الأحد  22 كانون الأول 2024

"أتبع رائحة العتمة إلى ممراتي".. رواية عن الذاكرة الفلسطينية بعد بيروت

2020-02-09 08:28:55 PM
الكاتبة زهيرة زقطان

 

الحدث - إسراء أبو عيشة 

أصدرت الكاتبة الفلسطينية زهيرة زقطان روايتها الجديدة بعنوان "أتبع رائحة العتمة إلى ممراتي"، وهي تعتبر تتمة لتجربة ما بعد بيروت، وهي الممرات التي تبدأ من الخروج من حصار بيروت إلى هذه اللحظات بكل ما حملت من هزائم وجثث وأحلام.

وفي مقابلة خاصة لـ "الحدث" مع الكاتبة زهيرة زقطان، قالت إن روايتها تتحدث عن ذاكرة امرأة تستحضر ممرات المخيم والحرب وتعدد المنافي، ثم ما بعد الخروج من بيروت إلى عمان وبغداد، والتي تحمل على كتفها حمولة نتائج الحرب في المنافي المتعددة، في سلسلة من الهزائم ثم الرحلة التي تنتهي بالعودة إلى رام الله عبر اتفاق أوسلو، والتي اعتبرتها بأنها "عودة ناقصة بكل المقاييس ولكنها الخيار الوحيد الذي كان متاحا أمامها".

غلاف الكتاب

وأضافت زقطان، أن الرواية تتحدث عن الهزائم الجديدة والتي هي أكثر وجعاً في رحلة البحث عن الذاكرة داخل الوطن، والتي كانت الهزيمة الأكثر وجعا عند زيارتها إلى قريتها الممسوحة المعالم والتي تحولت إلى مستوطنة، ثم رام الله المدينة التي عاشت فيها قبل هزيمة حزيران واحتلال فلسطين بأكملها، والتي تظهر المتغيرات المرعبة في المكان، والاحتلال الذي لا يزال تحت النافذة، وأيضا عن الحبيب الذي ظل في مقبرة جماعية في آخر أيام الحصار في بيروت والآتي المفتوح على كل الاحتمالات.

أما عن العبرة المستوحاة من هذه الرواية، أوضحت زقطان، أن السرد في الرواية لا يقدم عبرة، ولا يمتلك الحلول، والمرأة التي تروي ليست بطلة، وإنما هي امرأة تتحدث عن تجربتها من بداية ولادتها في مخيم عقبة جبر إلى "سياحة" في التنقل من مخيم إلى مخيم، "هنا، وفي الأردن، وسوريا، لبنان.. وفي مرحلة الأحلام والانتماء إلى التنظيم، حتى لا يبقى المخيم بديلاً عن البيت أو عن قرية احتلت، "حيث إن المخيم ليس قدراً ولا واقعاً علينا التعايش معه وتقبله".

وأوضحت زقطان، أن هناك أسئلة بلا إجابات تفرض واقعها عن الحرب والموت، عن المنفى والوطن، عن الموتى بين مقابر ضائعة هنا ومقابر ضائعة في المنفى، التعدد والاشتباك في تفسير مفهوم الانتصار، والتباس البطولة والعودة الناقصة، والإرث الذي لا يحصى من الهزائم المتعددة الذي أقام فوق أكتاف النساء، هنا وفي كل مدن الحرب، تجربة المنفى التي كانت أكثر وضوحاً في الوطن، ثم التفاصيل الإنسانية لضحايا الحرب، الذين كانوا خارج نص البطولة بالمعنى الشائع، كالأطفال مثلاً.

وأشارت زقطان، إلى أن "الواقع هو جزء من كتابة الرواية، ولو عدنا إلى قراءة الروايات التي تتحدث عن الحرب في العالم، سنقرأ الواقع الإنساني والدمار والموت وتفكك المجتمع والضحايا، ولن نكون بحاجة إلى معرفة من يدفع الثمن، ومن سيكون ضحية هذا الكم من الدم والخراب بعيدا عن كتب التاريخ".

والرواية أصدق من السياسة ومن كتب التاريخ بحسب الكاتبة، وفلسطينيا في كل بيت هناك رواية وغائب واستلاب للمكان وللإنسان، "إلا أنه مع الأسف لم تنتبه المؤسسات الرسمية وبالذات وزارة الثقافة ووزارة الإعلام إلى أهمية تعزيز تسجيل هذا التاريخ والذي بدأ من الهجرة الأولى سنة 1948 وحتى اللحظة لم تكن الكتابة بحجم القضية الفلسطينية.

وحول دور الكاتب تجاه وطنه، أوضحت زقطان، أن الكاتب هو مقاوم وكذلك الإعلام؛ "ففي أواخر الخمسينات عشنا على ما كتبه الرواد من إبراهيم طوقان في نشيده الخالد (موطني)، والتي امتدت إلى العالم العربي، حيث إن هذا النشيد منذ أسابيع قليلة سمع يرتفع في مظاهرات ببيروت باكتمال ثابت وراسخ". وكذلك في أواخر الستينات "عشنا على شعر المقاومة الفلسطينية في الداخل كتميمة في العنق، أما في السبعينات في بيروت كان أوج الثقافة الفلسطينية والعربية والتي حاولت أن تسند فكرة المقاومة جنباً إلى جنب، وهناك محمود درويش، ومعين بسيسو، وغسان كنفاني، وإلياس خوري، وجبرا إبراهيم جبرا وغيرهم".

