تدوين- يحدث الآن
وجه "بيت الشعر" في المغرب، كلمة، في مناسبة اليوم العالمي للشعر، جاء فيها:
لا حدّ لتوتّرات الحياةِ الحديثة. ولا كُوّة في الأفق تُومِئُ إلى إمْكانِ التّحكّم في الإيقاع المُهْوِل الذي يَشهدُه توليدُ هذه التوتّرات وهي تَتنامَى في تفاصيل اليَوميّ، وفي العلاقات الإنسانية، وفي الانشغالات العالمية، وفي المصائر المجهُولة. إبدالاتٌ سريعة تُراكِمُ ما يَحجُبُ الوجودَ ويعملُ على تكْريس نِسيانِه؛ تمَسُّ علاقة الإنسان بنفْسِه وبالزمن وبالغير. إنها إبدالاتٌ لا تكفُّ عن التّنامي بتوازٍ مع الإنهاكِ الذي يُسبّبه الإنسانُ للطبيعة، على نحْو يرْسمُ أفُقًا يتضاءلُ فيه الضّوءُ على نحوٍ مُريب؛ ضوءُ المعنى، والحُلم، والخيال، والحُبّ، وكل ما يجعلُ الإنسانَ خليقًا باسْمه.
إنّه الضوءُ الذي عليه ائتُمِنَ الشّعرُ منذِ اكتشافِ الإنسان لأسْرار القوْل وهي تلتئُم في تركيبٍ تَسمّى شِعْرا، ومنذُ الملامسة الأولى للنّشيد الوجُودي المضمَر في هذا التركيب.
ليس ضوءُ الشعر، بشُعاعه الحامل لخِبرة الفِكر ولخبرة اللغة، خلاصًا للمآزق المتولّدة من أهْوال الحياة الحديثة، ولم يسبقْ للشعر أنِ انطلقَ أصلا من فِكرة الخلاص، لأنه يَعِي أنّ أثَرَه خَفيٌّ ولا يخضعُ للقِياسات التي تماهي بينه وبين الحُلول السياسية. فالشّعر منجذبٌ أصلا إلى السّؤال الوُجُودي الذي هو غيرُ الانشِغال الموَجِّه للسياسيّ. في هذا الانجذاب، تغَنّى الشّعر بالمأساوي مِثلما تغَنّى بالفرح، وتغنّى بالتشاؤُم الخلّاق مثلما تغنّى بانْحصار التفَاؤل. وفي جميع الحالات، كان مُؤتمَنًا على العُمْق ومُتحرّرًا من وهْم النهُوض بخلاصٍ ما.
للشّعر مسؤوليةٌ كُبرى، اضطلع بها من سَرى في دمِهم نارُها، وبهذه النّار سهَروا على توقّدِ الحُلم وشُعاع الخيال. إنها مسؤوليةٌ تتجدّدُ وتتعقّدُ متطلّباتها بتنامي ما تسهرُ على مُقاومته. الشّعر مُؤتمنٌ اليوم على اسْتِجْلاء الأسْرار التي لا يكفُّ إيقاعُ الحياة الحديثة عن طمْسِها، ومُؤتمنٌ، كذلك، على الكشْف عن اتّساع الوُجُود وصوْن أحيازِ الحُريّة فيه وتمْديدِ مناطقِ الأمل في الحياة وفي كلِّ ما يجعلُ العيشَ المشتركَ مُمكنا.
لذلك، يشكّلُ الاحتفاءُ بيومٍ للشعر لحظةً رمزيةً تعِي أنّ الرهانَ من الاحْتفاء لا يتقيّدُ بزمنِ هذه اللحظة بلْ بالزّمَن الشعري، بما هُو ديْمُومةٌ، وبما هو ضوْءٌ قادمٌ من الغابر مثلما هو قادمٌ من الآتي.