الحدث الثقافي- أدب
مُمسِكاً قَلَماً
والمساحَةَ مفتوحة للقصيدة
(تبدو المساحة مفتوحة للقصيدة)
لكنني، بملامح هادئة
لا تدل على ضجة الموج
أو رجة الروح
أدرك أن المساحة ضيقة،
كيف للبحر أن يدخل الورق الآن؟
فلتهدأ العاتيات قليلا
لأسمع صمتي وأرسمه صورة
للحبيب،
لحاصدة القمح مغمورة بالسنابل،
للصندل المتآكل،
للداية المتهللة الوجه،
للكف رافعة حافة النعش،
للبصمة الليلكية فوق العريضة،
للميجانا، يتوجع فيها الرعاة
ومن يحرثون المواسم تصعد أصواتهم
كزلازل ناعمة في البراري،
لطابة طفل تنط عن السلك،
للقهوة المشتهاة على شرفة الجد،
للملصق الخارج الآن من جسد
دافئ للجدار،
لمالئة الماء تحت انهمار الرصاص،
لطالبة الثانوية تتقن حرق الإطارات
والحب والفيزياء
وتحفظ من ذلك التونسي الجميل:
" إذا الشعب يوما... "
وتحمل في الراحة الروح،
للقامة المستقيمة تمشي إلى المستبد وتدرزه بالقصاص،
وللريشة المستقيمة في مرسم مائل السقف،
للقصف نحو الحصون العدوة
للضاحكين من الرتب المضحكات
لسور يشققه الوقت والعشب
مالت مداميكه، فتماسك حتى تماسك إلا قليلا
أو انهد فانهدَ إلا قليلا
هنا، من هنا
يطلع الذاهبون إلى مطلع الضوء،
من بيننا، يفتحون المغاليق
ميتهم لا يموت، وغائبهم ليس يفقد،
يحتملون صفات الزمان
حنونين، بينهم المتهاون
والجلف والمتطامن في ثقل الظل والظرفاء
وبينهم الأنبياء الذين يقولون ما يفعلون
يخافون حينا وحينا يخيفون
يبتدئون ولا ينتهون.
***
طفلة تتلعثم بين ضيوف المساء
حدثي يا (مها)
و(مها) لا تحدث حينا، وحينا تحدث،
ثم تمد أصابعها للضفيرة ، ساهمة
و(مها ) تغلق الدفتر المدرسي
تشد الغطاء وتطفئ مصباحها وتنام
وفي الصف ترهقها حصة الفيزياء
ولكنها في اندلاع الظهيرة
تمشي بطول مظاهرة
وتمد أصابعها للرصيف
وتعلن آراءها في الجنود
وتغدو (مها) ما لها غير لهجتها
ثم تغدو الفصاحة ذاك الحجر
***
ولد يقلق الوالدين
والد يكتم الاعتزاز
ووالدة لا تبوح بما يخلع القلب حين يغيب الولد
ولد وله وله بالكتب
ولد وله ولع باللعب
وحين تباغته نظرة الجد بالارتياب
يخادعه بالكذب
ناحل، أجعد الشعر، في خده شامة
وله شارب من زغب
ولد،
حين عادوا بجثته
كان في صدره مخزن من رصاص الجنود
وفي عينه نظرة من عتب.
قمر على القدس اشتهى
بنتا أطل على طفولتها بأزرقة المفضض
ثم ضاعت ..
هل مضت كي تطلب الدنيا – فتطلبها المباحث
تطلب التعليم – يطلبها العريس
وتطلب الأطفال – تطلبها القذيفة
أم أصابت حكمة القناص جبهتها
ويا قمرا على حيفا
إذا أبصرت عشبا أحمر الأوراق
فاعلم يا جميل الوجه أنك تلتقينا
***
قمر على عكا القديمة يشتهينا
من أي عام كان يعرفنا صغارا في الأزقة
لا نطيع الأهل ، يزجرنا كبار الحي
عن لعب (البنانير ) التي كانت لنا كنز الطفولة
بينما يتوجع القمر الذي ما كان يجهل من يبيع ويشترينا.
تركت لنا الدنيا منابذها الشحسحة
والسماء هي السماء وأنت أنت ولا سواك!
وتدور
لكنا نراك على المخافر – لست أنت
على المشانق – لست أنت
وقد نراك على المخافر – لست أنت
على المشانق – لست أنت
وقد نراك تدور في روما التي لم تلتفت لدموعنا
ومساء باريس المخضب أو أثينا
منذ كم عام ونحن ندور حولك
نشتهيك وتشتهينا
***
ذهبت الزمان بضوئك الرعوي
منسكبا على ولد وبنت
يركضان على السنابل حين يكتشفان
نغبشة المحبة في مسامها
وينتظران غلة موسم ،والخاتمين
ودبكة ترتد من أقدام صفي الرجال
إلى النجوم
***
يباغتني (البعيد)
وقد أخاف ، وقد أصارعه طويلا
ويظهر لي (القريب)
فاطمئن
يمد كفا للسلام علي
يتبعها عناقا
ثم يتركني قتيلا
***
طفلة نائمة
إنهم يكملون الخطاب ...
طفلة نائمة،
إنهم يكثرون مع الليل
أعينهم تتلصص من كل باب ...
طفلة نائمة،
بعد كم ساعة سوف تصحو؟
بعد كم ساعة يبدأون
علاقتها بارتياد المقابر كل خميس
بباقة زهر، وأسئلة
من سذاجتها قد يطل الجنون
مثل شيبخ تعود فقد البنين
ساهم وطني، موغل في السنين
كل زيتونة فيه تذكر زارعها
كل حنونة فيه تعرف قاطفها
والمحاريث تعرف أثلامها في الحقول.
منذ أن حسرت ماءها عن مداه البحار
وتجلت تضاريسه:
رشة العطر في زفة العرس
محرمة الراقصين
وجرن المضافة، نقش الحصيرة
والصخر والنهر، والتربة التبر
والموت والشعر، والند والوغد
والبد والحصد، والتين والزيت
والفتية النبل، والنسوة الفل
والبائع النذل، والسحب الهطل
والحبس والذل، والسهل والتل
يغزى ويحتل، لكنه واقف
وطني
مثل شيخ تعود في الحرب فقد البنين
قادر .. وحزين
***
أضع اليد اليمنى على الخد اليمين
وأود لو أني أرن الصوت في الساحات
لكني أعيد يدي إلى ورق القصيدة
صامتا
وكأنني الراعي وقد ضاقت عليه (الميجانا).