فلسطين في عين الحدث
بعد احتلالها لفلسطين العام 1917، أوقفت بريطانيا التداول بالنقد العثماني الورقي والذهبي الذي كان متداولًا في فلسطين، في حين سمحت رسميًا بتداول العملتين المصرية والإنجليزية حتى شباط 1918. ومن ثم، أصدر المندوب السامي البريطاني في 21 شباط 1927 مرسوم النقد الفلسطيني الذي استبدل الجنيه المصري بالفلسطيني.
إذ أصبح الجنيه الفلسطيني بذلك العملة الرسمية في فلسطين التاريخية وإمارة شرق الأردن ما بين الأعوام 1927–1948.
حملت القطعات النقدية والأوراق المالية كتابات بثلاث اللغات الرسمية للانتداب وهي العربية الإنكليزية والعبرية، أما في كل من هذه اللغات فكان اسم العملة مختلفا حيث تمت طباعة "جنيه فلسطيني" بالعربية "Palestine pound" ("پالستاين پاوند") بالإنكليزية و"פונט פלשתינאי (א"י)" ("فونت پالستيناي (ا.ي.)") بالعبرية. رغم ما كان مطبوعا بالعربية والعبرية على الأوراق المالية، كان الاسم الشائع للعملة لدى العرب واليهود "ليرة". كذلك شاع تقسيم العملة بشكل غير رسمي إلى 100 قرش (أو "چرش").
كان الجنيه الفلسطيني يساوي الجنيه الإسترليني البريطاني بالضبط، وحتى أطلق بعض الناس اسم "شيلينغ" على القطعة النقدية بقيمة 50 مليم إذ ساوت قيمته قيمة الشيلينغ البريطاني (أُلغي تقسيم الجنيه الإسترليني إلى 20 شيلينغا في 1971).
بقي الجنيه الفلسطيني متداولًا منذ بدء مجلس النقد الفلسطيني بسك النقود الجديدة أواخر العام 1927 وحتى قيام ادولة الاحتلال الإسرائيلي، غير أن بريطانيا قررت في 22 شباط 1948 خروج فلسطين من منطقة الإسترليني، وفرضت تجميدًا كاملًا على الأموال الفلسطينية الموجودة في بريطانيا، وحظرت خروجها منها، بموجب قيود قانون "الدفاع المالي الإنجليزي". وبلغت قيمة الأموال المجمدة (130) مليون جنيه إسترليني، منها نحو (76) مليونًا كأرصدة بنكية، و(54) مليونًا على صورة سندات لتغطية النقد. كما استولت بريطانيا على مزيد من النقود المودعة في البنوك لدى انسحابها، في حين استولت الدولة العبرية على الباقي.
بعد نكبة 1948، قامت إسرائيل باستبدال ما لديها من جنيه فلسطيني بالليرة الإسرائيلية واستبدلته من بريطانيا بالذهب، وكذلك عملت الأردن على استبدال الجنيه الفلسطيني بالدينار الأردني، واستبدلت النقد الفلسطيني من بريطانيا بالذهب. كما استُبدل النقد الفلسطيني بالنقد المصري في قطاع غزة في العام 1951.
اليوم هناك ثلاث عملات في فلسطين
في عهد السلطة الفلسطينية يجري تداول لثلاث عملات أجنبية مختلفة: الدولار، والدينار، والشيقل. ويتم تداولها على الصعيد المصرفي والرسمي والشعبي، وهو الأمر الذي يضع تساؤلات كبيرة أمام الاقتصاد الفلسطيني والتحديات التي يمر بها.
وتحدث المحلل الاقتصادي الدكتور معين رجب عن تاريخ استخدام العملات الثلاث الذي يعود في أصله إلى برتوكول باريس الاقتصادي الموقع عام 1994 بين منظمة التحرير الفلسطينية والجانب الإسرائيلي، الذي عالج ضمن فقراته المسائل النقدية المتعلقة في تنظيم النشاط النقدي والمصرفي وبموجبه التزمت السلطة الوطنية الفلسطينية بقبول الشيكل الإسرائيلي في التعامل على المستويات الرسمية وغير الرسمية.
وأضاف: «يأتي استخدام الدولار الأمريكي باعتبار أن الفلسطينيين يعتمدون على الدول المانحة في المقام الأول إلى جانب تعاملهم مع المؤسسات المالية والنقدية الدولية، كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي، لاعتبار الدولار الأمريكي أهم عملة دولية منذ الحرب العالمية الثانية لغاية الوقت الحالي، مؤكداً أن التعامل بالدينار الأردني جاء لأن الضفة الغربية كانت جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، ومن ثم فإن الدينار كان العملة المستخدمة حتى الآن.
ولفت رجب إلى أنه في ظل غياب عملة وطنية واستخدام عدة عملات بديلة فإن السلطة الفلسطينية ممثلة بسلطة النقد تصبح عاجزة عن التأثير في العملات الأخرى غير الوطنية، فهي لا تملك أية مقومات للتأثير على الشيكل الإسرائيلي باعتبار أن إسرائيل هي المنوط بوضع السياسة النقدية، ومن ثم تحديد أسعار صرف العملات مقابل العملات الأخرى، مشيراً إلى أن كل ما يطرأ من تقلبات في أسعار صرف هذه العملات وفي تحديد الكميات المعروضة منها في السوق الفلسطيني، يبقي خارج إرادة سلطة النقد الفلسطينية، الأمر الذى نعيشه بشكل جلي.