الثلاثاء  03 كانون الأول 2024

أرشيفنا | كيف تفقر الأمم.. ضربة الجمرك القاتلة... رفت الموظفين ثالث الأثافي

2023-02-16 11:14:58 AM
أرشيفنا | كيف تفقر الأمم.. ضربة الجمرك القاتلة... رفت الموظفين ثالث الأثافي
جزء من غلاف مجلة "الزهرة"

الحدث الثقافي- أرشيفنا

نشر في مجلة "الزهرة" لصحابها جميل البحيري، في العدد 4، بتاريخ 1 آب 1924، مقالة تنتقد إجراءات الحكومة العثمانية بفرض الضرائب الجمركية وطرد "رفت" عدد من الموظفين من وظائفهم.

وفيما يلي نص المقالة

لا نعد الضربات السياسية الكثيرة التي نزلت على فلسطين فأرهقت من أهليها العواتق، فالسياسة نتركها لأربابها ولصحفها. ولا نذكر شيئا عن الموظفين الذين رفتوا من دوائر السكة الحديدية والبريد والبرق والحاكي، والذين لا يزال أكثرهم يجرون ذيول المسكنة من جراء هذا الرفت إذ لا عمل تلتهي به الشبيبة سوى التردد على المقاهي، ولا شغل يكسب أرباب الأسر قوت أولادهم اليومي، فقد مضى على رفتهم مدة ونسي أمرهم.

إنما كلامنا اليوم نحصره في الضربات المتتابعة التي نزلت أخيرا على الرؤوس فصعقتها، وعلى الفقراء فأخرجت من صدورهم أنه حزن وأسى، بل أنة خوف من مستقبل مظلم أمامهم.

 

ابتدأ الجمرك في السنة الماضية بزيادة على الرسوم الجمركية فسكتنا وقلنا هي ضرائب على البلاد، لم تجد الحكومة ولية الأمر فيها واسطة سهلة أمينة نظير الجمرك ففعلت فعلتها، فضلاً عن أن هذا العمل لم يؤثر كثيراً على الجيوب خصوصاً والحالة كانت بعد على شيء من اليسر. ثم جاءتنا في الشهر الماضي برسومات جديدة ضجت له الأهلون وأي ضجيج، وما هي إلا ليلة وضحاها حتى رأينا الصعود عظيماً في أسعار كثير من الحاجيات ومن بعض أصناف المواد الغذائية والمشروبات وغير ذلك، والسبب كل السبب في ذلك الجمرك.

والذي حار العقول أخيراً وجاء ضغثاً على إبالة، أمر رفت عدد من موظفي جمارك فلسطين، تقطع بسب رفتهم لقمة المعيشة على عدد كبير الأهلين، لا لجريمة سابقة أو جريرة إلا كما يقول كتاب المدير العام المرسل إلى كل موظف مرفوت والواصل إليه صباح هذا اليوم (29 آل) لتنظيم جديد يريد إحداثه في دوائر الجمارك.

57 موظفاً رفتوا أو بالحري 57 أسرة جني عليها وحرمت قوتها بسبب هذا التنظيم (الجديد) وقد لحق حيفا 8 ويافا 23.

وما هو هذا التنظيم الذي يخول حق مثل هذا العمل من غير سابق إنذار أو إخطار أو من غير ما مهلة تعطى للمرفوتين يقومون خلالها بتدبير شؤونهم.

وهل يعقل مثل هذا التنظيم في وقت عصيب مثل وقتنا اشتدت فيه الأزمة اشتداداً لم يسبق أن شعر بمثلها حتى- نقول ولا حرج- ولا في أيام الحرب الضروس التي مرت علينا.

بل وما هوالتنظيم الذي يقوم به الأب والأم على ظهر أولادهما فيقتلونهم شر قتلة لينظما بيتهما؟..

جميل البحيري- صاحب مجلة الزهرة

مثل الحكومة مع الأهالي مثل الأم مع بنيها فكما أن هذه تفيدي بروحها ومالها وراحتها في سبيل حياة ولدها، كذلك يجب على الحكومة أن تفدي بكل ما لديها لراحة الشعب الذي وكل أمر حراسته إليها..يجب أن تمهد له طرق حياة هنيئة، يجب أن تسهل له أسباب الراحة في حياته سواء أكانت سياسية، أم اجتماعة، أم اقتصادية، أم حصية، يجب أن تكون له الحارس الأمين تدرأ عنه -ليس فقط أخطار الأعداء الخارجين- بل كل ما من شأنه إضعاف حالته الداخلية، يجب أن تمد إليه أكبر يد تنشله من كل ضيقة تلحق به، أو كل مصيبة تنزل عليه او كل رزئ يضعف منه القوى والمعويات، يجب أن تعود على أن يكون كبير النفس شهماً، ولكي يكون كذلك يجي أن تسهل له العمل الشريف، تساعد على تمضية هذه الحياة براحة وهناء.

وفيما نظن فيها هذا الظن، وهو ما يجب أن يظنه في كل حكومة كل إنسان، نراها تقتل الأهلين بإرهاقهم بالضرائب الشديدة، نراها تشد الخناق على الفلاح والتاجر، بتشديد أمر الأعشار على الأول وزيادة الرسوم على الثاني، نواها تميت عائلات وعائلات أفظع ميتة برفت أربابها من وظائفهم في وقت حرج لا يمكن فيه للإنسان أن يجد ملجأ يكسبه قوته اليومي، والذي يزيد في دهشتنا أن الرفت وقع بغتة وعلى غير انتظار ولا تعويض تقدمه للمرفوت أسوة بغيرها من الدوائر الرسمية.

فيا أيتها الحكومة الحاكمة!.. سكان فلسطين عامة، كبيرهم وصغيرهم، تاجرهم وعاملهم، غنيهم وفقيرهم، موظفهم وأولاده وامرأته يصرخون اليوم بأعلى ما عندهم من صراخ الاحتجاج الممزوج بالاستنجاد، يصرخون إليك محتجينن على هذه المعاملة ويستنجدون بك منك، ويطلبون رحمة بحق المظلومين فكوني عادلة ورؤوفة ولا تتركي مجالاً لقول القائلين "إنك راغبة في إفقار فلسطين لغاية في نفس يعقوب". وأملنا أن لا تلبثين أن تعيدي نظرك بما تم وتصلحيه فتكسبين أكبر أجر مع أجر الأدعية الصادرة من قلوب البائسين.

وقد ترامى إلينا بعد كتابة هذه الأسطر أن في النية انقاص 30 و 50 بالمئة من رواتب الموظفين الباقين وكذلك أن مثل هذا الرفت حث في غير دوائر الجمرك ولنا كلمة بهذا الشأن نعود إليها متى ثبت إلينا ذلك في 29 آب 1924.