الخميس  14 تشرين الثاني 2024

القميص المسروق .. مسرحية تغوص في أسئلة اللجوء والوجودية

2023-03-22 08:36:52 AM
القميص المسروق .. مسرحية تغوص في أسئلة اللجوء والوجودية
مسرحية القميص المسروق

تدوين- سوار عبد ربه

في نص يستنهض روح المقاومة وعدم الاستكانة، يرصد مسرح قافلة بالتعاون مع المسرح الوطني الفلسطيني (الحكواتي) كبرياء اللاجئ الفلسطيني، وإصراره على مواصلة الحياة والتخلص من قدره، ومحاربته للواقع الجديد المفروض عليه، سواء في حالة الاغتراب التي يعيشها بعدما يهجر من بلدة الأصلي، أو من خلال الابتزاز الذي يتعرض له من تجار الإنسانية ولقمة العيش، الذين يساومون اللاجئ على مخصصاته من وكالة الغوث الدولية لللاجئين (الأونروا)، والذين يطرحون السرقة كحل لكافة المشاكل المحفوفة باللاجئ معدم الحال، منقطع السبل.

هذه المفاهيم أعلاه، يجسدها  طاقم العمل المؤلف من أمينة عديلة، عدي الجعبة، ومنى الباشا على شكل عمل مسرحي مأخوذ عن قصة القميص المسروق للأديب الراحل غسان كنفاني والتي صدرت عام 1982 بعد اغتياله  بعشر سنوات. لتكون خطابا إنسانيا عن الفلسطيني الذي فقد كيانه في النكبة وألقي به في مخيمات اللجوء الفقيرة تحت رحمة المساعدات الدولية.

طحين الغوث ليس حلا

ويدور العمل المسرحي الذي عرض على خشبة مسرح القصبة في رام الله السبت الماضي، حول شخصية أبو العبد، اللاجئ المتعلم الحالم بنقل علمه إلى أطفال المخيم الذي يعيش فيه، إلا أن واقع الحال يحول بينه وبين حلمه الذي سيتحول لاحقا إلى أمر صعب المنال.

يتلاشى حلم اللاجئ المتعلم شيئا فشيئا، ويضيع بين جوع أطفاله، وتذمر زوجته من ضيق الحال، وسعيه الدائم للبحث عن مصدر لقوت يومه وعائلته دون جدوى، بسبب الظروف المحيطة من حوله، والتي يسهم فيها بشكل مباشر الحيز الجغرافي الذي يتواجد فيه (المخيم)، وأبو سمير المسؤول عن توزيع المؤمن والطحين للعائلات في المخيم، والذي سيبتزه لاحقا للعمل معه في سرقة وتهريب مونة اللاجئين، مستغلا فقره وسوء حاله.

يعرض العمل رفض أبو العبد لابتزاز أبو سمير، وكافة المغريات التي يعرضها عليه، إلى أن ينتهي العمل في جملة تلخص موقف أبو العبد من كل ما حدث معه بقوله: "أنا مش  حرامي أنا متعلم أنا مش حرامي"، وفي هذه الجملة اختزال لعمق الألم الذي تعيشه شخصية أبو العبد، والمعاناة التي لن يحلها طحين الغوث.

تقول الممثلة منى الباشا في لقاء خاص مع تدوين إن القصة الأساسية المعروضة من خلال هذا العمل هي قصة أبو العبد، وهو لاجئ فلسطيني من يافا يعيش في أحد المخيمات الفلسطينية دون تحديد مخيم معين.

وبحسب الباشا يستعرض العمل التغيرات التي طرأت على الوضع الاقتصادي لأبو العبد أثناء رحلة لجوئه، إذ كان شخصا مرتاح ماديا في بلده، إلا أن حياته انقلبت رأسا على عقب في المخيم، ومن خلال المسرحية نعرض التحديات والصراعات التي يمر بها كما نكتشف قصته مع أبو سمير الذي كان أقل منه درجة من الناحية الاقتصادية، ليبرز لاحقا في فترة اللجوء كشخصية ذات سيطرة وقوة، ومال ونفوذ، نتيجة للفساد الذي يمارسه أثناء إشرافه على توزيع أكياس الطحين للاجئين ليتبين فيما بعد أنه كان يهربها بعدما يماطل في ليتبين فيما بعد أنه كان يهربها بعدما يماطل في توزيعها على أهالي المخيم الذين ينظرون في طوابير لأيام طويلة من أجل الحصول على نصيبهم من الطحين دون جدوى.

وحول دورها في العمل أوضحت الممثلة أنها تقوم بكافة الأدوار النسائية، والتي تمثل نماذج النساء اللواتي كن موجودات في ذلك المكان، منهن اللاجئات، زوجة أبو العبد، زوجة أبو سمير، بالغضافة لدور مسنة.

وفي سؤالها عما إذا كان السبب في قيامها بمجموعة من الأدوار نتيجة نقصص في الممثلات الفلسطينيات قالت الباشا: "لدينا ممثلات كثيرات في البلاد، لكن المسرحية هذه مختلفة عن باقي الأعمال، إذ أعدت أثناء العمل، ذلك من خلال الارتجال الذي قام به الممثلون، ليتم فيما بعض إخراج النصوص بشكلها النهائي".

وأضافت: المسرحية في إعدادها الأول واجهت مشكلة النقص في عدد الممثلات، إضافة للصعوبات التي واجهها طاقم العمل في إيجاد شخصيات نسائية".

التاريخ يعيد نفسه

وكان العمل قد أعد بالإعداد الحالي لأول مرة على خشبة مسرح الحكواتي عام 1989 بإنتاج فريق العمل السابق: عماد متولي، كامل الباشا، ريم اللو، درويش أبو الريش. وجالت في مختلف البقاع الفلسطينية وقُدمت على خشبات مسارحنا المحلية في أكثر من 130 عرض. والتي تعرض من خلال الممثلين نماذج واقعية نلمس من خلالها آثار النكبة على أهالي مخيمات اللجوء الفلسطينية.

جريدة الطليعة| 1990

وحول سبب إعادة إحياء هذا العمل بعد مرور أكثر من 30 عاما على إعداده، أوضحت الباشا أن هذا نظرا لأهميته لأن القضية الأساسية التي يعالجها هي اللجوء التي لا يعيها الجيل الحالي، ولا يعرف خباياها والأمور المرتبطة بها، ككرت الؤمن وأكياس الطحين، بالإضافة لمناقشتها موضوع الفساد المستشري حتى اليوم مؤسساتيا ودوليا، مشيرة إلى أن الأفكار المطروحة في المسرحية يمكن تعميمها وتخصيصها في آن واحد.

ومن خلال متابعة العمل والغوص في تفاصيله، لا بد أن يتبادر إلى ذهن المشاهد تساؤل عما إذا كان الراحل غسان كنفاني أديبا صاحب رؤية بعيدة، أم أن الواقع الفلسطيني لم يتغير عبر كل هذه السنين، ليجيب العمل عن هذا التساؤل في جملة "مهو الوضع نفسه نفسه".

وحول هذا تقول الباشا يوجد إحساس عال بأن الكتابات التي أنتجت سابقا تصلح لأن تستمر وتعبر عن الوضع الفلسطيني في كافة مراحلة، بالإضافة لأن التاريخ يعيد نفسه والظروف تعاد ولكن بتفاصيل مختلفة.