الحدث الثقافي
تقوم الحدث، بنشر كتاب محمود درويش في حكايات شخصية، للكاتب والقيادي في حركة فتح، نبيل عمرو، على 11حلقة.
صدر الكتاب عام 2014 في 145 صفحة من القطع المتوسط وأنتجته مؤسسة محمود درويش في رام الله، وقدمه الشاعر والكاتب الراحل خيري منصور.
ويسلط الكتاب الضوء على خصائص شخصية وسلوك الشاعر الكبير، وفهمه للحياة، والأشخاص وعلاقته بالمدن والشعراء وكبار الكتاب العالميين، مع فصل خاص يتحدث فيه محمود درويش عن حياته من الطفولة حتى ما قبل وفاته بأربع سنوات.
كما يعرض الكتاب مسحاً لعلاقة الشاعر الكبير بالسياسة والسياسيين وهواياته وعلاقته بالمرأة والمال، وشؤون الحياة العادية.
كان ياسر عرفات، يعتبر محمود درويش صديقاً شخصياً، وكان يدرك بوعي وحس القائد المستحوذ، أن سطوع نجم الشاعر في عهده يضيف له وللظاهرة الفلسطينية بعداً هاما وإيقاعا شديد التأثير في تكوين صورة مشرقة لشعب وثورة وقضية.
وحين كان يطول غياب محمود، كان عرفات يسأل عنه، ويطلب من مساعديه وصله به عبر الهاتف وبحميمية بالغة، يبادره قائلاً:
وحشتني.
ويكررها غالباً اكثر من عشر مرات.
انت فين.. زمان ما شفتك تعال يا خويا، احميني من الشعراء، ومجالس التحشيش الفكري، احميني من فلان وفلانة.. هلكوني وأحرجوني أمام الزعماء العرب.
كانت المكالمة تطول، فعرفات يستمتع بالحديث مع الشاعر الأكبر، أما حين يكون محمود حيث يكون عرفات في غزة أو رام الله، فكان الرئيس يحرص على أن يتناول معه الغداء والعشاء ..
"ولولا اني يا خويا بعرف انك بتتأخر في النوم لأفطرنا معاً".
كان محمود رافعاً الكلفة تماماً مع عرفات، كان يبدي إعجابه ببعض اللقطات التي يستخلصها من أحاديثه التلفزيونية والصحافية، إلا أنه كان يفصح عن نقد قاس حيال لقطات لم تكن تعجبه، كان عرفات يسعد بالاشادة، الا انه حين كان يسمع نقد الشاعر يقول:
"طيب يا خويا.. أنا منين لي لغة ونباهة محمود درويش".
أنت الخير والبركة ايها القائد العام.
وأنت يا محمود الشاعر العام.
وينتهي اللقاء بعناق تتخلله ضحكات جذلة.
إلا أن عرفات كان يؤمن بالقدرات السياسية لمحمود درويش، ولا يتجلّي ذلك فقط من خلال إصراره على أن يكون عضواً في اللجنة التنفيذية، ما فسر في حينه على أن عرفات أراد تعليق وردة ثقافية وابداعية على صدر القيادة الفلسطينية وصدره شخصياً، وانما من خلال الأدوار الحساسة التي كلف بها، فهو مثلاً كان من ضمن المجموعة الضيقة جداً، التي تم اطلاعها على أدق تفاصيل المحادثات السرية في أوسلو، كان بحكم الموقع والثقة يشارك في جلسات القرار الا ان ذلك لم يمنعه من تقديم تحذيرات ذكية، خصوصاً حين يتصل الأمر بما يكمن وراء العروض الاسرائيلية حيث كان محمود الاعرف من بين الجميع في كيف يفكر الاسرائيليون، وكانت لغته العبرية الناضجة قد وفرت له متابعة دقيقة وواعية لكل ما يجري في اسرائيل.
كما كان محمود واحداً من فريق ضيق، تابع مسألة الاعتراف الأميركي بمنظمة التحرير، من خلال دور حساس أداه مع الوسطاء الأوروبيين.
غير ان الادوار التي لعبها من موقعه الرسمي، لم تكن لتؤثر في العمق على قناعاته الخاصة. كان يدرك أهمية الاعتراف الأميركي مثلاً بمنظمة التحرير والشعب الفلسطيني إلا أنه كان في غاية التحفظ على الصيغ السياسية التي كان يجري الحديث عنها لحلول محتملة للقضية الفلسطينية، لم يكن ممكناً مواصلة التعايش المتعب وغالباً المؤلم بين المثقف والسياسي ، فالمثقف هو "انسان الضمير والقناعات العميقة، اما السياسي فهو رجل الحسابات والاتفاقات والتسويات".
حين قدم محمود استقالته من اللجنة التنفيذية وتزامن ذلك مع إبرام اتفاق أوسلو، لم يسمح لخصوم اوسلو باستغلال استقالته كما لو أنها تمرد أو ثورة على ما تم، أما عرفات الذي أقلقته الاستقالة، وأعيته الحيلة في ثني الشاعر عنها فقال:
إنني أوافق بشرط.
فقال محمود
اشرط فرغبتك أوامر.
قال عرفات:
ان تعدني بالتفرغ للشعر.
كان محمود ذكياً ولماحاً بما يكفي لفهم ما بين أحرف شرط عرفات، فكم سيكون صعباً تسويق أوسلو لو شن محمود حرباً عليها، فقال للرئيس:
مع أن لي تحفظات كثيرة على أوسلو إلا أنني سأحاول الاستفادة منها "فأنا سأخطط للسكن في رام الله على الأقل سأكون قريباً من أمي في الجليل".
ومني كذلك قال عرفات وقد غمرت اشارات الاطمئنان والرضى قسمات وجهه.