الثلاثاء  24 كانون الأول 2024

التعليم ما بين إنتاج المعرفة واستهلاكها... محور ندوة حوارية نظمها " إبداع المعلم"

2020-07-28 12:01:54 AM
التعليم ما بين إنتاج المعرفة واستهلاكها... محور ندوة حوارية نظمها
مركز إبداع المعلم

 

 الحدث الثقافي 

 نظم مركز إبداع المعلم ندوة حوارية حول التعليم ما بين إنتاج المعرفة واستهلاكها بمشاركة عدد من الخبراء التربويين، حيث عقدت الندوة عبر نظام اللقاءات عن بُعد، وأدارها مدير عام المركز أ. رفعت الصباح.

وخلال ترحيبه بالمتحدثين بيّن الصباح أن الندوة تندرج في إطار جهود المركز لإشاعة ثقافة الحوار المعمّق حيال عدة قضايا تربوية؛ بهدف استجلاء ما يعتري المشهد التربوي من تداخلات وما يستوجبه ذلك من تدخلات، مؤكدا أنه وفي ضوء وجود قناعات بأن التعليم في المنطقة العربية يوصف بأنه غير منتج، وبأنه يميل إلى استهلاك المعرفة أكثر من إنتاجها، فقد بادر المركز لعقد الندوة لتسليط الضوء على مدى ارتباط الموضوع بنظام التعليم بقطاعيْه؛ العام والجامعي.

أول المتحدثين كان د. محمد شاهين، الذي تطرق إلى أن المعرفة البشرية تتضاعف كل عشر سنوات، وقد شهد العقد الأخير من القرن الحادي والعشرين– وتبعا لمعطيات إحصائية- إنتاج معرفة علمية أكثر مما أنتجه التاريخ البشري بأكمله، مؤكدا أن الأمر لم ه من تطورات تكنولوجية سريعة لم يعد مقتصرا في تأثيره على الاقتصاد ودرجة النمو الاقتصادي ، بل ينعكس بشكل مباشر على حياة الناس(Quality of Life) ما يعد مؤشرا حاسما على وجود تنمية بشرية قابلة للاستدامة، منوها ولا يقتصر  على الفجوة بين التعليم العالي واحتياجات سوق العمل، إذ تبرز فجوة بين مراكز الإنتاج وفروع الاستهلاك، وقد أصبحت المؤسسات المهتمة بالبحث العلمي تعتبر نفسها منتجة للمعرفة والمؤسسات التعليمية المقتصرة على التعليم مستهلكة للمعرفة، وهناك ضرورة للتعامل مع هذه الفجوة من خلال البدء في استخدام المعرفة وفي مرحلة لاحقة المشاركة في إنتاجها للوصول للمعرفة.

وأضاف: نحن بحاجة لجهد في إطار الترجمة لنقل الكتب، فاللغة أداة تفكير ولا يمكن أن تفكر بطريقة صحيحة دون أن تمتلك اللغة الصحيحة المناسبة، والدافع لإنتاج البحوث في جامعاتنا؛ إما من أجل الترقية أو نشرها في مجلة معروفة.في عالمنا العربي هناك استهلاك معرفي مفرط، بعيدا عن أي روح للإبداع والابتكار والتجديد.

في حين أكد أ. وحيد جبران أننا في حقيقة الأمر إنما نستهلك المعرفة بطريقة ارتجالية وسطحية وشكلية وغير وظيفية، فلو استهلكنا المعرفة بطريقة صحيحة وفهمناها لرأينا أهمية المعرفة وإنتاجها، لأن استهلاك المعرفة هو مقدمة لإنتاجها، والعكس صحيح، مبينا أن هناك مستويات لإنتاج المعرفة على مستوى: الفرد، والمؤسسة، والدولة، وأنه ما أردنا الارتقاء في إنتاج المعرفة فلا بد من الاستثمار في الأجيال القادمة على المستوى المدرسي والجامعي عن طريق تمكينهم، والبدء في خلق اتجاهات إيجابية لديهم نحو العلم وتقدير المعرفة، ثم الانتقال للمهارات مثل البحث والنقد والخوض في مصادر التعلم.

وأضاف: هناك إشكالية في المنظومة العامة التي تفتقد إلى أمور عديدة تجعل أي شخص يخرج خارج الإطار يحس بالضياع، وقد يتلقى اللوم أو التشكيك بالتغريد خارج السرب.القضية أكبر من قضية المنهاج،لأنها قضية نظام تعليمي ونظام سياسي، ونظام اقتصادي.

