الأحد  22 كانون الأول 2024

رحلتي بين القلم والميكروفون والكاميرا (الحلقة الثانية)| بقلم نبيل عمرو

في الطريق إلى الاحتراف

2022-04-24 10:59:24 AM
رحلتي بين القلم والميكروفون والكاميرا (الحلقة الثانية)| بقلم نبيل عمرو
نبيل عمرو

رحلتي مع القلم، بدأت منذ تعلمت كسائر الأطفال القراءة والكتابة، ولا أدرى هل كان لنصيحة أستاذي التي التزم بها والدي دوراً في ترشيد لغتي فيما بعد.

شكا أستاذي من كثرة أخطائي فيما أكتب، وكذلك من سوء خطي، وقلة انتظامه فوق السطور. واقترح على والدي، أن يفرض عليّ حصة تدريب منزلي، كأن يطلب مني نسخ عدة أسطر من أي كتاب، وأن أعيد كل كلمة أخطئ في كتابتها عشر مرات. لم أعتبر التزام والدي بنصيحة الأستاذ عملاً تعليمياً، بل عقوبة يزداد كرهي لها، كلما كنت أسمع أصوات أترابي وهم يلعبون ويلهون، بينما أنا عاشق اللعب ولو على حساب الدراسة – أعيد كتابة كلمة واحدة عشر مرات.

في الصف الرابع الابتدائي – تحسنت كتابتي وقـلت أخطائي، حتى أنني دخلت في مباريات (جودة الخط) التي كنا نقيمها على هامش الحصص المقررة وحيث كنت أخال نفسي "خطاطاً" لم أفز ولو لمرة واحدة.

المرحلة الابتدائية والثانوية وحتى الجامعية، لم أستخدم فيها القلم إلا في نطاق المقرر الدراسي، إذاً ومن سن السادسة وعلى مدى عقد ونصف من عمري لا يوجد ما يستحق الذكر في مجال الكتابة.

لفترة طويلة لم أهجر القراءة والكتابة، إلا أن أقداري قادتني إلى الاحتراف، ومن هنا تبدأ الحكاية.

  • ما هذا، كنت أظن أن لغتك أفضل بكثير، على الأقل قريبة من لغتك في الحديث. ولا أصدق أن نصف الصفحة التي كتبتها، فيها من الأخطاء والركاكة أكثر بكثير مما يستحق القراءة.

لم يكتف الأستاذ فؤاد بهذه الكلمات التي اعتبرتها أقسى ما سمعت طيلة حياتي، بل شرع في تمزيق الورقة ثم ألقى بها في سلة المهملات. لاحظ استيائي مما اعتبرته إهانة من مدير الإذاعة كمتدرب حديث العهد في منبر إعلامي، كان في حينه الأكثر انتشاراً وتأثيراً في الملايين هو صوت العاصفة.

وكمن يواصل اعتصار الجرح دون الاكتراث بألم الجريح قال: سأواصل التمزيق حتى ترغمني أنت على التوقف.

  •  وكيف أرغمك وأنت المعلم والحكم وصاحب القرار؟

  •  قال جملة من كلمتين: "أُكتب صح"، وأردف خذ هذه الفكرة، "أكتبها وارجع إلي بعد ساعة".

كان المعلقون في إذاعة صوت العاصفة يكتبون المادة الإذاعية على ظهر ورق استخدم من قبل، وذلك من قبيل الاقتصاد في الإنفاق، كانت تصلنا كل يوم مئات الصفحات المطبوعة على وجه واحد، أهمها تقارير الرصد الإذاعي، التي كانت تنتجها هيئة الاستعلامات المصرية وتوزعها على نطاق واسع، كي تكون مرجعية موثقة لما يقوله العالم عبر إذاعاته، كنا نقرأ التقارير مولين اهتماماً خاصاً بأقوال الإذاعة الخصم "الإسرائيلية"، وبعد القراءة نقلب الورقة ونكتب على ظهرها.

كتبت نصف ورقة اعتبرتها مقدمة للنص الذي طُلب مني كتابته، قرأه بصوت مرتفع تشوبه سخرية من الأخطاء التي لا يقع فيها إلا من لا صلة لهم باللغة وقواعدها، لم يمزق الورقة إكراماً للصح القليل فيها، إلا أنه قلبها وشرع في تقديم الدرس الأول. أقترح هنا أن أسميه بديهيات كتابة النص الإذاعي.

قال: حين مزقت النص الأول وألقيت به في سلة المهملات، لم أقل لك ما هي الأخطاء الكثيرة والفادحة التي ارتكبتها، فكثير من الأخطاء تترك لمرتكبها كي يكتشفها بنفسه فيما بعد، ويجتهد في تصحيحها، وها أنت تظهر تحسناً طفيفاً في النص الثاني. وأضاف: بحكم خبرتي في النصوص التي يكتبها مبتدئون مثلك أو محترفون، فهناك صلة بين الكتابة وقيادة السيارة، في الكتابة تنتج السرعة والاستعجال أخطاء كثيرة، وفي القيادة تنتج حوادث.

قلت في سرّي ما هذا التشبيه الذي جعلني أشعر بأنني لست مجرد مبتدئ في الكتابة بل في الحياة.

واستطرد: النص الأول كتبته بتسرع، والنص الثاني بقدر من التأني، إذاً فكر كثيرا فيما ستكتب قبل أن تمسك بالقلم.

 وأضاف: ثم ماذا تعني بأن ما قدمته لي هو مجرد استهلال للنص، إذا كان الاستهلال أخذ منك نصف صفحة، إذاً أتوقع أن تحتاج إلى عشر صفحات لتكمل النص، ولفت نظري إلى أن إذاعتنا تبث ساعتين في اليوم، ونصك المطول قد يأتي على الفترة بأكملها دون أن يتبقى وقت للأخبار والأناشيد والمعالجات الأخرى.

أخذت ورقتي وقمت أنا بتمزيقها هذه المرة. لم أحاول الكتابة في ذلك اليوم وبدل الذهاب إلى الركن الذي كان زملائي من المحترفين يكتبون المواد الإذاعية المطلوبة منهم فيه، غادرت الإذاعة عاقداً العزم على عدم العودة ثانية، فما لي وأنا ابن الأربعة وعشرين سنة والعودة إلى الصف الأول الابتدائي في مجال الكتابة!.