يبدو أن وراء الأكمة ما وراءها، وهناك أهداف خبيثة يسعى المستوطنون في الحي وبلدية الاحتلال والمستويان السياسي والأمني الإسرائيلي لتحقيقها من خلال عملية الطعن المزعومة التي يدعون بأن الطفلة نفوز جاد عارف حماد، والمهدد بيتهم بالإخلاء لصالح المستوطنين، والتي جرى اعتقالها هي وشقيقتها ومديرة مدرسة الروضة الحديثة والمرشدة الاجتماعية، بحجة تنفيذ عملية الطعن بحق مستوطنة في الـ 30 من عمرها، بعد اقتحام المدرسة بطريقة وحشية أثارت الهلع والخوف بين صفوف الطالبات القاصرات.
ونحن تعودنا على الاحتلال، لكي يثبت صدق روايته يقوم بنشر أشرطة فيديو توثق العمليات التي تحدث، وإن كنا نشكك في صدقية الكثير منها، منطقة الشيخ جراح والمنطقة التي حصلت فيها عملية الطعن المزعومة مراقبة على مدار الساعة بعشرات إن لم يكن مئات الكاميرات، عدا قوات الشرطة والجيش والمستعربين، الذين لا يغادرون المنطقة، وبالتالي من خلال الصور التي نشرت لعملية اعتقال الفتاة منفذة عملية الطعن المزعومة، لم نشاهد أي عملية طعن، بل طالبة يجري اعتقالها ونقلها بسيارة شرطة إسرائيلية، والحديث في البداية عن عملية طعن وإصابة المستوطنة المطعونة بجروح بين متوسطة إلى خطيرة، ومن ثم التراجع عن الرواية بأن إصابتها طفيفة.
نحن ندرك تماماً بأن قضية الشيخ جراح، مصدر قلق دائم للاحتلال، فالقضية أخذت بعدا عالمياً وسياسياً على المستوى الدولي، والبعد الشعبي لعب الدور البارز في هذه القضية، وكذلك صمود وثبات أهالي حي الشيخ جراح، صّعب من عملية إخلائهم، وخاصة أن مقترح التسوية الذي اقترحته محكمة "العدل" العليا الإسرائيلية رفضه المستوطنون، وأصروا على أنهم أصحاب الأرض، وسكانها الفلسطينيين هم مستأجرون محميون، ولكن ليس لفترة 15 عاماً حسب الاقتراح، وعليهم دفع الأجرة للمستوطنين، وبأنه بالإمكان إخلائهم دون تعويض حال الشروع في إقامة البناء الاستيطاني في الحي، وبالطبع سكان حي الشيخ جراح رفضوا مقترح التسوية لأنه يجردهم من ملكيتهم لأرضهم، ويجعلهم مستأجرين لأرضهم وبيوتهم تحت رحمة المستوطنين، وأصروا على أنهم المالكون لأرضهم.
قضاة المحكمة العليا الإسرائيلية أمام خيارات صعبة، فالقضية ليست قانونية، وهم يعرفون ذلك، بل قضية سياسية، ويدركون بأن الحكومة التي يترأسها بينت القادم من جبهة الاستيطان، باعتباره الرئيس السابق للمجلس الإقليمي الاستيطاني، وكذلك المستوطنين، يريدون تنفيذ مشروعهم ومخططهم الاستيطاني في المنطقة، بما يعزل قرى وبلدات شمال القدس، الشيخ جراح وادي الجوز، شعفاط وعناتا عن قلب مدينة القدس، ويريدون خلق تواصل بين البؤر الاستيطانية في تلك المنطقة. ولذلك واحدة من أهداف عملية الطعن المزعومة الضغط على قضاة المحكمة الإسرائيلية من أجل إصدار قرار يتفق ورؤية المستوطنين وأهدافهم ومصالحهم، وكذلك تبرير أي عملية سيطرة على المنازل في تلك المنطقة بذريعة تنفيذ عملية الطعن، والعمل على تفكيك الموقف الجمعي لسكان حي الشيخ جراح برفض مقترح التسوية المقدم من محكمة "العدل" العليا، وخداع وتضليل الرأي العام العالمي، بالقول إن حي الشيخ جراح، هو بؤرة "إرهابية"، وطردهم وترحيلهم، نتاج هذه العملية وعمليات التحريض المستمرة ضد المستوطنين ودولة الاحتلال.