أما د. علياء العسالي، فقد أشارت إلى إشكالية أن المراجع التي يمكن الاسترشاد بها باللغة الإنجليزية والمراجع العربية هي إعادة ما كتب وصياغته باللغة العربية، وحجم المنتج المعرفي الصادر عن مجتمع معين باللغة الأم هو الإنتاج الحقيقي لأنه يعبر عن السياق والمخزون الفكري والثقافي لهذا المجتمع، فالمصادر المترجمة بالغالب في مجالنا التربوي ضعيفة لأنه النص يفقد قوته عند الترجمة، معتبرة أن اللغة حاضنة الثقافة والعلوم وحاضنة الإنتاج، مضيفة أن الانتقال إلى مجتمع منتج للمعرفة غير مستحيل إذا كانت هناك إرادة.

و أوضحت د. هالة اليمني أن ثمّة إشكالية كبيرة في المنطقة في قضية الثقافة، ما يستوجب أن تكون هناك ثقافة تسمح بعملية الإنتاج المعرفي، ويطغى على عملية التعليم بمستوياتها كلها الاستهلاك وإعادة التدوير، فالموضوعات المطروحة مشوقة لكنها مكررة من كتب سابقة،وبالتالي الإشكال الأساسي مرتبط بعملية الثقافة لوجود تفاعل بين عملية التعليم وثقافة المجتمع، والأفكار تنتقل دون نقد وتغيير وتطوير، وإنتاج المعرفة يتطلب عقلية ناقدة، منفتحة حتى يصل الإنسان ليكون منتجا على المستوى المعرفي.

من جانبه؛ أوضح د. يحيى حجازي أنْ لا إشكالية في البناء على المعرفة السابقة،لكن هذه العملية يجب أن تكون فقط بداية العملية التعلمية، وبعدها على الباحث أن يكون أصيلاً مبدعاً، مستشهدا بقول نيتشه"إن الطالب يجب أن يكون عدو معلمه وصديقه في الوقت نفسه". مؤكدا أن إشكالية تدوير المعلومات لا تقتصر فقط على تدوير المعرفة في الجامعات ولكنها ظاهرة عامة نراها في تدوير المؤسسات وتدوير العادات والتقاليد، وفي تدوير السلطة والأحزاب.

وعن المطلوب لنتجاوز مرحلة الاستهلاك المعرفي والمادي، ذكر د. أحمد فتيحة أن ذلك ممكن أن ذلك ممكن عبر تمكين الطالب من اكتساب المعرفة وإشراكه في عملية إنتاجها؛ ما يستوجب مراجعة كل أساليب التدريس، التعلم غير الرسمي التعلم الذاتي هو الأساس في إنتاج المعرفة لا استهلاكها، وهناك ضرورة للتطوير النوعي للنظم التعليمية بحيث تكون بنية تعلم وتكيف لا تلقين معارف، وإعادة تنظيم البناء المؤسسي للانتقال إلى الاحترافية،وردم الفجوة بين التعليم العام والتعليم الجامعي، كما يجب أن نعمل على موضوع القيم الأخلاقية، ويجب أن يكون هناك تنمية شمولية لطلبة وغيرها من القضايا التي هي بحاجة لنقاش.

في حين ذكر د. شاهين أن علينا التركيز على عملية التحول إذ لا يمكن إغفال عملية تطوير المناهج، وبالتالي يجب أن تكون لدينا رؤية للتطوير، وألا نرتكز على أسس لاعقلانية مثل قضايا المؤامرة، أعتقد أن من المهم مراعاة المستويات جميعها من صانع القرار عند اتخاذ القرار،وأن يكون لديه نوع من القناعة والإرادة للتغير حتى نضمن تحقيق المخرجات.

وحول مدى التأثير السلبي لقضية التشكيك والتخوين والتكفير في العالم العربي بشكل عام على الإنتاج المعرفي، قالت د. اليمني أن هناك انفصالا بين المؤسسات المختلفة وما يتم في المدرسة ومن منطلق استعدادات الطلبة وإمكانياتهم؛ منفصل عما يتم في المنزل، وما يتم في المدرسة مختلف عما يتم في الجامعة، فثمة فجودة مردّها الانفصال بانعدام العمل الجمعي.

  وأجمع المتحدثون على وجوب انعكاس الرؤى على التطبيقات التربوية لكل مكونات العملية التعليمية سواء المعلم أو المنهاج أو الطالب أو البيئة الفيزيائية والاجتماعية أو أساليب التقييم، وهو ما يستدعي البدء في التعامل بجدية مع الأمية الموجودة حول استخدام التكنولوجيا، وبالتالي؛ إعادة النظر بشكل نقدي وموضوعي في كل مكونات النظام التعليمي سواء السياسات التعليمية أو أعضاء هيئة التدريس أو مراجعة المناهج، والربط بين مرحلة التعليم العام والجامعي.

كما أكدوا أهمية وجود قناعة لدى النخب السياسية ومتخذي القرار، بأن للاستثمار في العقول البشرية والبحث العلمي جدوى وديمومة،فالتعليم هو المدخل الرئيس لمجتمع المعرفة.