على رابط الصور كاملاً