الثلاثاء  03 كانون الأول 2024

الأسرى يكتبون ويقدمون حلولا.. تفاصيل العدد الخاص الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية

2021-10-14 11:39:55 AM
الأسرى يكتبون ويقدمون حلولا.. تفاصيل العدد الخاص الصادر عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية
جانب من اللقاء

الحدث- سوار عبد ربه

"هذا العدد ليس عددا تكريميا للأسرى، فنحن لا نكرمهم بل نتكرم حين نستمع إليهم ونخاطبهم"، كلمات قالها رئيس تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية إلياس خوري خلال لقاء عقدته مؤسسة الدراسات الفلسطينية بالشراكة مع متحف جامعة بيرزيت أمس، بعنوان: "كلام الأسرى.. عيون الكلام"، بمناسبة صدور العدد 128 من مجلة الدراسات الفلسطينية.

وأصدرت "الدراسات الفلسطينية" عددا جديدا من مجلتها (خريف 2021)، كتب معظم نصوصه أسرى في سجون الاحتلال، وتم تهريبها إلى الخارج.

وحول العدد قال إلياس خوري: "لم نكن في صدد صوغ أرشيف عن الحركة الأسيرة، وتقديم شهادات عن المعاناة فقط، بل كان هدفنا هو الاستماع إليهم والتعلم منهم ومناقشتهم، فقد كتبوا وتكلموا بصفتهم مناضلات ومناضلين وقادة، وقدموا تحليلا ورؤية عن الواقع الفلسطيني".

وتضمن العدد 128 من "مجلة الدراسات الفلسطينية" ندوة وتقارير ومقالات عن يوميات الأسرى ومواجهتهم مرحلة التحقيق العصيبة والوحشية، ثم إجراءات السجن اليومية، ورؤاهم وأحلامهم.

واعتبر خوري أن هذا العدد كان بالنسبة له مدرسة أعاد من خلالها اكتشاف مناضلين مثقفين جعلوا من ممارساتهم الثقافية مدرسة كبرى نتعلم منها.

وبحسب رئيس تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية، اختتم العدد بملف صغير عن القمع الذي دار مؤخرا في رام الله، شاركت فيه الصحفية الفلسطينية نائلة خليل، وقدم فيه "مثقفون" شهادات عن القمع.

وأوضح الياس خوري أن هذا العدد هو دعوة إلى فتح باب النقاش، ومحاولة لسد ثغرة الغيبوبة الفكرية التي فرضها زمن أوسلو والانقسام، والانطلاق من هبة القدس، ومعركة سيفها، وصولا إلى نفق الحرية من أجل أن نستمع إلى لغة الأرض المجبولة باحتمالات الحرية.

أما عن تزامن صدور العدد مع حدث نفق الحرية، التي انتزع فيها 6 أسرى فدائيون حريتهم من سجن جلبوع شمال بيسان المحتلة، قال الكاتب إلياس خوري إن تزامن التوقيت جاء صدفة لأن فكرة هذا العدد والإعداد له بدءا قبل صدوره بستة أشهر، أي قبل أن يخطر في بال أحد في أن نفق الحرية آت بكل ما يحمله من معان، وفي ذات الوقت لم يكن صدفة لأن لحظة اللقاء جاءت تعبيرا عن عمل استغرق أشهر طويلة، معتبرا أن نفق الحرية لم يكن حدثا مفاجئا للذين قضوا الأيام والليالي وهم يحفرون بالملاعق، وعدد المجلة لم يكن مجرد طفرة، بل أتى تتويجا لعمل دؤوب كان يسعى إلى البحث عن لغة ثقافية وسياسية جديدة، وسط أصول اللغة السائدة.

وأشار خوري خلال اللقاء إلى فكرتين أساسيتين تتشكلان اليوم كسؤالين ثقافيين، الأولى هي كيف نتخلص من جثة اللغة السياسية الميتة، وكيف ننتج ثقافة جديدة تعيد المعنى إلى المعنى، لتجد كلمات الحرية والتحرر والديمقراطية والفدائي والمقاومة والصمود معانيها، منوها أنه لا يتكلم عن الإطار الفلسطيني فقط، بل عن لغة العرب وواقع المشرق العربي الذي يطحنه الاستبداد والاحتلال وتدمر فيه الحياة والقيم والمعاني.

