تدوين- أرشيفات
كتب مصطفى أبو علي في العدد الأول من مجلة "الصورة الفلسطينية"، الصادر في تشرين الثاني 1978، مقالاً حول تجربة السينما الفلسطينية خلال عامين من الحرب الأهلية اللبنانية.
ومصطفى أبو علي، هو مخرج سينمائي فلسطيني يعتبره العديدون مؤسس سينما الثورة الفلسطينية. إذ شارك بتأسيس وحدة السينما التابعة لقسم التصوير الفوتوغرافي في فتح عام 1968. كما شغل منصب رئيس مؤسسة السينما الفلسطينية في بيروت ما بين 1971 - 1980.
وفيما يلي نص المقالة:
الحديث عن ظروف العمل السينمائي الذي مارسناه أثناء الحرب اللبنانية هو حديث الذكرى وحديث تجربة مهمة للعاملين في مؤسسة السينما الفلسطينية. لقد استمرت هذه التجربة الهامة كثيفة مع استمرار الحرب وتضاعفت أهميتها مع تصاعد الحرب ذاتها. فقد قام فريق المؤسسة بإنجاز كانت نتيجته 30 ألف متر من الأفلام الملونة والأبيض والأسود غطت تقريبا كافة النشاطات السياسية والعسكرية من جانب المناطق الوطنية ثناء فترة سنتي الحرب.
وعلى الرغم من عمق التجربة النضالية فقد تميزت أيضا بعمق مأساوي تمثل في استشهاد "هاني جوهرية" والذي فقدنا باستشهاده مناضلا صلبا وفنانا كبيرا واستاذا فذا ورائدا ومؤسسا للسينما النضالية الفلسطينية والعربية.
هذه هي الخطوط الهامة للتجربة:- الجدية النضالية في العمل والمأساوية العميقة التي خلفها استشهاد فنان مناضل زميل لنا.
ومن المزايا العامة للتجربة أيضا الإيمان الكبير بالهدف الذي نعمل له والذي ساعدنا في التغلب على الصعوبات الكبيرة التي واجهتنا.
كيف تم العمل وبأي مفهوم؟
في البدايات الأولى للحرب كنا كفريق عمل نستجيب للأحداث البارزة في الحرب – وكان الصراع في بدايته لبنانيا، وكنت بصفتي مسؤولا عن الفريق أعرف هذا ويعرفه الجميع، مما عكس بعض الممارسات المتفقة مع مفهوم الصراع، فطالما أن الصراع لبناني فالأفضل أن يعبر عن هذا الصراع لبنانيون وطالما أننا متفاهمون ومتحالفون – كحركة ثورية- مع الفئات التقديمة والوطنية اللبنانية فمن الأفضل أن نعطي الفرصة لهذه القوى للتعبير – سينمائيا- عن هذا الصراع وبناء على هذا الفهم عقدنا في مؤسسة السينما الفلسطينية اجتماعا واتخذنا قرارا بوضع كافة إمكانيات المؤسسة "وهي إمكانيات بسيطة على أي حال" تحت تصرف أي جهة من الجهات اللبنانية احتراما وتقديرا للبنانيين الوطنيين والتقدميين، تم هذا في المراحل الأولى من الحرب وحدث أن تقدم رفيقان من الحزب الشيوعي اللبناني، وهما أسامة العارف وكمال كريم، وعرضا علينا إنتاج فيلم مشترك فقدمنا كافة الإمكانيات لدينا بعد أن أعلمنا الرفاق بقرار المؤسسة وبدأنا في المؤسسة وبسرور كبير بالعمل بجد مقدمين كل شيء وقدم الرفاق باسم الحزب الفكرة ووسيلة للمواصلات ورشحا مخرجا للعمل هو الأخ عدنان مدانات فوافقنا بدون تردد وبدأنا العمل.
نظرت حولي كانت في الأفق نقطة رمادية غامضة صغيرة، بدأت تكبر بالتدريج لتصل إلى زورق عسكري عليه مدافع رشاشات ويقف خلف المدافع جنود مستعدون لإطلاق النار، بحار قبرصي يخرج ويلوح بيده تحية للجنود فلا يردون، يدور الزورق حول مركبنا مرتين والأفكار تملأ رأسي حول الأفلام والخوف يسيطر علي من فقدها
استمر العمل على هذا المشروع بشكل منتظم في بداية الأمر ثم مع تصاعد الحرب بدأ العمل يسير حسب الظروف، ويعود هذا برأينا إلىأن الأخوة المرشحين من الحزب لم يكونوا متفرغين كلية للعمل السينمائي، وكانت لديهم مهمات أخرى أشغلتهم عن هذه المهمة – مهمات- لابد وأن تكون أهم من هذا العمل، أو هكذا استنتجنا على الأقل، أما عدنان مدانات فقد استمر اهتمامه ولكنه كان بحاجة للأخوين المذكورين واللذين كما قلت انشغلا كلية في النصف الأخير من العمل عن المشروع.
ليس المهم هنا تحميل المسؤولية لطرف ما ولكن المهم هو الدرس الذي يجب أن نتعلمه من هذه الحالة:- وهو أن التفرغ للعمل السينمائي النضالي "بشكل خاص" ضرورة لابد منها إذا كنا نريد تحقيق نتائج.
