الحدث- سوار عبد ربه
يواصل الأسير وليد دقة، الذي يقضي عامه السابع والثلاثين في سجون الاحتلال، في كتابه "سر السيف" سرد حكاية ملاحقة أطفال فلسطينيين لاجئين لحلم العودة، وحصولهم على كواشين أرض آبائهم وأجدادهم، ورغبتهم في نشرها ليظهروا للعالم حقيقة مأساتهم، وليؤكدوا على حقهم في العودة.
وأطلق الكتاب يوم السبت 1 أكتوبر الجاري في حفل شاركت فيه زوجته سناء سلامة وابنته ميلاد، وكان للمناضل اللبناني إلياس خوري وللأكاديمي الفلسطيني عبد الرحيم الشيخ مداخلات خلاله.
وسر السيف هي الجزء الثاني من ثلاثية وليد دقة بعد حكاية سر الزيت، ويتبعهما حكاية سر الطيف.
ومع بداية حفل توقيع الكتاب ألقى دقة كلمة مسجلة قال فيها "في السجن لا نكتب نصوصا إنما نعيشها، في السجن أنت الناص والنص والمنصوص، في السجن بصرك حرارة تسحبك من قلبك، وسمعك سياط يجلد عقلك وحواسك من مجمل أدوات تعذيب حتى حين تريد أن تحيي فيك حسك الجماهيري لتكتب أو ربما تؤكد لنفسك أنك على قيد الحياة".
بدورها، قالت زوجة الأسير وليد دقة سناء سلامة إن وليد دقة يمتلك مهارة حفظ الأماكن والأحداث، وهذا ما جسده في روايته التي روى فيها تفاصيل تحوي شخصيات ومناطق جرت قبل أربعين عاما.
وأضافت أن رواية "سر السيف" حملت رسالة فحواها أن الفلسطيني هو الكوشان ونسل الذاكرة، مؤكدة أن الجزء الثاني من الرواية مرتبط بجزئها الأول الذي قال فيه إن الزيت ليس لتزييت النصل إنما لتزييت الذاكرة، وحمايتها من الصدأ والتلف.
من جانبه، بدأ المناضل اللبناني الياس خوري مداخلته بالقول: "في سنتي 2008 و2011 رفضت محكمة الناصرة طلبا للأسير وليد دقة للقاء زوجته سناء سلامة الذي تزوجها بالسجن وكان الأسير يطلب حقه في الحياة والحب، عللت المحكمة الإسرائيلية رفضها لطلبه بأن هذا اللقاء يشكل خطرا على الأمن الإسرائيلي، لكن ميلاد طفلتهما استطاعت التسلسل من خلف قضبان السجن نطفة استولدت منها حياة لها".
وأردف: "ربما احتفظ وليد وسناء بسر النطفة لفترة ما، لكنهما لم يستطيعا الاحتفاظ بسر الحمل طويلا أما الولادة فلم تكن سرا، وهذا لا يعود فقط إلى الاستحالة المادية ولا إلى قرار الزوجين في إعلانه كموقف، بل أيضا إلى دلالات كلمة سر نفسها فالسر في علم البديع من الأضداد والأضداد كناية عن مشترك لفظي يتجلى في احتواء كلمة واحدة على معنيين مشتركين في الوصف متضادين في المعنى".
وتابع: "كلمة سر تعني المخفي والمعلن وعلينا استكشاف أحد هذين المعنيين من السياق، الأضداد تشبه الطباق لكنها ليست طباقا فالطباق واضح في إشارته إلى التضاد أما الأضداد فتختزل في داخلها المعاني المتناقضة، هكذا قرأت كتابي وليد دقة سر الزيت وسر السيف، فالبنية اللفظية في كلمة سر ليست استبدالية ذلك لأن الإخفاء يتدرج من أجل الوصول إلى الإظهار، كأن الضدين ينصهران معا من أجل اقتناء مسارات الحكايات ومعانيها".
وعرج خوري على ثلاثة أسئلة استوقفته في هذين الكتابين، فكان الأول عن النوع، هل هي قصص أم حكايات؟ مقترحا أن يتم استخدام لفظ خراريف وخرافية، لعمق هذا التعريف الذي يجسد نوعا خاصا من القصص، ويمزج الخيال بالحقيقة ويستنبط الخرافة والأسطورة.
أما السؤال الثاني لخوري فكان في الكلمة التعريفية التي وضعها منظمو هذا اللقاء لتحديد المتلقي، فقد وصف نص سر السيف بأنه حكاية للفتيان، إلا أنه قال في مداخلته إن هذا الكتاب سحره جعله مصدقا لكل كلمة فيه، فقصد هذين الكتابين هو التوجه إلى الفتيان لكن الأدب له ما له، إنه أدب شعبي ورفيع في الآن نفسه، ولذلك فإنه يخاطب الأعمار كافة.
