السبت  09 تشرين الثاني 2024

"التائهون" عرض راقص يثير أسئلةً شاقة في مسرح المونو في لبنان

2023-01-17 10:23:57 AM
الملصق الإعلاني لعرض "تائهون"

خاص الحدث الثقافي

اختتم مسرح المونو في العاصمة اللبنانية بيروت مساء الأحد العرض الأدائي الراقص "التائهون" بتصفيق حار من الجمهور الذي انبهر بالآداء والموسيقى كما التناغم الجسدي ما بين الراقصين: ماريا زغيب، ودانيال موسى. تصميم العرض كان للكوريغراف المبدعة ندى كنعو، التي تمكنت من خلق علاقة ما بين الجمهور وما بين الراقصين من خلال إصرارها على شد انتباه الحضور لحركة الجسد التي تعبر عن حالة القلق والخوف والنزاع وحالة الديستوبيا التي يعيشها لبنان كما العالم العربي.

مسرح المونو

تكمن لحظة الابداع في العرض بأنه يمكن قراءته لبنانيا وعربياً، ومن أكثر من منظور، لعل أهمها تلك العلاقة المشبوهة مع الكرسي الذي ظل يسيطرُ على الأجواء النفسية للحضور كما على ركح المسرح وإن كان في زاويته، طارحاً سؤالاً مهماً: متى يتخلص السياسي من قلق الكرسي فنتخلصُ من مشكلة أساسية في عالمنا: سوء أحوالنا.

تعكسُ الموسيقى التي ألفها شريف صحناوي، وفادي طبال، وعزفاها مع باسكال سمردجيان، تلك الإشكاليات وتُضيفُ لها إشكاليات أخرى، يُعبر عنها إبداع ماريا ودانيال. فكان دانيال يحاول أن يحلق في السماء، بينما كانت ماريا تتلوى على الأرض، وكانا يلتقيان في فضاء الجسد، يتصارعان لحظة ويلتحمان لحظةً أخرى. لكن كيف يمكن قراءة الجسد القلق الذي لا يستقر؟ أو لا يمكنُه أن يستقر؟ أليس سؤال الجسد هو سؤال الموت في عالمنا العربي الذي يخيم على أبنائه ويدفعهم ليتساءلوا أحياناً عن إمكانية الخروج من الجسد، والدخول في جسدٍ آخر، في محاولة لرأب الصدع ما بين الواقع والمأمول. أليس سؤال الهجرة وترك الأوطان والرحلة في قوارب الموت سؤالاً حول محاولة الخروج من الجسد، الذي قد يكونُ في هذه الحالة وطناً؟ أليس الموت في الحروب الأهلية والطائفية سؤالاً عن فقدان الجسد الذي هو هنا حالةٌ من الكرامة والإنسانية؟

ماريا زغيب، ودانيال موسى خلال عرض

لا تتوقف الأسئلة خلال العرض عن القفز أمام الجمهور، خاصة في تلك اللحظات التي تتوقف فيها الموسيقى وتستمر حركة الجسد في حالةٍ من الصمت الذي يحبسُ النفس، فيُصبح استنشاقُ الهواء أمراً شاقاً في ظل تأزم الصمت وتصاعد حدة حركة الجسد. الصمت هو أمرٌ آخر يُثيرهُ العرض؛ الصمت المفروض قسراً سالباً الحق في التعبير، أو ذلك الصمت الذي يُصبحُ نوعاً من اللامبالةِ إذا أردنا التغيير، أو الصمت الذي يُشبه الموت حين نفقد القدرة على التغيير.

لعل الحالة الثقافية في عالمنا العربي تحاول أن تلحق من جديد بواقعنا بعد أن ظلت لفترات حالة استهلاكية وتجارية تفترضُ أن ذائقة الجمهور صدئة أو أنها فقدت المقدرة على تقييم الفن والأعمال الإبداعية، ليعاود سؤال العلاقة ما بين الفن والتلقي سؤالاً ملحاً في عالمنا العربي، لربما قد نصلُ يوماً إلى إجابة عليه.