السبت  23 تشرين الثاني 2024

أسمى غانم فنانة فلسطينية تواجه الهيمنة الذكورية بالفن النسوي

2021-01-05 09:53:51 AM
أسمى غانم فنانة فلسطينية تواجه الهيمنة الذكورية بالفن النسوي
أسمى غانم

الحدث- سوار عبد ربه

وأنت تمشي في شوارع مدينة رام الله وإن سارت بك قدماك باتجاه حي الماصيون ستلفت انتباهك جداريات مرسوم عليها صور لأربع نساء، قد لا تعرف بعضهن أو كلهن، لكن لا بأس إن أمعنت النظر بإمكانك أن تقرأ اقتباسات لهن مكتوبة بجانب الرسومات، ثم تواصل رحلة استكشافك حول هؤلاء الشخصيات، فهذا جزء من أهداف المشروع.

الجدرايات هذه مرسومة بطريقة الجرافيتي، وهو عمل فنيّ، أنتجته الفنانة أسمى غانم نهاية العام الماضي، ضمن مشروع "منارات" الذي أطلقته بلدية رام الله؛ "لتصميم مساحات عامة في المدينة، وإطلاق العنان للمخيلة المجتمعية لسكانها، من خلال ممارسات فنية معاصرة ما يشكل إيجابية وجمالية في المحيط".

 حول هذا توضح غانم لـ"الحدث": قدمت مشروع جدارية كبيرة طولها 150 م لأربع نساء رائدات من العالم وكانت الفكرة أن نضيف طابعا نسويا على الشارع الفلسطيني، لأن الهوية النسوية بالأماكن العامة خجولة وهذا يعكس المجتمع الذي نعيش فيه.

وتابعت: "هذا جزء من التثقيف، كي تصبح الثقافة جزءا من الشارع لأنك تستطيع القراءة عنهم، لهذا دمجنا بين البحث والقراءة حول النساء وإنجازاتهن بالإضافة إلى الفن".

وأنجزت غانم ضمن المشروع لوحة للمفكرة والمناضلة الأمريكية أنجيلا ديفيس، وعن سبب اختيارها لها قالت: "لأنها تركز في  كتاباتها على العنصرية تجاه أصحاب البشرة السوداء والعنصرية تجاه الفلسطينيين، كما تربط ديفيس قضية السمر بالقضية الفلسطينية، وبالنسبة لها تحرير السمر من العنصرية لا يكتمل دون تحرر الشعب الفلسطيني".

وتضيف: "بسبب هذا المستوى الفكري العالي والربط بين القضايا والشعوب المضطهدة أحسست أنه من الواجب عليّ أن تكون موجودة ضمن اللوحات لا سيما وأنها صاحبة بشرة سوداء، ما يضفي على الشارع تنوعا عرقيا".

 أما اللوحة الثانية فكانت للمعمارية عراقية الأصل زها حديد، التي بدأت تعمل في مجال العمارة حالمة بمبانٍ خيالية، واستطاعت أن تتساوى بأعمالها مع أقرانها من الرجال في هذا المجال على اعتبار أنها كانت المرأة الوحيدة آنذاك، متجاوزة بهذا كل العبارات المحبطة التي سمعتها في بداية مشوارها المهني، حيث قالت في إحدى مقابلاتها إن الأمر لم يكن سهلا عليها، لكن إصرارها كامرأة دفعها للمضي، بحسب ما أوضحت غانم.

واللوحة الثالثة للشاعرة الفلسطينية فدوى طوقان، ويرجع سبب اختيار غانم لهذه الشخصية لأنها إمرأة فلسطينية معروفة ومحبوبة ومنتجة، إلى جانب ضرورة وجودها كشخصية مألوفة ومعلومة للمحيط الفلسطيني.

أما الأخيرة فكانت لعاملة الآثار الفلسطينية، ياسمين زهران وهي من مدينة رام الله ووجودها كان مهما ضمن المشروع كتعريف عن هوية رام الله خاصة وأنها لمعت بمجال صعب.

 

واستلهمت غانم الفكرة من خلال سفرها حول دول العالم، حيث رأت أن دول الخارج تضع ميزانيات ضخمة من أجل هذه الأعمال، لأن العرض الفني في الشارع مهم بالنسبة لهم، بأهمية المعارض الفنية والمتاحف التي تعرض لوحات، لأنها تثبت وتكشف عن الهوية الفنية لكل مدينة.