أما الفكرة الثانية التي طرحها خوري، فهي من أين نبدأ عملية التحرر من جثة هذا الواقع بكل ما فيه من تعفن وخراب روحي ومادي، متسائلا هل نعود إلى الماضي ونرجع إلى زمن البدايات، أم أن هذه العودة ستكون استبدالا لليأس باليأس، فكان الاقتراح النظر إلى الأرض والبحث عما يوجد تحتها.

وخلال التحضير والكتابة للعدد، لاحظ رئيس تحرير تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية أن تحت فلسطين، هناك فلسطين أخرى بحسب تعبيريه، مطمورة ومهمشة، أو هناك جغرافيا سادسة، -كما عبر عنها د. عبد الرحيم الشيخ-، لا بد من اكتشافها.

وخلص خوري إلى أنه رغم البحث في هذا العدد عن فلسطين تحت فلسطين، إلا أنهم على اقتناع كامل أن تحت كل بلد عربي هناك دولة أخرى وهناك جغرافيات مجهولة ومطموسة علينا أن نعيد اكتشافها.

وقال خوري: "في العدد نظرنا إلى ما هو محجوب ومنسي فوجدناه، حفرنا قليلا في أرض اللغة، فاكتشفنا أنهم حولوا التراب إلى كلمات، وتوغلوا في العتمة كي يصلوا إلى شمس الحرية، الكلمات أرض وتراب، لأن الأرض والتراب يصنعون لغة ويصوغان الكلمات، كما حفروا في الأرض فإنهم يحفرون في اللغة، ففي الأرض وجدوا نورا وفي اللغة وجدوا روحا، انحنت الكلمات لهم وتركنا لهم كل الصفحات كي يكتبوها كما يشاؤون".

وأردف: "في ندوتهم ومقالاتهم وشهاداتهم تبين لنا أن اللغة لم تعد آلة قمع، كما هي على أيدي المتسلطين، بل صارت أداة حرية وتحرر، لم يكتبوا معاناتهم وآلامهم فقط بل كتبوا رؤية جديدة لفلسطين وأعادوا للكلمات إيقاعها ودلالاتها، منهم نتعلم وبهم تليق الأبجدية.

وشارك في الندوة قادة من الحركة الأسيرة: مروان البرغوثي، ثابت مرداوي، وجدي جودة، عبد الرازق فرّاج، باسم خندقجي، عبد الناصر عيسى، وليد دَقّة.

كما تضمن مقالات ودراسات وشهادات وتحقيقات، كتبها: زكريا الزبيدي، قسم الحاج، سعاد قطناني، تسنيم القاضي، حسام شاهين، أمير مخول، أماني سراحنة، طارق مطر، باسم خندقجي، ليان الكايد، ميس أبو غوش، إيلياء أبو حجلة، سماح جرادات، سائد سلامة، كميل أبو حنيش، ناصر حسن أبو سرور.

ووضع رئيس تحرير مجلة دراسات الفلسطينية مقترحا لاستنتاج خرجوا به كهئية تحرير وهو أنه علينا أن نحفر في اللغة والتاريخ وعلم الاجتماع والسياسة والأدب، وعلى الثقافة اليوم أن تحفر نفق حريتها، كي يحق لها أن تزامن نفق الحرية في جلبوع".

بدوره، أوضح رئيس التحرير الزائر، عبد الرحيم الشيخ وهو أحد المتحدثين في اللقاء، أن هذا العدد يعلمنا أن الأسرى الفلسطينيين يقترحون مقولة ثقافية ومقولة معرفية  وهي الكتابة عن إرادة الحرية لدى الأسرى الفلسطينيين بدل الكتابة عن إرادة القوة والمعرفة، فإرادة الحرية تشمل هاتين الإرادتين اللتين تقترحهما فلسطين.

كما أن هذا العدد هو احتفاء باللغة الحية التي حافظ عليها الأسرى الفلسطينيون، حينما هزمت اللغة الرسمية بفعل المؤسسة الرسمية، وفقا للشيخ الذي اعتبر أن اللغة الوطنية أصيبت بالعطب بعد العام 2004.