وحول الصعوبات التي واجهتها زقطان، فإن أبرزها كان " فتح الذاكرة واستحضار الحدث والألم ووجع الغياب والفقدان.. فلم أكتب معلومات، بل كانت سرد لتجربة عشتها ولأشخاص أحباء ورفاق رحل بعضهم والبعض الآخر لا يزال يحمل نفس ذاكرتي التي هي جزء من كم لا يحصى مما عشته كامرأة فلسطينية وكما تعيشه زوجة شهيد أو والدة شهيد أو أسير أو جثمان مغيب في مقبرة أرقام، أو الوقوف على ردم بناية قصفتها غارة في المنفى أو في الوطن لا فرق في الموت لم تتغير الضحية ولم يتغير القاتل منذ الهجرة الأولى وحتى اللحظة".

اقتباس من الرواية

"نفس الوجه الذي رأيته داخل الطائرة يلقي قذائفه على أطفال الفكهاني، كان اليوم في وسط رام الله في شارع ركب.

نفس القاتل الذي أطلق القذيفة على جسد حبيبك، من بارجة حربية في حصار بيروت، كان اليوم وسط رام الله في شارع ركب.

القاتل، لا يزال تحت النافذة يا علي بطلقته الجاهزة، بكارثة الهجرة، بكل ما تحمل من شتات وغربة وضياع وفقدان وهوية تائهة".

وبالنسبة لزقطان، فإن هذه الرواية هي "تكملة لروايتي (مضى زمن النرجس)، التي صدرت سنة 2007 مع استقلالية السرد، والتي كانت عن فترة التواجد في بيروت في السبعينات وبداية الثمانينات، تجربة كانت أغلبها أمور شخصية، إلا أنني أعتبرها تجربة عامة لكل من عاش تلك الفترة الذهبية والممتلئة بالأحلام والاختيارات.. وحيث أن أمامنا هدفا واضحا في طريق شائكة ممتلئة بالنتوءات، نذهب إلى بيروت لكي نعود إلى البيت، لذلك كانت المقاومة خياراً، وكانت بيروت حاضنة المقاومة وأم الشهداء، كانت الرواية سرد لأحداث عشتها على أرض الواقع".

أما عن رواية "أتبع رائحة العتمة إلى ممراتي"، فهي تعتبر تكملة لتجربة ما بعد بيروت، وهي الممرات التي بدأت عند الخروج من حصار بيروت إلى هذه اللحظة، بكل ما حملت من هزائم وجثث وأحلام.

وقالت زقطان، "منذ بداية الثمانينات بدأت علاقتي كتكملة لدراستي في حفريات التاريخ الكنعاني في سورية القديمة والتي كانت تضم سورية ولبنان وفلسطين، دراسة عن تاريخ المكان الذي يشمل تاريخ السكان الحقيقيين قبل نزول الأديان السماوية وقبل اكتشاف الكتابة، تاريخ يعود إلى 6 آلاف سنة قبل الميلاد عندما بدأت هجرات القبائل العربية القادمة من شرق جزيرة العرب واليمن وساحل عمان والتي كونت قبيلة كنعان، وهي القبيلة الأكبر التي استقرت على أرض سورية القديمة الممتدة من اللاذقية إلى غزة إلى 1200 سنة قبل الميلاد، أعمل على تلك الفترة من خلال توثيق المكتشفات والآثار المكتوبة وبقايا المدن التي تم العثور عليها من بداية 1926 وحتى الآن، في توثيق الحق التاريخي لهذا الشعب بأحقيته في المكان وفي اللغة وفي ابداعاته في الفن والدين والعمارة والآداب وقيم المجتمع التي فاقت حضارته حدود المكان لينتشر على شاطئ المتوسط وينقل الهجائية الكنعانية الفينيقية إلى أوروبا".

الكاتبة زهيرة زقطان

ويشار إلى أن كتاب زقطان الأول "أوغاريت ..ذاكرة حقل" كان عن تلك المرحل .

وقبل عام، صدر كتاب التوثيق "ذهب السابقين" الذي يحتوي على وثائق من الحفريات وأماكن تواجدها، ثم 36 لوحة مستوحاة من الزخارف الكنعانية قبل 3 آلاف سنة قبل الميلاد وما زالت تستخدم كجزء من الموروث التاريخي الشعبي حتى الآن وهو عمل مستمر عبر متابعة ما تم من حفريات توثق الحق الفلسطيني قبل أي غزو للبلاد وقبل الأديان السماوية.

ويذكر أن الشاعرة والفنانة زهيرة خليل زقطان ولدت سنة 1950م في مخيم عقبة جبر بمدينة أريحا، درست في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في مخيم الكرامة، وحصلت على شهادة البكالوريوس في الفلسفة وعلم النفس من جامعة بيروت العربية سنة 1979. وأقامت معارض شخصية تضمنت لوحات تراثية مشغولة بالتطريز على القماش، في الأردن ولبنان وتونس ومصر والعراق وفلسطين.