الحدث الثقافي- سوار عبد ربه
اتخذ الفنانون التشكليون الفلسطينون، منذ نشأة الحركة التشكيلة الفلسطينية، المرأة كمصدر إلهام، سواء من خلال رسمها بالزي الفلسطيني، أو وهي تمارس الأعمال الريفية، أو وهي متجذرة بالأرض كشجر الزيتون، أو وهي تقدم فلذات أكبادها قرابين للوطن، وغيرها من الصور الأخرى، أصبحت المرأة رمزا للهوية الفلسطينية وممثلة للعلاقة بالأرض والوطن، ذلك من خلال الإطار العام الذي استخدمت فيه صورة المرأة في الأعمال الفنية الفلسطينية، الأمر الذي تجلى بوضوح أكبر في فترة ما بعد النكبة، فما إن انخرط الفن التشكيلي في مسيرة النضال حتى أصبح الهم الوطني الموضوع الذي يحظى بالاهتمام الأكبر من التشكيليين، وكذلك الأدباء وغيرهم ممن امتلكوا منابر ومساحات حرة لتوثيق ومتابعة مراحل النضال.
وفي مقالات نقدية عديدة حول حضور المرأة في الفن التشكيلي الفلسطيني، كان النقد الأبرز أن الفنانين لم يقتربوا من عالم المرأة الداخلي، ولا همومها الاجتماعية والنفسية، في بيئة تعج بمسببات هذه الهموم، التي أثقلت كاهل المرأة على مدار عقود من الزمن، ورغم إقدام بعض الفنانين التشكيليين على تناول هذه الموضوعات ومن بينهم إسماعيل شموط، الذي يعتبر رائد الفن التشكيلي الفلسطيني، ونبيل عناني، وسليمان منصور، وآخرين كثر، إلا أن الإطار العام الذي حضرت فيه المرأة فنيا، ظل مقتصرا على كونها ضحية للاحتلال فقط، بمعزل عن الهموم الاجتماعية الأخرى.
حول هذا، التقت صحيفة الحدث، الفنان التشكيلي بشار الحروب وأجرت معه الحوار التالي:
الحدث: طرأ على المواضيع التي تناولها الفن التشكيلي الفلسطيني تغيرات عديدة، وهناك إجماع على أن الموضوع الوطني خاصة بعد النكبة كان محور الأعمال الفنية، كيف انعكس هذا على صورة المرأة في الفن الفلسطيني؟
الحروب: تاريخيا، حضرت المرأة الفلسطينية منذ البدايات في الفن الفلسطيني شأنها شأن الرجل، سواء كموضوع أو كفنانات ممارسات للفن، حتى ما قبل النكبة كان هناك فنانات فلسطينيات درسوا في أكاديميات في أوروبا وأنتجوا فنا متميزاً، ولهن حضور ودور هام جدا بالفن، ليس فقط على المستوى الفلسطيني والعربي، بل على المستوى الدولي.
لكن ما بعد النكبة القضية الوطنية أصبحت هي الأساسية والتي تطرح بشكل عام، ومع هذا هناك الكثير من الفنانين الذين تناولوا موضوع المرأة في أعمالهم الفنية. وفي تجربة إسماعيل شموط كانت المرأة حاضرة بجانب الرجل، في أعماله التي تعبر عن الشتات واللجوء والمقاومة، وفي قليل من لوحاته كان الحضور للرجل فقط، وهناك لوحات حضرت المرأة فيها لوحدها، فرمزيتها وربط المرأة بالوطن لطالما كانت مسألة مهمة.
حتى ما قبل النكبة كان هناك فنانات فلسطينيات درسوا في أكاديميات في أوروبا وأنتجوا فنا متميزاً
المرأة كانت رمزا للوطن في الأعمال الفنية للفنانين الفلسطينيين، ومعظم الفنانين تناولوها بشكل كبير، ولا زال حضورها كموضوع وكقضية وكرمز قائما.
التقسيمات الاستعمارية للبلاد أفرزت بيئات مختلفة في الجغرافيات الفلسطينية المختلفة (الداخل المحتل، القدس، الضفة الغربية، قطاع غزة، والشتات) كيف أثر هذا في مواضيع الفن وفي صورة المرأة بالتحديد؟
في القضايا الثقافية لم يستطع الاحتلال ولا الاستعمار ولا بأي شكل أن يعمل على هذا الفصل في قضايانا وموضوعاتنا، فكان الهم مشتركا للفنان بغض النظر عن مكان إقامته، وهذه الحدود السياسية التي وضعها الاحتلال أو أي سلطة كانت لم تؤثر على بيئة المثقفين. بالتأكيد البيئات التي نعيش فيها تركت أثرا على الشكل الذي نتطرق فيه لقضايانا، لكن لا أعتقد أنها موجودة في داخلنا، وبالفن الذي ننتجه.
