الأحد  22 كانون الأول 2024

عندما تستخدم عصابة أمنية الألوان في الضرب

2019-12-31 11:45:40 AM
عندما تستخدم عصابة أمنية الألوان في الضرب
المحامي المصري والناشط الحقوقي جمال عيد

 

الحدث- إبراهيم أبو صفية 

للوهلة الأولى، يقف القارئ متمعنا في كلمة "ألوان" وما تشرحه لنا الصورة في العقل الباطني عن هذا المصطلح، وما علاقته بالضرب، أو علاقته بالأنظمة البوليسية القمعية.

رغم اختلاف مسميات ودرجات أنظمة التأهب الأمنية والعسكرية المتبعة في الدول والأنظمة البوليسية، فإن التقارب في مفاهيم ودلالات وتبعات كل ما ينتج عنه يجب تفسيره، علما بأن هذه الأنظمة تدخل في حالة التأهب بالدرجة القصوى، وتعلن مسار الحياة تحت إطار نظام "الطوارئ"، فيصبح المواطن في ظل هذا النظام مستهدفا حتى من داخل نفسه، إذا يحاول دائما قمعها خوفا من يقمعه رجال البوليس تحت مسمى الرقابة الداخلية على تصرفاته ومواقفه.

فهذه الأنظمة لم تكتف بعمليات القمع بشتى الوسائل، بل باتت تستهدف الوعي الجمعي، وقلب الحقائق وتزويرها، من خلال تغيير الصورة التي كونتها على مدار استلامها الحكم، وذلك يأتي من خلال تصوير المقموع بأنه ممثل أمام "الشعب"، وهذا يأتي خصوصا في ذروة القمع وهو التعدي بالضرب وصولا للتشويه، وهنا تدخل أدوات كثيرة، لإخفاء الجريمة، وتحميل المقموع مسؤولية بأنه هو من يحاول أن يصور للناس بأنه نظام بوليسي، والدليل إغراق نفسه بـ"الألوان"، وخصوصا اللون الأحمر وما له علاقة وثيقة بالنظام البوليسي ودلالته على عمق الجريمة.

إذ أن الألوان لها خصوصية سيميائية في تجميل الصورة، بل إن "اللون" ذئب مخادع، وقلب الشكل وتحويله إلى ما يهدف له معد الفلم أو أي إخراج "تمثيلي"..، ومن المؤكد بأن لا أحد منا إلا وقد شاهد "فيلما أو مسلسلا أو أي إخراج"، وشاهد "الدم" فيها، وهو صبغة حمراء يحملها الممثل مكان مقتله في المشهد.

واللون هو صفة الجسم من السواد والبياض والحمرة وغيرها، ولَوْنُ كلِّ شيء: ما فَصَلَ بينه وبين غيره. وهو ما نراه عندما تقوم الملونات بتعديل الضوء فيزيائيًا بحيث تراه العين البشرية (تسمى عملية الاستجابة) ويترجم في الدماغ (تسمى عملية الإحساس التي يدرسها علم النفس). واللون هو أثر فسيولوجي ينتج في شبكية العين، حيث يمكن للخلايا المخروطية القيام بتحليل ثلاثي اللون للمشاهد، سواء كان اللون ناتجاً عن المادة الصبغية الملونة أو عن الضوء الملون. إن ارتباط اللون مع الأشياء في لغتنا، يظهر في عبارات مثل "هذا الشيء أحمر اللون"، هو ارتباط مضلل لأنه لا يمكن إنكار أن اللون هو إحساس غير موجود إلا في الدماغ، أو الجهاز العصبي للكائنات الحية.

كما أن للألوان في الأنظمة الأمنية خصائص ودرجات، وهناك خمسة ألوان؛ تبدأ من أعلى تهديد باللون الأحمر (شديد)، وبعد ذلك البرتقالي (للعالي) والأصفر (للمرتفع) والأزرق (للحذر) والأخضر (للضعيف).

فاللون الأخضر يشير إلى حالة تأهب متدنية، بسبب عدم وجود مخاطر محتملة، ويشير اللون الأزرق إلى حالة تأهب وحذر في ظل احتمال وجود مخاطر عامة محتملة، ويعد مستوى الإنذار مرتفعا إذا وصل إلى اللون الأصفر، ويتم الوصول إليه في حال وجود مخاطر كبيرة واحتمالات وقوع هجمات إرهابية، ويكون التأهب معه مرتفعا.

ويرتفع المؤشر مع اللون البرتقالي إلى حالة تأهب قصوى وخطر عال، بينما تصل حالة التأهب والاستعداد إلى درجاتها القصوى مع اللون الأحمر الذي يعبر عن أعلى مستويات الخطر، في حالة وجود هجوم إرهابي وشيك على الولايات المتحدة.

