الأحد  22 كانون الأول 2024

الموسيقى عاريةٌ .. لا أعرِفُها / المتوكل طه

2020-09-17 08:22:35 PM
الموسيقى عاريةٌ .. لا أعرِفُها / المتوكل طه
المتوكل طه

 

سأغادرُ هذي الغابةَ  للنَّهرِ الأوّلِ ،

 حيثُ الفَرَسُ تخوضُ  لِتَخْرجَ  نحوَ التلِّ ،

 وتصهلُ  بالفِضَّةِ ،

أو تنشرُ ما ظَلَّ  من البَرْقِ على الأحياء .

غبارٌ هذي الغابةُ  أو غَبَشٌ  أسودُ ..

وأرى أنَّ  سَبيكَتَها  انكسرتْ ،

أخَذَتها السّاحرةُ  إلى  بئرِ مغارتِها السوداء .

سأغادرُ هذي المُتَصابِيةَ  الرَّخْوةَ ..

مَنْ  تَضَعُ  قِناعاً  تلوَ  قِناعٍ

وتُراقِصُ أشْباحَ  الرأسِ المقطوعِ

وتخفي  سِحْنَتَها  العجفاءَ ..

سأتْرُكُ  سُوقَ  نِفاقِ  الأخوةِ ؛

مَن  كانوا في الخندقِ  أو في البَيْرقِ أو خلفَ القُضبانِ ..

وراحوا للسوقِ ،

اندفعوا مثلَ الثيرانِ الوحشيّةِ

 لمذاوِدِ  ربِّ  القُطْعانِ  السائبةِ ،

أُطْعمَهُم  وَهْمَاً ،

وتّزَيّا  فوقَ  رِقابِ  الخَلْقِ

وكانَ الآكِلَ  والطاعِمَ  والكاسيَ  والسّادرَ  في  السِّيركِ الوطنيِ

 المُغْلَقِ  مِن  كلِّ  الأنحاءِ ..

كلابٌ  تنهشُ  في لحمِ غزالتِنا ، اجتمعتْ

 لترى ما  في القَصْعةِ  من  مَرَقٍ

 خَثّرهُ  الجَمْرُ،

 لتملأَ جَوْفَ  جنَّهمَ ،

وتنامَ على  رِيشِ  نعامَتِنا  الخرقاءِ.

وأَمْعَنَ  سيّدُهُم  بالسَّلْخِ  وبالطَّبْخِ ،

تَلَمَّظّ ، وامتلأَ  البطْنُ ، وأيْقَنَ  أنَّ

القُطْعانَ  الموسومةَ  تأتيهِ

 بلا  تَعَبٍ ،

فَلْيَذْبَحْ  ما  شاءَ  من  الصُّوفِ ،

عدا  الكبشِ المكحولِ ..

 فهذا  مَن  باعَ  حظيرَتَه  للذّئبِ ،

وصالَحَ غِربانَ  البيداء .

 سأترُكُ هذا الطَقسَ الوثنيَّ  وأزلامَ  المَعْبدِ  وعُكاظَ  الخُطَبِ  المكرورةِ

وقوافلَ  داحِسَ  والغبراء .

لقد كذبوا !  مِن  أوَّلِهِم

حتى آخرَ  مَن  تاجرَ بالنّارِ  وبالأوجاعِ   وبالنسْوَةِ  حينَ  رَقَصْنَ

بمنديلِ  الأعراسِ  المُذْهلةِ  ..

وكَذَّبَ  ثانيةً ..

 فَالكافِرُ مَن  رَفَعَ  البُهتانَ

 وصدَّقَ ما قالَ  مُسيلمةُ  الكذّابُ ،

وعادَ مع الصَّنَمِ  المهدومِ  ..

لأرضِ الرّومِ ..

سأتْرُكُ  مملكةَ  الخَوفِ

 أو الزّيفِ

 وأَهْجرُ هذي المنهوكةَ  والمذبوحةَ

 بسيوفِ  أشقائي الأعداء .

وأتْرُكُ  هذي الكُثبانَ  القاحِلةَ

المَذْرورَةَ ،

مَن  يختَبئُ  بها  الثعبانُ  أو العقربُ  والغولُ  أو  المَمْسوخُ ..

سأترُكُ  هذا التصفيقَ  الفجَّ  ،  وصوتَ  العتمةِ  

والجدرانَ  المثقوبةَ ،

 لفضاءِ  السِّجنِ

ومقصلةِ  الطّاغوتِ

وقُبَّةِ  صخرتِنا الشقراء.

