الأحد  22 كانون الأول 2024

ظهور مخطوطات للروائي الفرنسي سيلين بعد 77 عاماً على اختفائها

2023-02-18 09:08:25 AM
ظهور مخطوطات للروائي الفرنسي سيلين بعد 77 عاماً على اختفائها
سيلين

الحدث الثقافي- ثقافات

تم العثور حديثاً على مخطوطات لروايات للأديب والروائي الفرنسي لويس فرديناد سيلين غير منشورة، كانت قد اختفت سنة 1944 في ظروف غامضة وسط الإرباكات التي رافقت نهاية الحرب الثانية، واستعجال الكاتب في إخلاء شقته في شارع جيراردون الباريسي هرباً من ملاحقة المتعاونين مع النازية، بعد نجاح الحلفاء في تحرير باريس. وقد عادت للظهور بأعجوبة بعد 77 عاماً من اختفائها. وأمكن التعرف عليها من مشابك الغسيل التي كان سيلين يجفف بواسطتها أوراقه عبر تعليقها على حبل غسيل.

يعتبر سلين من أشهر وأكثر كتاب فرنسا ترجمتاً في القرن العشرين. فكره العدمي يتميز بنبرنة من السخرية وأخرى من الملحمية في آن واحد.

مخطوطات الكاتب سيلين التي وجدت أخيراً

تعكس روايات سيلين نظرة متشائمة للحالة الإنسانية، عندما تكون المعاناة الإنسانية حتمية، والموت قطعي، وآمال التقدم البشري والسعادة وهمية. إنه يصور عالمًا لا يوجد فيه نظام أخلاقي، حيث يضطهد الأغنياء والأقوياء الفقراء والضعفاء دائمًا. وفقًا لكاتب سيرة سيلين باتريك مكارثي، يعاني الرجل السيليني من خطيئة الكراهية الخبيثة المتأصلة فيه، دون وجود إله يخلصه. 

المخطوطات

تتألف هذه المخطوطات من ستة آلاف ورقة، يعد اكتشافها حدثاً لا مثيل له في التاريخ الأدبي. أولها رواية من 600 صفحة بعنوان "حرب" تحدثت عن أهوال الحرب العالمية الأولى، مكملة الثلاثية المؤلفة من "رحلة إلى أعماق الليل" و"الموت بالتقسيط"، أشهر روايات الطبيب الذي دخل عالم الأدب متأخراً. وثانيها رواية غير منشورة، تتناول إقامة سيلين في لندن عام 1915، فضلاً عن المخطوطة الكاملة لرواية "الموت بالتقسيط"، ورسائل تبادلها الأديب مع عديد من معاصريه، وغيرها من النصوص.

أعلن عن اكتشاف هذه المخطوطات في أغسطس (آب) عام 2021. ومنذ هذا التاريخ وعالم النشر الفرنسي والمتخصصون بأدب سيلين في حال من الاضطراب. وبغض النظر عن مضمون هذه الأوراق، فإن مسار هذه المسألة جدير بأن يروى، فقد كشف الصحافي والناقد السابق في صحيفة "ليبراسيون" جان-بيار تيبودا، وهو ليس من المهتمين بأدب سيلين، أنه حافظ على هذه المخطوطات، منذ أن عهدت إليه قبل 15 عاماً من أشخاص تربطهم بالذين سرقوا هذه الثروة الأدبية سنة 1944، صلة قربى. أثار هذا الإعلان غضب ورثة سيلين الشرعيين، وفتحت معركة قانونية حول هذه الأوراق التي تقدر قيمتها بملايين اليوروهات. وقد أعلن تيبودا أنه اعتنى بنسخ هذا الإرث الأدبي وفرزه وحفظه باهتمام كبير.

"حرب" السيرة الذاتية

صدرت رواية "حرب" التي كتبها سيلين سنة 1934 أي بعد عامين من نشر سيلين "رحلة إلى أعماق الليل"، لدى دار غاليمار في الخامس من مايو (أيار) سنة 2022 تحت إشراف باسكال فوشيه، الذي بذل جهداً كبيراً لإخراجها والتدقيق بمفرداتها، بخاصة أن سيلين كان يكثر من تشطيباته وإضافاته، ويعمد إلى اختصار كلماته المتأرجحة بين الفصحى والعامية على طريقة كتابة الوصفات الطبية. طبع من الرواية المؤلفة من 192 صفحة 80 ألف نسخة، وهي تعبر في مضمونها عن آثار الحرب المدمرة على الإنسان، نفسياً وجسدياً، وعكست نظرة الراوي المتشائمة للحياة. قدم لها المحامي المقرب من أرملة سيلين فرانسوا جيبو، وقد سعى في نصه إلى تبرئة المؤلف من تهمة معاداة السامية.

تتأرجح هذه الرواية غير المكتملة بين السيرة الذاتية والخيال. فيها يكتب سيلين قصة نقاهة العميد فرديناند باردامو، الذي أصيب بجروح خطرة على جبهة الفلاندر في خضم الحرب العظمى بعد أن استعاد وعيه، كاشفاً عن اختبار أساسي في حياته، تناول آثار الحرب البشعة على جسد الإنسان ونفسيته، ثم نشرت الدار العريقة عينها في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2022 الرواية الثانية غير المنشورة "لندن" التي تشكل تتمة الرواية الأولى.

أعادت الأحداث التي رافقت اكتشاف هاتين الروايتين وغيرهما من مؤلفات سيلين، التي تشبه الأفلام البوليسية، الاهتمام بسيرة هذا الطبيب الروائي وأدبه. فمن سيلين المعروف بمعاداته السامية ودعمه ألمانيا النازية وتردده على قادة حكومة فيشي أثناء الحرب العالمية الثانية؟

تغطية إعلامية وجدل

 رافق صدور هاتين الروايتين تغطية إعلامية كبرى وتناولت عديد من المقالات التي نشرت في الصحافة الأدبية الفرنسية والعالمية، هذين الإصدارين بكثير من المديح والثناء، وصل إلى حد اعتبارهما تحفة أدبية. غير أن مقالة أنطوان بيرو المنشورة على منصة "ميديابارت" كانت أكثر انتقاداً، إذ نظرت إلى رواية "حرب" بوصفها مسودة غير مكتملة، وتحدثت عن ضعف مقدمة فرنسوا جيبو وخيبة أمل الصحافي من دار النشر التي استعجلت في إصدار المسودتين.

 ولا تزال هذه القضية الشغل الشاغل للمهتمين بأدب لويس-فرديناند سيلين، الذي احتل مكانة فريدة في الكتابة الأدبية الفرنسية الحديثة، رغم آرائه ومواقفه السياسية ورؤيته المتشائمة للحياة الإنسانية.

بورتريه لسيلين