الأحد  22 كانون الأول 2024

حرب كورونا وطبيعة أفق المقاومة/ بقلم: سعيد بوخليط

​"الحرب امتداد للسياسة لكن بطرق مختلفة'' المؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز

2020-10-07 09:06:17 AM
حرب كورونا وطبيعة أفق المقاومة/ بقلم: سعيد بوخليط
تعبيرية

 

 الحدث الثقافي

خاضت البشرية رسميا حربين عالميتين كونيتين، بالسلاح والدم والأيديولوجيات، أسفرت على ترسيخ منظومة نسقين جديدين؛ مختلفين لما سبقهما. حينما توقفت طبول ونيران الحرب، انخرطت دون هوادة في حروب أخرى؛ لم تكن هذه المرة فورية ومرئية، بل اتخذت مظاهر نزاعية عدة، محكومة دائما بروح التغلب والسيطرة والقضاء على عدو انتقل بدوره من المنحى الأول، وفق أنساق التصور التقليدي ذي الأبعاد المعلومة، إلى آخر متعدد الهويات: من بوسعه حاليا وضع تعريف جامع مانع، لعدو بات أشهر من نار على علم؛   اسمه كورونا؟

يصعب الاتفاق، حول تأويل ولو تقريبي، لممكنات مقاصد أينشتاين، حين قوله ساخرا؛ بحكمته التي لا تقل عبقرية عن عبقرية نظرياته الفيزيائية: "لا أعلم بأي سلاح سيحاربون في الحرب العالمية الثالثة، لكن سلاح الرابعة سيكون بالعصي والحجارة''.

مناسبة الاستلهام، تحيلنا على طبيعة الحرب التي تخوضها اليوم البشرية ضد عدو ميكروفيزيائي؛ هلامي، لم تتحدد بعد جوانب هويته سوى وفق معطيات زهيدة جدا؛ متضاربة كثيرا، لا تقل حربها المعلوماتية والاستخباراتية ضراوة عن زئبقية وحربائية؛ العدو المنبعث، وكأن هذه الحرب غير المسبوقة أو القابلة للتصنيف بيسر كلاسيكي، تقوم أساسا على استراتيجيات الذكاء في أقصى تجلياته، حيث الاشتغال الدؤوب للعقل البشري، وقد بدأت تتشكل منذ الأيام الأولى لانطلاق الصراع، ملامح منظومة سوسيو-اقتصادية وإيتيقية، مختلفة جملة وتفصيلا عن التي "صمدت" بكيفية من الكيفيات، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، غاية يوم  11 مارس الأخير، حينما صنفت منظمة الصحة العالمية ''كوفيد-19 '' وباء عالميا وجائحة.

وضع جديد، لم يكن على الأقل منتظرا كليا لدى سكان سكينة المنظومات التقليدية والجغرافيات البعيدة بما يكفي عن إيقاع الزمن المعاصر، استدعى دون سابق إنذار إجراءات وقائية مستعجلة أدخلت البشرية قاطبة، طيلة أسابيع؛ حجرا صحيا، بالتالي تبلور الحتمية التاريخية الجديدة المتمثلة في ضرورة إعادة النظر بكيفية ثورية وجدية، بخصوص الأنساق الفكرية المتراكمة منذ بداية الحاضرة؛ بدون مبالغة، التي همت طبيعة علاقة الفرد بالفضاء العام، مع التشكيك في جدوى مختلف البداهات السالفة، ثم التحول نحو أخرى ترتبت على إيقاع التفاصيل اليومية للحرب الجارية ضد كورونا، وقد غدا المصير البشري عند عتبة أقصى مجازفاته.

ولأن ملامح العدو الحالي وكيانه، منعدمة التجسد؛ مثلما اعتدنا خلال الحروب الكلاسيكية، بل فقط تجليات بعض الخسائر عن نزاع أقرب في أجوائه الحقيقة، إلى  مضمار لعبة البلايستيشن، المترسخة تجاريا ضمن طيات الثورة الرقمية الحديثة، فالقصد الثابت، الذي لا لبس معه؛ في ظني، بغض النظر عن المقدمات المغايرة، والنتائج المنفتحة بدورها على جل التوقعات، بأنها أساسا معركة وجودية للبشرية ضد نفسها، وليست فقط حياتية؛ محكومة طبعا بالمرتكزين الجوهريين لنزوعات الموت والحياة.

معركة تطهيرية شاملة، بغية القطع مع الرواسب اللاإنسانية التي راكمتها ترسبات الاستكانة المَرَضية إلى يقينية ''فترات السِّلم المطمئنة''، حيث انتعاش متواليات مبررات الترهل، التي قادت المنظومة الكونية نحو مآزق الباب المسدود.

هكذا الإطار العام، لشتى تفاصيل قوانين المعارك: 

  1. طليعة قيادة شجاعة واعية، خَبِرت جيدا، جدليات الحرب والسلم؛ آمنت وتؤمن بأن السلام، لم يكن في جوهره، غير استعداد مستمر؛ يتأهب لأي معركة قد تندلع خلال أية لحظة.

  2. تبني استراتيجية شاملة، بعيدة المدى؛ تضع على التوالي احتمالات مخططات بديلة، تتفاعل روافدها؛ ولا تتوقف عن العمل، سواء فترة ''الهدنة'' كحرب ضمنية بأشكال أخرى، ثم حين اشتعال الحرب حقا.

  3. تقوية جبهة المقاومة، في أبعادها عبر بث و تكريس وعي جماعي، يتكلم لغة الجماعة  صدقا بجميع التعابير؛ يريد ما يفعل، ويفعل ما يؤمن به، لأنه استوعب دون تضليل حيثيات المعركة، وآمن بجدواها وأبعادها.  

  4. خوض المعركة بجدارة حتى آخر نَفَس، بمنتهى الصدق، وتجنب كل أشكال الزيف لأن الأخيرة، تمثل أول مدخل لتوطيد مشاريع الهزيمة. 

  5.  الإيمان بأن رحلة المعركة، ما دامت هي الحياة نفسها، طويلة وشاقة، لا تكف عن جَدْلنة لعبة الحرب والسلم، ما دامت الحرب مجرد امتداد للسياسة؛ والأخير استثمار لنتائج الحرب إيجابا أو سلبا.