الحدث: يلاحظ أن معظم الفنانين/ات التشكيليين/ات حصروا المرأة الفلسطينية في الأعمال الفنية بالهم الوطني، أين الهموم الاجتماعية التي تثقل المرأة الفلسطينية من هذه الأعمال؟ بمعنى أن الإطار العام لصورة المرأة أنها ضحية للاحتلال فقط، تناولوه بمعزل عن وضعها الاجتماعي والنفسي.
الحروب: الهموم والقضايا اليومية سواء للرجل أو المرأة لم تكن هي الموضوع الرئيسي، ذلك بسبب وجود قضية عامة وهم عام، وهو الاحتلال والوضع السياسي، وهذا لا يعني أن المرأة مهمشة بل هي حاضرة في الأعمال الفنية، فكل الفنانين تناولوا المرأة في أعمالهم، لكن الجمهور لا يعرف هذه الأعمال لأنها لم تحتوي موضوعات وطنية.
وفكرة التصنيفات أرى فيها تقليل من شأن المرأة، لأن المرأة هي مكون أساسي كانت موجودة دائما مثل الرجل بالأعمال الفنية أو القضايا الأخرى.
الحدث: انطلاقا من هذا، هل الفن يخضع للظروف السياسية المحيطة في البيئة التي ينتج فيها ما جعل الموضوع الأساس للأعمال الفنية هو الاحتلال وانعكاساته التي بالضرورة كانت المرأة جزءا منه، أم أن الفن أسهم في تعزيز صورة نمطية للمرأة ضمن إطار محدد؟
الحروب: الفنان هو ابن البيئة، والقضايا التي يواجهها مجتمعه دائما ما تكون حاضرة بفنه، وأنا من أكثر الفنانين الذين لا توجد عندهم هذه المباشرة في العلاقة مع فلسطين والقضايا السياسية، لكنها موجودة في أعمالي ولست منعزلا عنها، لأن هذه البيئة التي أعيشها، نعم، يوجد تنميط وإعادة إنتاج لأفكار ثابتة وقديمة، لكن بالمقابل هناك فنانين يناقشون قضايا المرأة والرجل والجنسانية وغيرها.
في القضايا الثقافية لم يستطع الاحتلال ولا الاستعمار ولا بأي شكل أن يعمل على هذا الفصل في قضايانا وموضوعاتنا
وأضف إلى هذا، هناك صورة عامة أكثر، فكوننا فلسطينيون متوقع منا دائما أن ننتج أعمالا سياسية، ومع هذا ناقش الفنانون الفلسطينيون قضية الهوية، الهوية الذاتية والجمعية، والكثير من الموضوعات، لكن الجمهور العام ثقافته مستمدة من مواقع التواصل الاجتماعي يتداول صور معينة، لكن إذا تبحرنا في إنتاجات الفنانين التي تعرض، نجد فيها الكثير من القضايا التي يعالجونها من ضمنها قضية المرأة، البيئة، المناخ، وغيرها.
الحدث: باعتقادك هل يمارس الفنانون والفنانات في هذا السياق رقابة ذاتية على أعمالهم نتيجة للبيئة التي يتواجدون فيها، أي أنهم يجدون صعوبة في خلق مساحة حرة للتعبير عن القضايا المجتمعية المتعلقة في المرأة وجسدها في أعمالهم الفنية؟
الحروب: إذا مارس الفنان رقابة ذاتية على نفسه فهذا شأنه، لكن بالعموم فإن الفنانين خارج هذا النطاق، وضد الرقابة بكافة أشكالها، بالتأكيد يوجد من يحاول أن يبقي نفسه في منطقة الأمان، ولا يملك الجرأة الكافية للتطرق إلى بعض المواضيع، لكن فلسطينيا يوجد فنانين/ات تطرقوا بجرأة لقضايا جريئة بأعمالهم الفنية، والفن عموما هو أكثر المجالات نقدا للمجتمع، الدين، السياسة، المنظومة الحاكمة، الاحتلال، وغيرها.
وأخيرا، الجانب الثقافي أو الفني، هو الأكثر انحيازا ومناصرة لقضايا المرأة، ومن النادر أن يتواجد فنان ذكوري.
*تعريف بالفنان بشار الحروب:
ولد بشار الحروب في القدس عام 1978. حصل على شهاد البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة النجاح في نابس عام 2001. حصل على منحة مؤسسة فورد لمتابعة تحصيله الجامعي في حقل الفنون الجميلة وحصل على درجة الماجستير عام 2010 من جامعة وينشستر.