ونوه عبد الرحيم الشيخ أن قبالة هذا العجز اللغوي، في الرسمية الفلسطينية، كان هناك إعجاز ثقافي ولغوي لدى الأسرى الفلسطينيين في السجون، وقبالة العجز اللغوي في "فلسطين العليا"، التي وصفها مرة الياس خوري بأن جزءا منها تحول إلى مقبرة ثقافية، هناك إعجاز ثقافي ولغوي في الجغرافيا السادسة في السجون الصهيونية.

وضرب الشيخ مثالا توضيحيا على العجز اللغوي في الإعلام الرسمي، الذي تمثل في حيرة الإعلام في وصف التحرر الذاتي لستة أسرى أبطال من سجن جلبوع، موضحا أنه التعبير المستخدم كان جملة مركبة "الأسرى الذين انتزعوا حريتهم" ، واختصر الشيخ وصفهم بأنهم فدائيون، مشيرا إلى أن كلمة فدائي اختفت من القاموس الوطني.

وقال الشيخ إن الأسرى الفلسطينيين غيروا المعاني السلبية في لسان العرب، فمثلا كلمة النفق مرتبطة بالظلمة وبحفر الكائنات ما فوق وحيدة الخلية انفاقا لتختبئ فيها، كما أضافت الثقافة العربية الإسلامية تعبير المنافق، لتشبهه بالكائن الذي يدخل من جهة بصفة ويخرج بصفة أخرى، لكن الأسرى الأحرار حرروا مفهوم النفق، من هذه السمة، فهم حفروا النفق وهم أسرى وخرجوا منه أحرارا".

وحول الإعداد لمواد العدد قال الشيخ: "بدأنا الإعداد لها في أوج هبة القدس ومعركة سيف القدس، التي كان صوت الأسرى مغيبا عنها، كما تم تغييبه قبلها، أي في أواخر نيسان، وشارك فيها 7 من قادة الحركة الوطنية الأسيرة ومن أبناء الحركة الوطنية في كل مكنوناتها الفلسطينية من فصائل منظمة التحرير لفصائل المقاومة الإسلامية والعمل السياسي في فلسطين المحتلة عام 1948، بدافع توثيق أصوات الأسرى التي تم تغييبها.

وأكد الشيخ أن هؤلاء القادة ال 7هم يحتلون مناصب قيادية في أحزابهم السياسية ولكن أصواتهم كانت غائبة في موقع القرار وعن سماع رأيها في الأحداث الكبرى التي حدثت ومنها الإضراب الكبير الذي شمل كافة جغرافيا فلسطين التاريخية وتعطيل الحياة السياسية في فلسطين في الانتخابات التشريعية، ومغيبين أيضا عن قول رأيهم في أعقاب تغييب الشهيد نزار بنات، فجاء هذا العدد لأبراز أصوات الحركة الفلسطينية الأسيرة، بهذه الشؤون الطارئة وبالشأن الأكبر الفلسطيني "ما هي نهاية القضية الفلسطينية، وكيف يمكننا أن نقترب خطوة إضافية من التحرير".

أما عن مجموعة الاستنتاجات والرسائل السياسية التي خرجوا بها من استطلاع آراء القادة السبعة، فتمثلت في: "أن هناك أزمة قيادية، على مستوى قيادة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وقيادات الحركة الوطنية خارج منظمة التحرير، وفلسطين المحتلة عام 1948 ما يقتضي الانتباه إلى الأصوات المغيبة في صنع القرار".

كما شمل استطلاع الرأي للقادة السبعة، رأيهم في مبادرات الحلول السياسية، إذ كان هناك سؤال واضح بخصوص مبادرة الأسرى عام 2006 التي بنيت عبر تصالح سياسي عبر ما يعرف بحل الدولتين، وكل قيادات الحركة الفلسطينية الأسيرة الذين شاركوا في هذه الندوة، أجمعوا على أن تلك المبادرة لم تعد صالحة، ليس لأن حل الدولتين انتهى وإنما لأن حلا لا يتضمن إنهاء العنصرية بين البحر والنهر أي إنهاء دولة إسرائيل كدولة تمييز عنصري لن يكتب له النجاح، وفقا لعبد الرحيم الشيخ.

