الحدث- سوار عبد ربه
مع رحيل المخرج السوري حاتم علي عن عالمنا أمس الثلاثاء، تفاعل الفلسطينيون مع نبأ وفاته بشكل ملحوظ؛ وفاء منهم لمن وثق قضيتهم في مسلسل التغريبة الفلسطينية، الذي يعتبر أكبر إنتاج عربي يتناول القضية الفلسطينية بكل تفاصيلها.
لم يكن مسلسل التغريبة الفلسطينية -الذي عرض لأول مرة عام 2004- العمل السوري الأول والوحيد الذي تناول القضية الفلسطينية، ولا حتى الأخير، فالدراما السورية حملت لواء القضية الفلسطينية في أعمالها منذ نشأة السينما السورية، وكان أول فيلم يحكي عن القضية الفلسطينية هو "الفلسطيني الثائر" (1969) لرضا ميسر لتتلوه سلسلة أفلام سواء في سينما القطاع الخاص أو العام.
دراميا، شكلت القضية الفلسطينية مادة دسمة للأعمال الدرامية السورية على مر السنين، ابتداء من مسلسل "عز الدين القسام" (1981) كأول تجربة أفردت لموضوع فلسطين، مرورا بعدد من الأعمال التي تركت بصمة مهمة، وأعطت للقضية الفلسطينية حقها دراميا.
ومع بداية "ثورات الربيع العربي" 2011 شهدت الدراما السورية تراجعا كبيرًا فيما يتعلق بالتناول الفلسطيني، حيث لم نرَ في السنوات التسع الماضية أي أعمال تذكر عن القضية الفلسطينية، في ظل تركيز صناع الدراما ومنتجيها على تقديم أعمال تتناول الوضع السوري، متجاهلين تماما الوضع الفلسطيني المستمر، وكان حضور فلسطين هامشيا وبسيطا في المسلسلات ويأتي في سياق الحديث، فمثلا عندما يعرض مشهد يتحدث عن النزوح السوري أو رغبة إحدى شخصيات العمل بترك وطنها والهجرة يأت ذكر فلسطين كنموذج على النزوح أي أن -الفلسطينيين خرجوا ولم يعودوا فكيف لنا أن نترك وطننا؟-.
وهنا يمكن أن نطرح تساؤلا هل الحدث السوري حرف البوصلة عن القضية الأولى للعرب؟ وهل حلت الأزمة السورية محل القضية الفلسطينية؟ لعل الجواب نعم، لقد أخذ الحدث السوري كامل اهتمام المنتجين السوريين ويمكن تفسير ذلك بأن الدراما يجب أن تكون مواكبة لأحداث العصر، كما أن الحدث السوري يمس السوريين بشكل مباشر، والأولى لهم أن يعيدوا صياغته فيما يخدم مصالحهم، لتمرير رسائل سياسية وعكس الوضع الاجتماعي الموجود في سوريا أثناء وبعد سنوات الحرب، فتلك الفترة خلفت قضايا محلية تحتاج للمعالجة الدرامية.
وبما أن الدراما السورية حملت لواء القضية الفلسطينية، وانفردت في طرحها إلى حد ما، ففترة الانقطاع السوري لم ينتج أي عمل عربي يتناول القضية، باستثناء عدد من المحاولات المحلية التي قال عنها الناقد السينمائي سعيد أبو معلا، إنها كانت "مفعمة بالأيديولوجيا، وخطابها انفعالي، وضعيفة في السيناريو والأداء، في ظل عدم وجود مدرسة متخصصة بالتمثيل والدراما".
وبعد التهدئة في معظم المناطق السورية عادت القضية الفلسطينية إلى واجهة الدراما السورية ولكن بشكل مختلف وبأيديولوجيا جديدة، في مسلسل حارس القدس الذي عرض عام 2020 ويحكي سيرة المطران والمناضل السوري ايلاريون كابوتشي.
ويمكن أن يفهم من تغييب القضية الفلسطينية عن الأعمال الدرامية طيلة سنوات الحرب السورية وعودتها مع انتهاء الأزمة، أن فلسطين ستبقى القضية الأولى عربيا ما لم تكن هناك قضايا أخرى تشغل المنطقة، حتى وإن غابت فترة، ستعود فور انتهاء القضايا الأخرى، وبالتالي ستبقى الدراما السورية تتعامل مع القضية الفلسطينية كبعد رمزي إقناعي في خطابها العام رغم التحولات القاسية والصعبة.
أما عن اهتمام الدراما السورية بالقضية الفلسطينية فقد يعزى ذلك لأسباب سياسية، فالدراما وإن عكست قضايا اجتماعية يبقى لها مضامين سياسية، وهنا يمكن الإشارة إلى للخط القومي الذي تدافع عنه الدولة السورية بشراسة ولإثبات ذلك تحتاج إلى استقطاب الجمهور بشتى الوسائل.
ويعرف هذا النوع من الدراما في قالب المسلسل السياسي على أنه "نوع من الدراما يتناول موضوعا سياسيا يمس المجتمع من الداخل أو علاقته بدولة أخرى أو دول أخرى لها ارتباط بهذا الموضوع".
ووفقا لنظرية الغرس الثقافي إحدى نظريات الإعلام والتواصل فإن "التلفزيون مسؤول عن غرس المفاهيم عن الواقع الاجتماعي بعقل المشاهد، وأن التعرض المكثف للمشاهد يخلق لدى الأفراد مفهوما عن الواقع الاجتماعي وأيضا عن ثقافة المجتمع بشكل عام، فالتلفزيون يملك تأثيرا تدريجيا وغير مباشر ومتتاليا وإيحائيا".
أخيرا، ستبقى القضية الفلسطينية حاضرة في الأعمال الدرامية السورية؛ لما فيها من مادة غنية متجددة تعمل على إثراء الدراما، واستقطاب الجماهير من شتى الدول العربية، -كونها قضية مركزية عربيا-، إلا أن الوضع السياسي العام لا بد له أن يؤثر بشكل مباشر على طريقة طرح القضية الفلسطينية كما أن الخط القومي الذي تتبعه الدولة السورية يجبر الدراما على الاهتمام بقضاياه خاصة وأن الدولة السورية تهتم بدعم القطاع الدرامي ماديا ومعنويا.