وهذا يأتي من أجل تخفيف حدة الإدانات والشجب والإستنكارات الدولية عند تنفيذ عملية الطرد والتهجير القسري بحق سكان حي الشيخ جراح، فقضية الشيخ جراح مرتبطة بعمليات طرد وتهجير قسري لمجموعة أحياء مقدسية، "جورة النقاع" كبانية أم هارون في القسم الغربي من حي الشيخ جراح وستة أحياء في بلدة سلوان، بطن الهوى، البستان، وادي حلوة، وادي ياصول، عين اللوزة ووادي الربابة، وحي الأشقرية في بيت حنينا. ولذلك عبر هذا السيناريو الذي جرى حبكه وإخراجه سيدفعون بسكان الشيخ جراح إلى مواجهة خيارات صعبة، ويصبح رفضهم لمقترح التسوية المقدم من قبل محكمة "العدل" العليا الإسرائيلية، وعملية الطعن المزعومة مبرراً وذريعة لطردهم وتهجيرهم بالقوة.
المعركة على حي الشيخ جراح ستبقى مستمرة ومتواصلة، ولن يهدأ بال للمستوطنين قبل أن يخلوا هذا الحي من سكانه، فهو يقع في خاصرة وقلب مشاريعهم التهويدية للمنطقة، والفكر الصهيوني قائم على الإقصاء وعدم الاعتراف بالآخر، ولذلك سيخترعون كل الحجج والذرائع من أجل الاستيلاء على منازل المقدسيين في حي الشيخ جراح، فهذا الحي يربط كرم الجاعوني مع كرم المفتي الذي جرى هدم بيته فيه وأقيم على أنقاضه 28 وحدة استيطانية، يعملون على زيادتها إلى 56 وحدة استيطانية، أما قصر المفتي في مس وإذلال لقامتنا الوطنية والدينية سيحولونه إلى كنيس يهودي، ومن كرم المفتي سيتجه المخطط الاستيطاني نحو مبنى وزارة داخلية الاحتلال، وليلتقي المخطط والمشروع مع مخطط وادي السيلكون الذي يستهدف ازالة وتدمير أكثر من 200 ورشة تجارية وورش لتصليح السيارات، وقامة فنادق ومصانع "هايتك" بدلا منها. فنادق تنافس الفنادق العربية في القسم الشرقي من المدينة على السياح، وتستقطب أيد عاملة عربية رخيصة لصناعاتهم، والهدف تفريغ البلدة القديمة من سكانها وشل الحركة التجارية والاقتصادية والسياحية فيها.
أما من الجهة الغربية، فمن بعد مصادرة قطعة الأرض التي تخص كمال عبيدات وسالم منصور وعائلة عوده والبالغة مساحتها 4700 متراً مربعاً، لصالح الجمعيات الاستيطانية، ومن ثم الاستيلاء على حي "جورة النقاع" كبانية أم هارون، والذي تحيط به مؤسسات إسرائيلية، ما يعرف بالتأمين الوطني، ومجموعة فنادق إسرائيلية، وكذلك إلى الشمال الغربي منها، مقر لشرطة حرس الحدود الإسرائيلية، فالبتواصل الجغرافي بين كل هذه البؤر، سيتم ربطها بشارع رقم واحد ومستوطنات غرب المدينة.
هي معركة على الأرض والهوية والمكان والرواية والتاريخ، ستبقى مستمرة ومتواصلة لتغيير الواقعين الجغرافي والديمغرافي في المدينة لصالح المستوطنين، وتغيير المشهد الكلي من مشهد عربي- إسلامي- مسيحي إلى مشهد إسرائيلي تلمودي توراتي مصطنع.