لذلك، من خلال هذا الترابط بين الألوان والضرب، أو استخدامها من عصابة أمنية، كما سنبين ما حصل مع مدير الشبكة العربية جمال عيد في القاهرة، وإقدام مجموعة من ضباط مسلحين والاعتداء عليه بالضرب المبرح بالقرب من منزله، وقاموا بإغراقه بالألوان، وتهديد جيرانه والمواطنين الذين حاولوا الدفاع عنه بإشهار مسدسات في وجوههم.

قال المحامي المصري والناشط الحقوقي جمال عيد، عبر حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، إنه "تعرض لاعتداء من قبل عناصر تابعين لوزارة الداخلية قرب منزله في القاهرة"، ونشر صورة له وقد سكب على وجهه وملابسه ألوان صبغ مختلفة.

وأوضح  عيد أن " أشخاصا داخل سيارات ملاكي بدون أرقام وضباط بالمسدسات قاموا بالاعتداء عليه وإغراقه بالألوان".

وقال عيد "أعتقد أنهم لا يريدون تكرار فضيحة قتل جوليو ريجيني تعذيبا، فراحوا يعتدون المرة تلو الأخرى علي، لمعاقبتي وإسكاتي عن ممارسة عملي الحقوقي وإيقاف انتقادي المتكرر لانتهاكات حقوق الإنسان الوحشية، لكن مرة أخرى، الصمت والتواطؤ ليس اختيارنا".

وأشار إلى أنه حين حاول أحد المواطنين تصوير السيارات والتي كانت من ماركة كيا سيراتو سوداء، وجد أنها منزوعة الأرقام  جميعا.

فإن ما حصل مع الحقوقي عيد؛ ذروة القمع في النظام البوليسي، وخصوصا ما تمارسه العصابات الأمنية، إلا أنها حاولت هذه المرة استخدام أداة ظنا منها أنها قد تبرئها من فعلتها، وهي بعد ما تم الاعتداء عليه، تم سكب الألوان والبوية على جسده. فإن التفسير الوحيد الذي قد نستخلصه من هذه العملية، هو هدف العصابة إخراج "عيد" بأنه ممثل أمام الجمهوره، وذلك الذهاب باتهامة بأنه لم يتم الاعتداء عليه، وأنه سكب الألوان على جسده وخصوصا اللون الأحمر، لتبيان أنه تعرض لنزيف إثر الضرب. وبذلك تكون العصابة أخفت أثار جريمتها وقلبت الحقائق. بل هدفت من ذلك قلب التعاطف مع "عيد" إلى ضده.

إن ما يميز ما حصل مع عيد، هو أن النظام البوليسي أصبح يواكب أفكار القمع بطريقة عصرية، والعمل بأفكار إبداعية في مواجهة المعارضين، فإن فكرة سكب الألوان، تبين مدى أهمية إخفاء الجريمة للعصابة، ومحاولة قلب الحقائق، وذلك من باب اتهام (عيد) بأنه لم يتم الاعتداء عليه، وأنه سكب على نفسه الألوان، من أجل اتهام أمن دولة، وهذا يضعه أمام القانون، بأنه ممثل من أجل تحشيد الرأي العام ضد النظام. هم بطريقة الاعتداء عليه، يكونوا قد كسبوا أمرين، الأول تنفيذ جريمتهم وإخفائها، والأمر الآخر تحميله مسؤولية مهاجمة أمن الدولة من خلال اتهامه تأليب الرأي العام.

إضافة إلى ما حصل مع عيد هو استخدام الأجهزة الأمنية، سيارات سوداء منزوعة الأرقام، وهذا يفسر بأنها عصابة خارجة عن القانون نفذت اعتداء ضد مواطن، وليس جهاز أمني، وهنا من باب تبرئة الجهاز الأمني من عملية الاعتداء، وتحوير القضية بأنه ثأر شخصي بين ( عيد) ومجموعة خارجة عن القانون، حيث سيسجل في المحكمة ( الاعتداء على الناشط الحقوقي عيد من قبل (مجهول) إذا لم يكن اتهاما مباشر من قبل عيد لأشخاص من جهاز أمني).

وإن حبكة القصة في حال ذهب ( عيد) للقانون، سيصبح هو والأجهزة الأمنية بذات الدور في البحث عن المعتدي " المجهول"، وإذا حاول (عيد) اتهام أمن الدولة، فإنه منزوع الإثباتات ولم يستطع فعل ذلك.