سأترُكُ هذي الهاويةَ  الفاغرةَ  الأنيابِ ،  الشائخةَ  الرّيحِ ، العاجزةَ  ببيتِ الضّبْعِ ، وتبدو الضائعةَ  الدَرْداء .

سأترُكُ  أنفاسَ  المَوْتِ  ورَملَ  الوَقْتِ  ولمْعةَ  نيِشانِ  الجنرالِ  المهزومِ ،

 سأترُكُ هذه  الُلعبةَ ؛

مَنْ  أرْبَكَتِ  الأطفالَ

 وبدَّلَتِ  الأحوالَ

 وقالتْ  ما قالَ  القاتلُ ..

وأغادرُ هذا السِّحرَ الأسودَ  والترقيصَ على الأحْبالِ ، وعِطرَ الغانيةِ المأجورةِ ، ورقابةَ  أجهزةِ  التسجيلِ ،  وخنجرَ أصحابِ  التأويلِ ،

 وخيطَ  عناكِبنا  المسمومةِ ..

سأغادِرُها ..  لدَمٍ  يتفجّرُ

 في  أوردةِ الحقلِ  المنسيِّ

 وفي  الزَّهرِ الشتويِّ ،

وأُترُكُ هذي المعركةَ  الخاسرةَ

إلى قلبِ  فلسطينَ ؛

لأوَّلِ  ما  خلقَ  اللهُ  وآخرُ  ما  يبقى  في  الأرضِ

من  الحِنّاء.

سأترُكُ هذا  المرْقصَ 

فالإيقاعُ  غريبٌ

والليلُ  بهيمٌ

 والموسيقى  عاريةٌ

لا أعرفها ،

لا تعرفني ،

غرباءٌ  نحنُ   بهذا  المحْفلِ..

ما عاد  لنا  ما  نطرحُه

 بِمَزادِ  السيّدةِ  العمياء .

سأترُكُ  هذا  الكأسَ ،

فيكفي ما فعلتْهُ  الخمرُ  الفوّاحةُ

 في  الرّوحِ ،

ولا ينقُصها الدَّنَّ  النازفَ

مِن  أعصابِ  الكَرْمَةِ ،

 إذْ  سَرقَوا  العنقودَ  كما  سرقَوا  الكأسَ  وأضواءَ  المشْرَبِ  والثلجَ السائحَ  في  طَيَّاتِ  الأضواءِ  الحمراء .

انطلقوا مثلَ  جَرادٍ

 جاءَ على الحقلِ ،

 وغادرَ بعدَ  الجَدْبِ  لأطْلالِ  البُومِ

وجُحْرِ الحَيَّاتِ  الرّقطاء ..

سأترُكُ هذا التسْطيحَ  الساذجَ  والنوْءَ  الهائجَ  والقُبْحَ  الرائجَ   والتّيهَ الفالجَ  والصدأَ  الخارجَ   مِن  فُولاذِ  الحَجَرِ إلى  الأجراسِ ،

ونأتي  دونَ  حَمامٍ  يَزْجلُ

برسائلَ  مَن ظلّوا  فوقَ  التَلِّ

على  أُحُدٍ ،

وتساوى مَن ماتَ

 بِمَن  جَمعَ  غنائمَ  معركةِ  الثأرِ ..

 سواءً  بسواء !

سأترُكُ هذا البحرَ المسجورَ ،

أنا لستُ  بموسى

كي  أَملكَ  منْسَأةً  أضربُها  في  الموجِ

 فيَنْشقُّ  الماءُ ،

ولستُ  بِيوشَعَ  كي  أقبضَ  بالكَفِّ

على  الشمسِ ،

 ولستُ  بِمَن  يجترحَ  المُعْجزةَ

إذا جاءَ  السّاحرُ ،

أو أبعثَ  مَن  راحَ  إلى  الغَيْبِ ..

 أنا الكَهْلُ  المصلوبُ  وموسى  المطرودُ  ويوسفُ  إذ  أَلْقُوهُ  إلى  الجُبِّ ..

فَيَا ربِّي ارحَمْني  من  إخوتيَ  المفضوحينَ

 بهذا  الليلِ  المُشْرعِ  للأنواء .

سأترُكُ  هذا  المأتمَ  دونَ  رثاءٍ  للرّاحلِ،

 فالثورةُ  في  قلبِ  التابوتِ !

وهل غادَرْتُ  لأحملَ  باقةَ  دمعٍ  للأيتامِ  ؟

هنالكَ  سادَ  الصمتُ

 وغابت  ألسنةُ  الشُّعراء !