وعند سؤالهم عن مجموعة من المبادرات أهمها مبادرة البديل الثوري، المستندة إلى الميثاق في عام 1968 والثورة الشاملة التي تجسدت في هبة القدس وسيفها، كان ما يشبه الإجماع على أن هذين المسارين هما المساران اللذان يمكن أن يوصلا القضية الفلسطينية إلى نقطة التحرير.

أما عن أولويات العمل الوطني لدى الأسرى بحسب الاستطلاع فتمثلت في: "إنهاء الانقسام وإعادة الاعتبار لمفهوم الفلسطنة كما تم تدشينه في الميثاق الوطني الفلسطينية، ومحاربة التطبيع، ودعم حركة المقاطعة في العالم".

وختم الشيخ حديثه بإدلاء رأيه الشخصي في قراءته للعدد الذي اعتبره مقولة ضد نغمة أنسنة الأسرى، فهو محاولة لتوثيق الأسطرة، الأسرى الفلسطينيون يصنعون الأسطورة ونحن نحاول توثيقها.

وأثار رأي الشيخ جدلا وتساؤلات حول مفهوم الأنسنة والأسطرة للأسرى الفلسطينيين، وعلى أثره طرح بعض الحضور أسئلتهم، ما فتح باب النقاش حول هذين المفهومين.

وقال الأسير المحرر بلال عودة الذي حضر اللقاء، إن ما أثاره هو تساؤل حول من الذي يحتاج الأسطرة، الأسرى أم واقعنا الفلسطيني المثقل بالهزائم، كونه أصبحت لدينا تخمة من الهزائم كقضية وكعالم عربي.

وأكد الأسير المحرر والذي قضى 18 عاما في سجون الاحتلال أن الانتصارات بحاجة إلى أسطورة وأيقونات، واليوم في زمننا الذي قلت فيه هذه الأمور، أصبح أمامنا الشيء الأكثر بروزا والذي يحقق أسطورة، هي قضية الأسرى بأرقامها وأسمائها، وتفاصيلها، معتقدا أن المليون أسير الذين اعتقلوا على مدار سنوات الاحتلال أبعد موضوع بالنسبة لهم هو موضوع الأسطورة، وما يهمهم هو أنسنتهم كإنسان، لأن الهدف الذي يناضل لأجله الأسير هو أن يكون إنسانا.

في سياق متصل، تحدثت في اللقاء الأسيرة المحررة والطالبة في جامعة بيرزيت ليان كايد، وهي إحدى المساهمات في العدد "كلام الأسرى، عيون الكلام" في نص بعنوان: "السجن كنص".

وقالت الكايد حول نصها: "في السجن نفكر في النص وفي فعل الكتابة، كفعل إرادة، يتجاوز السجن كمبنى، وكيف أن عالم النص بكل رمزياته يتجاوز السجن من خلال تفكيكه ونقاشه وتحديه.

وأوضحت الأسيرة المحررة أن الأسرى والأسيرات في السجن بحاجة إلى مسافة للتفكير كل يوم أن السجن ليس فقط ما يخلقه السجان لهم/ن، بل هو عبارة عن تفاصيل صغيرة وتحديات يومية صغيرة، كما أنه ليس فقط معاناة ولا بطولة بل هو التوليفة التي يستطيع أن يفعلها الأسير نفسه من الحياة اليومية، التي تجعله لا يشعر نفسه بأنه بطل أو ضحية، وإذا خلق الأسير هذه المسافة، واستطاع أن يتعايش مع يومياته يتمكن من التفكير بالسجن كنص.

وأقيم اللقاء في المتحف الفلسطيني في جامعة بيرزيت، وبإدارة مديرة المتحف د. رنا بركات، التي قالت في افتتاحيته إن الهدف من المتحف بدأ في وقت مبكر، وهو جعل هذا الحيز، حيزا لإنتاج ثقافة تحررية.

وأضافت بركات: "الدراسات الفلسطينية ليس مجرد اسم لمؤسسة، بل نحن الدراسات الفلسطينية لأننا ننتج أكاديميا وفكريا وسياسيا بالفكر التحرري، ليس فقط لفلسطين بل للعالم أجمع، والدراسات الفلسطينية هي الثقافة والحياة، كما أنها ليست تلخيصا على الصراع لأن الصراع ليس لغتنا، بل هي قضية".