الخميس  21 تشرين الثاني 2024

"أنا من هنا" إصدار جديد لأمل مرقس يؤكد على الوجود الإنساني والفلسطيني

2023-01-31 09:42:15 AM
"أنا من هنا" جديد أمل مرقس

الحدث- سوار عبد ربه

على مدار نحو 7 دقائق تأخذنا الفنانة الفلسطينية أمل مرقس في جولة  تتحد فيها الكلمة مع الصوت واللحن، تنقلنا بين مقامات موسيقية عدة، في جديدها الذي أصدر في التاسع والعشرين من كانون الثاني الجاري، بعنوان "أنا من هنا"، وهي قصيدة معاصرة مأخوذة من قصيدة "رب الأيائل يا أبي"، للراحل محمود درويش تمزج بين الزخم المقامي، والتوزيع المعاصر.

وفي الوقت الذي يتعرض فيه الوجود الإنساني للتهديد حول العالم، بفعل الحروب والأمراض والمآسي التي تثقل كاهله وتهدد وجوده، تأتي "أنا من هنا" للإضاءة على كل ما سبق، بالإضافة للتأكيد على الوجود الفلسطيني، ووجود المرأة التي تخوض هي الأخرى معارك وقمع وتهميش حول العالم، "ذلك من خلال إحياء معاني قصيدة درويش المكتوبة بتفعيلة إيقاعية فيها فضاء وسرداب، وفقا للفنانة مرقس.

وفي لقاء خاص مع "صحيفة الحدث" قالت مرقس إن الأغنية تحمل عنوان "أنا من هنا" وهي مأخوذة من قصيدة رب الأيائل يا أبي لمحمود درويش، لحنها، ووزعها، وأنتجها الفنان فراس ازريق.

وكانت الفنانة قد أطلقتها ضمن جولة عروض نفذتها بعد انتهاء وباء كورونا، في مدن فلسطينية مختلفة تحت عنوان "عنا أمل"، انطلاقا من فكرة التفاؤل ورفع المعنويات.

واشتملت الجولة على 10 عروض توزعت في اللد، يافا، أم الفحم، الناصرة، حيفا، وعكا، قدمت خلالها الفنانة مختلف أغنياتها من كافة ألبوماتها، بالإضافة إلى عملين جديدين، وهما "أنا من هنا" في بث حي للجمهور، وأغنية "ناس".

ومؤخرا، قامت مرقس بتسجيل الأغنية داخل استوديو، حيث أعد قسم منها في الجليل، والقسم الآخر المعني بالوتريات أعد في لبنان بقيادة إيهاب جمال.

وبحسب الفنانة الفلسطينية فإن الأغنية تتجلى فيها التأثيرات الصوتية التي اعتمدها درويش بأناقة لصياغة صوت "الصدى"، وهو الثيمة المركزية في القصيدة وقد استساغ درويش ذلك من خلال تكرار المفردات وتغيير ترتيبها ببلاغة عالية.

وتنتقل مرقس في الأغنية بين مقامات موسيقية عدة، أبرزها مقام النوا أثر، النهاوند، البيات، الراست والعجم. وتتكون الأغنية من ثلاثة مقاطع أساسية بالإضافة إلى المقدمة الموسيقية والمقاطع الآلية بين الأبيات.

وتحتوي الأغنية على آلات موسيقية عديدة غربية وشرقية، منها الناي، القانون، العود، الوتريات (كمان، فيولا، تشيللو) والباس والبيانو والدرامز والرّق والطبلة، بالإضافة إلى جوقة نسائية (كورال). وتتوسط صوت أمل مرقس كل تلك الأصوات لتنتج عملا زخما من الناحية الموسيقية واللغوية.

وحول ردود الفعل، قالت مرقس إن ردود الفعل التي رصدتها حتى الآن من كل دول العالم سواء الفلسطينيين المقيمين في الشتات أو فلسطينيي الداخل، بالإضافة إلى أصدقاء أجانب موسيقيين، وجميعهم تعامل مع الأغنية بشكل احترافي، وتحدثوا عن المقامات والإيقاع، وذلك جعلها سعيدة، طامحة لانتشار أوسع للأغنية.