وثالثا، توجه الروائي إلياس خوري بملاحظة تتخذ شكل السؤال فكانت الملاحظة أن الإنسان الفرد أسير الزمن يكبر ويموت، أما زمن الأدب فمختلف فالأدب يزداد شبابا مع الزمن بل أجرؤ على القول إنه يختزل في داخله الأعمار كلها من الكهولة إلى الطفولة.
وعن سر وليد دقة قال خوري: "في سري الزيت والسيف نعثر على سر كاتب هذين النصين فهو كاتب يصنع من الخرافية تورية لأيامه وأحلامه وليد دقة تحرر من السجن منذ زمن وربما هو بيننا الآن لكنه مختف خلف الزيت السري الذي سال من كلماته وينتظر اللحظة المناسبة كي ينتقل من الإخفاء إلى الإظهار وهذا الانتقال ليس لحظة فردية بل هو الحق وقد تحول حقيقة".
ويرى الروائي أن لعبة وليد دقة في الكتابين واضحة المعاني وهي تتشكل في ثلاثة مستويات الأول هو العلاقة بين الظاهر والباطن انطلاقا من لعبة الأضداد في كلمة سر، وهذا ما أعلنته الزيتونة المعمرة "ام رومي" حين قالت ظاهر السر إخفاء وباطنه إظهار، هذه العلاقة تختزل سحر الحكاية أو الخرافية وقدرتها على التوغل في المعاناة الإنسانية انطلاقا من الحاضر الفلسطيني.
أما المستوى الثاني هو إدخال الحيوانات الأليفة كلاعب أساسي، قط يتكلم وحمار يعبر وكلب يقاوم وعصفور يستطلع، أصدقاء جود (بطل الحكاية) هؤلاء هم المتخيل وقد صار حقيقة، وتصل الحكاية إلى ذروتها من الزيتونة أم رومي التي خبأت زيتها كي يكون مدخلا إلى المعرفة والحرية وبابا إلى حكايات الأسرى، ومع السيف وقد تحول إلى مفتاح لذاكرة النكبة واللجوء وسيف لحق العودة الذي لا يموت.
وكان المستوى الثالث وفقا لخوري هو الغرابة والعجائبية اللتان تشكلان متن السرد، حيث قال: "العجيب والغريب يحرران النص من اللحظة السياسية المباشرة، ويدخلان في العلاقة الغامضة بين الوعي واللاوعي التي تشكل جوهر لعبة الحكاية الخرافية، نحن في فلسطين في القرية والسجن نلتقي بالأسرى ونستمع إلى حكايات جدتي فريدة لكننا نجول مع السرد العجائبي في عوالم غريبة تسحرنا وتجعل من فلسطين حكاية كونية فينقلنا المجاز إلى آفاق إنسانية تتخطى المكان والزمان".
بدوره اعتبر الأكاديمي عبد الرحيم الشيخ أن الأسطورة في حكاية سر السيف، تكاد تكون مكتملة الأركان، فالمؤلف حي، والأبطال يعيشون بين الناس، وجزء منهم غادر المسرح منذ أكثر من 73 عاما، وبالتالي فإن هذه الأسطورة مليئة بالشخصيات البطولية.
وعن رحلة كتابة "سر السيف" التي أنجزت عام 2018 بسجن جلبوع في بيسان المحتلة، أوضح الشيخ أنها دخلت أطوارا من الكتابة والانتقال إلى سجون أخرى لتصوير بعضها، وضياع الصورة، وتحرير جزء من النصوص أي إخراجها من السجن، وبعض التسجيلات الصوتية إلى أن جمعت وأرسلت ثانية إلى الأسير وليد دقة ليعيد النظر فيها ومن ثم بدأ النص طريقه.
وعن ثلاثية وليد دقة قال الشيخ إن الأسير كتب الحكايات الثلاث في سجن جلبوع، وتناول حكاية الفتى جود، البطل المستمر في العودة المستمرة، الذي تمكن من استخدام الزيت الذي حصل عليه والوصول إلى والده في السجن لأنه ممنوع من السجن لأنه يشكل خطرا أمنيا، وهو طفل ناتج عن نطفة محررة.
وفي الحكاية الثاني يستكمل دقة هذه الحكاية ويتمكن جود من الحصول على كواشين وحجج الأرض، من بلد أهله الأصلية المطهرة عرقيا، وهذا يتحدث بشكل أساسي عن تحقيق العودة وليس فقط حق العودة.
والجزء الثالث الذي بدأ الأسير بإنتاجه والعمل عليه، سيتناول الشهداء، ويحمل عنوانا أوليا "الشهداء يعودون إلى رام الله"، ليس كل الشهداء، بل شهداء الثلاجات والأسرى، الذين سيعودون لتصفية الحساب مع من ليسوا شهداء، وفقا للشيخ.