وغانم، فنانة وموسيقية وكاتبة وهي من مواليد دمشق، ودرست الفنون الجميلة في الأكاديمية الدولية للفنون كما حصلت على ماجستير في الفنون البصرية والصوت.

تفاعل مجتمعي كبير وصعوبات قليلة

"أجمل شيء حصل معي خلال فترة المشروع، عندما كنت أسمع من سائق عمومي أو امرأة تبيع الخضروات عن رغبتهما في تسجيل أسماء الشخصيات المعروضة كي يقرؤوا عنها، وأتت فتيات شغوفات بالرسم إليّ قائلات إن العمل دفعهن لتحقيق أحلامهن على اعتبار أنها كسرت الحاجز بالخصوص".

بهذه الكلمات لخصت الفنانة أسمى غانم المواقف التي علقت في ذهنها خلال رحلة العمل، فاستطاعت أن تصل إلى هدف المشروع من الناحية الفنية والجمالية للمكان، إلى جانب الهدف التثقيفيّ منه.

في المقابل عانت غانم من بضع مشكلات تمثلت حسب قولها بخطورة الشارع الذي وقع عليه الاختيار للرسم، خاصة وأنها واظبت على القدوم إلى المكان سبعة أيام متواصلة، لساعات طويلة.

كما تعرضت في الأيام الأولى لنظرات استهجان وتعجب من المارة، لكن سرعان ما بدأوا بتقبل الفكرة وعرض المساعدة.

وبالعموم ترى غانم أن الصعوبات أقل بكثير من الجوانب الإيجابية.

فلسطين مصدر إلهام وبيئة فنية بامتياز

حول هذا تقول أسمى غانم: "فلسطين كلها إلهام، والتحديات التي يعشيها الشخص الواقع تحت الاحتلال، يعطي للفنان دفعة للأمام، ويجعله أكثر انتباها فنيا على الأحداث التي تدور من حوله، لإنتاج فن مختلف". مضيفة أن الفن الفلسطيني فن مهم ومحتواه قوي جدا، ناتج عن بيئة حقيقية يعيشها الفنان بشكل مباشر.

وتردف: "أنا عن نفسي لا أنتج فنا سياسيا بشكل مباشر، أحب أن أوظف الخيال الذي أنتجه كفنانة فلسطينية تعيش تحت الاحتلال دون إدخال عناصر ورموز مباشرة عن القضية الفلسطينية، سواء بالكتابات التي أدمجها مع الرسم أو الموسيقى والصوت".

بالوسائط الفنية المتعددة، وجدت الفنانة أسمى غانم ذاتها، واكتشتفت نمط الحياة الذي تحبه، وتسعى لأن تكون ضمن محيطه، كذلك استطاعت بالفن، أن تعالج مشكلة لديها، وتفرغ عن نفسها.

وغانم مولودة في مخيم خان الشيح في سوريا، وكانت تعاني في طفولتها من صعوبات تعلم، وبطء مقارنة بنظرائها من الأطفال، فارتأت والدتها أن تدفعها لإنتاج الفن، ورسومات بسيطة كنوع من التفريغ النفسي.

وفي سياق مختلف، استطاعت غانم أن تنجز مشروعا استمدته من تجربتها الشخصية مع المخيم والمشاكل التي كانت تعاني منها، فعملت على مشروع العقول التالفة وهو كتاب مع موسيقى، عن بحث موسيقي في كافة مخيمات الضفة الغربية للحالات التي تعاني من إعاقة عقلية في المخيمات، ويهدف إلى التركيز على كل عقل، عن طريق الموسيقى.

وترى غانم أن "كل عقل له تركيبة معينة ونظام معين يعمل فيه، وجاء هذا الكتاب ليشرح كيف يمكن للموسيقى أن توضح تركيبة كل عقل، مع تركيب مقطوعات موسيقية تتواءم وعقلهم".

وبحسب غانم فإن الكتاب الذي سيبصر النور هذا العام، فيه حب وتشجيع ودعم لهذه الفئة، بالإضافة لكونه يسلط الضوء عليها لما تعيشه من صعوبات، إلى جانب كونه مرجعا بحثيا مهما  في حال رغبت المؤسسات أو الدول تقديم المساعدة لهذه الفئة في المخيمات.

وعبرت الفنانة عن هذه الفئة بقولها: "بالنسبة لي هؤلاء حالة فنية لا يمكن أن تتكرر".