وتطرقت مرقس إلى ما أسمته التهميش الإعلامي حيث قالت "أتمنى أن تبث الأغنية في الإعلام بشكل أوسع، لأننا لسنا مسموعين بشكل كبير في الإعلام العربي ولا الغربي، فنحن شعب يعتبر مهمشا نوعا ما، خاصة إذا كانت الأغنية ليست على نمط "البوب الشهير" أي الأغنية التجارية، لكن "أنا من هنا" أغنية بالإمكان أن تنجح تجاريا لأنها معمولة بتقنيات وجودة موسيقية عالية، احترمنا فيها موروثنا الموسيقي العربي، وتوزعت الموسيقى بشكل حديث مع آلات وترية كثيرة، وفيها نقلات مقامية كبيرة، وبعض التطريب.

ومن ردود الفعل التي تلقتها مرقس حول الأغنية أن صوتها فيه لون جيد وتوجه جيد، ونضوج مغاير، بالإضافة إلى من أبدى اعتزازه في الكلام، وموعد إصدار الأغنية تحديدا مع ارتقاء الشهداء الـ 9 في جنين، ومع كل مقاومة شعبنا في الفترة الأخيرة وكل الاعتداءات في القرن الأخير، لتأت هذه الأغنية بإصرار كبير لتقول "أنا من هنا" ونحن باقون هنا.

15 عشر مرة

"أنا من هنا ومن هنا أنا" تتكرر في الأغنية 15 مرة، الأمر الذي وصفته مرقس بصعب التلحين، إلا أن الملحن فراس زريق، حافظ على التفعيلة ووزن الكلام بشكل جميل.

أمل ودرويش

ليست هذه القصيدة الأولى التي تغنيها أمل مرقس من قصائد محمود درويش، حيث غنت "يوميات جرح فلسطيني"، "غريب في مدينة بعيدة"، "انتظرها " "كم البعيدُ بعيد"، "على هذه الأرض"، "مساءٌ صغير" والعديد غيرها.

وحول هذا أوضحت مرقس لصحيفة الحدث أن ذلك يرجع لجملة من الأسباب أبرزها أن كلمات محمود درويش فيها موسيقى حاضرة، والمفردات التي يستخدمها شاعرية ومعبرة جدا عن إحساسها، وفيها جماليات وذكاء في طريقة الكتابة، مضيفة أن محمود درويش كان تلميذا لوالدها الراحل نمر مرقس في دير الأسد، كما أنه عاش في قريتهم كفر ياسيف الأمر الذي بقي راسخا في ذهنها وقلبها رغم صغر سنها آنذاك.

وأشارت مرقس إلى أن درويش كان محبا للموسيقى ويستمع لها بكثرة حيث كان محبا لعبد الحليم حافظ، وفيروز، بالإضافة إلى الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا.

ونوهت الفنانة في حديثها إلى أنها غنت للعديد من الشعراء الفلسطينيين الذين كتبوا مشاعرنا، ودور المغني وطاقم العمل هو ترجمة ما كتبوه للحن وأغنية تتردد على لسان الناس.

بين العامية والفصحى

في هذا الجانب قالت مرقس إنها تحب كلتا الحالتين للغناء، لكن ما يميز اللغة الفصحى أن اللحن إذا كان أخا للكلمة ومشابها لها، تدخل لقلوب الناس بسرعة، ولا يستصعبون اللغة، مشيرة إلى قصائد كاظم الساهر المغناة في لحن مناسب للكلمة، فيه إيقاعات ورومانسية، وقصائد السيدة فيروز الملحنة.

وبحسب الفنانة التي تمتلك في ألبوماتها الرصيد الأكبر من الأغاني العامية: "لا شك أن الأغنية العامية هي أكثر رواجا، وتحاكي الناس أكثر، وذلك يعود لشعبيتها وقربها للقلب، ورغم هذا لا يوجد ما يمنع من ترويج الأغنية الفصحى ونجاحها".

30 سنة في إثراء الأغنية الفلسطينية

"في فلسطين يوجد العديد من الفنانين الذين يعملون بجهد، وتوجد الكثير من النجاحات التي يمكن الإشارة لها بالبنان"

إلى جانب مشروعها في إحياء التراث، تعمل مرقس منذ نحو 30 عاما على مشروع إثراء الأغنية الفلسطينية وتقول: "بدأت مشروعي منذ حوالي 30 سنة، وهو قائم على إثراء الأغنية الفلسطينية الجديدة، ذلك من خلال إنتاج أغنيات فلسطينية تحترم الموسيقى وتشتغل بمفهوم موسيقي جيد، ليس فقط شعارات وكلام يغذي الغريزة الوطنية، إنما العمل على إنتاج مشهد موسيقي نفتخر فيه، ويكون مواز لما يحدث في العالم العربي وكل العالم".

وأضافت: "في فلسطين يوجد العديد من الفنانين الذين يعملون بجهد، وتوجد الكثير من النجاحات التي يمكن الإشارة لها بالبنان، لكن في المقابل توجد كثافة إنتاجات عالمية، وأنا كفنانة مقيمة في الجليل من الصعب أن أتبارى مع شركات إنتاج خليجية تروج مغنيات من العالم العربي بأموال طائلة، وطاقم كبير، مقابل أننا في فلسطين نعمل كمغنين، منتجين، مسوقين، علاقات عامة في آن واحد.

وتطرقت مرقس إلى التغيير الذي طرأ على المشهد الموسيقي، معتبرة أنه خدم المشاهير كثيرا، وأساء للفنانين المغمورين بسبب انتمائهم لشعب مثل شعبنا الفلسطيني الذي لا يمتلك دولة ولا أدوات ولا وسائل تدعم الفن.

"عتب" على الانصياع لتيار الضجيج

 ترى الفنانة أمل مرقس أن التوجه العام منصاع إلى تيار الأغنية السريعة وذات طابع الضجيج، حتى لو كانت الأغنية تعيسة وعنيفة بالمضمون وقد لا تتجاوز الدقيقة، وتكون خالية من المعاني والأداء الأمر الذي يزعجها، لأن الفن هو مرآة للشعب، لافتة دإلى أن الأغنية الفلسطينية هي منتوج وطني يجب دعمه، وهذا يأتي من جهد وطاقات واستثمار مالي.

وأردفت: من ناحية يمكن أن نرصد حالة سلبية في المشهد الفني والتوجه العام، ومن ناحية أخرى توجد عودة كبيرة للاستماع إلى الموسيقى، واهتمام فئة الشباب بتعلم الموسيقى، مشيرة إلى أن الغالبية العظمى من فرقتها الموسيقية مؤلفة من هذه الفئة (21-26)، الذين يعزفون مختلف الآلات الموسيقية، ما يعني أن الأمل بوجود ذائقة عند الجيل الصغير.

وخلصت الفنانة إلى أن في العالم تيارين، الأول ينصاع إلى الموسيقى السريعة، التي قامت بغنائها هي أيضا، والثاني أكثر فنية، يدوم لوقت طويل، وهذا ما يقيمه الجمهور بعد سنوات طويلة، مشيرة إلى أغنياتها التي يطلبها منها الجمهور في حفلاتها مثل "ستي يا صدر البيت"، "ثوروا كتشي جيفارا"، "انتظرها"، و"كبر القلب" وغيرها.

وأكدت الفنانة في لقائها مع صحيفة الحدث أنها ستمضي في طريقها رفقة الملحن والفرقة، بما يعكس شعورهم وتفكيرهم ورؤيتهم، آخذين بعين الاعتبار قوانين السوق وأدوات الترويج الحديثة، للاستفادة منها قدر المستطاع.

"البقاء لمن يتأقلم"

وفي ختام حديثها وصفت مرقس نفسها أنها فنانة تتأقلم مع التغيرات، مع محافظتها على الاحترام للموسيقى وللمستعمين، حيث أن الأغنية من شأنها أن ترفع معنويات الناس، تطربهم، وتسعدهم، ترسم بسمة، وتحرك دمعة.