ومع توقف العمل على هذا المشروع لم تتوقف المؤسسة عن تسجيل الأحداث ولكن حدث أن توفرت لنا كمية كبيرة من الأفلام الملونة بأسعار زهيدة فتابعنا العمل بهذه الأفلام آملين أن نتمكن من إخراجها إلىأوروبا لتحميضها "بعد أن توقفت الاستوديوهات في بيروت عن العمل"
مع المشروع السابق كانت المؤسسة تعمل وبشكل مواز على فيلم قدمت فكرته الزميلة "رندة الشهال" ، وكانت الفكرة أن يغطي هذا الفيلم مرحلة بدايات الحرب وحتى دخول القوات السورية إلىالبقاع المنطقة الشرقية من لبنان أي منطقة الحدود السورية اللبنانية.
جان شمعون كان أول من تقدم بفكرة للعمل على فيلم شامل عن الحرب، وكنت أنا وهو نجلس مرارا ونعد معا خطة الإنتاج وحاجات الفيلم. وكان لدينا شعور في بدايات الحرب أن الصراع الذي يحدث مجرد انفجارات للعنف وربما تمهيد لتطور أهم على المستويين السياسي والعسكري. وبقينا هكذا حتى حصل فعلا هذا التطور وهو انقسام الجيش وانقسام البلد إلىمناطق وطنية وأخرى يمينية فبدأنا العمل ضمن خطة مشتركة وتصور مشترك.
قبل هذه المرحلة وكما ذكرت كانت المؤسسة تتابع ضمنا خطتها لتسجيل الأحداث للأرشيف – على الأقل – وكنت اخرج وقتها مع فريق مكون من مصور ومهندس صوت لالتقاط المظاهر الجديدة والتي ظهرت على الحياة مع الحرب.
على أي حال، وعلى إثر الخبرة الصغيرة في تصوير الحرب اللبنانية في المراحل الأولى، تكونت لدي قناعة أن الموضوع أكبر من فريق مكون من ثلاثة أشخاص وأننا يجب أن نتابع العمل بطريقة مختلفة، فعقدنا اجتماعا وناقشنا الأمر وانتهينا إلىتكوين فريق واحد مكون من عشرة أشخاص "فلسطينيون ولبنانيون" من بينهم رندة الشهال والتي عبرت بعد مرور شهر عن عدم إيمانها بالعمل الجماعي فانسحبت من الفريق وبقي جان شمعون وقاسم سعد بالإضافة إلى العالملين في المؤسسة طيلة الفترة وحتى الانتهاء من اول فيلم عن الحرب وهو فيل "تل الزعتر" وكان هذا الفريق يعمل ضمن خطة واحدة وينقسم إلىفريقين او ثلاثة حسب الحاجة وحسب ما تمليه الأحداث. وكنا ننطلق في الصباح لنلتقي في المساء لنراجع ما قمنا به ونخطط ما يجب أن نقوم به في اليوم التالي، وكانت هذه الفترة من أهم الفترات التي مررنا فيها في تصوير احداث الحرب.
شهيد السينما النضالية
في 9 نيسان 1976 يذهب هاني جوهرية مرافقا لوفد من قيادات حركة فتح إلى منطقة الجبل عينطورة الزعرو صنين، وهي أعلى مناطق في لبنان، كانت القوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية قد استولت عليها لأهمية هذا الموقع في التأثير على القوى اليمينية، وقد استولت عليها مع بدايات عام 1976 عندما كان ارتفاع الثلج على هذه الجبال يزيد عن المترين، في نيسان ذاب قدر كبير من الثلج وبقي أيضا قدر كبير، ولكن الجبل المرصع ببقع الثلج الناصع البياض تحت أشعة الشمس المشرقة وروح الثورة والتحدي عند المقاتلين سحرت هاني فعندما عاد الوفد بعد تفقد الموقع الهام ظل هاني في الجبل يتنقل من موقع إلى آخر مع كاميرا 16 ملم ويختار بدقة كل لقطة ويصورها- "القصف اليميني لا يتوقف على المنطقة – هكذا أخبرني الزميل الذي رافق هاني- وهاني مصر على تسجيل كل شيء.
في 11 نيسان بعد الظهر حوالي الثالثة، تسقط قذيفة على بعد نصف متر من هاني هل كانت الكاميرا تدور وقت سقوط القذيفة؟ وهل سجل هاني لحظة استشهاده؟ ليس بالإمكان معرفة هذا فقد استشهدت الكاميرا أيضا وتلف الفيلم الذي بداخلها.
هاني كان يسجل نضال الشعب الفلسطيني في الأردن ولم تقدّر له الشهادة وقتها، وهاني يسجل نضال الشعب الفلسطيني واللبناني، ولكنه هذه المرة تقدر له الشهادة، سار هاني على نفس الخط الثوري وسرنا نحن في مؤسسة السينما الفلسطينية على نفس الخط ندافع عن أنفسنا أمام هجمة اليمين اللبناني الفاشي، ودافعنا عن أنفسنا في الأردن.. نحن إذن في نفس المسار التاريخي مسار الثورة من أجل التحرر.
لقطات من شروط عمل صعبة
ازدادت الحرب خطورة وصار المرء يسير في الشارع متوتر الأعصاب، إذ ربما تسقط قذيفة بجانبه فجأة .. يجلس الانسان في بيته خائفا فربما يسقط صاروخ يخترق الجدران، أثناء الحرب لم يعد أي مكان بمأمن من القصف، إذ كان الناس يتناقلون الأحداث الطريفة عن (مثلا) قذيفة سقطت بين عمارتين ارتفاع كل منهما 40 مترا وبينهما مسافة نصف متر وكيف سقطت القذيفة في هذه المسافة الضيقة لتصيب الطابق الثاني وتقتل جميع من فيه.
كنا نتعجب طبعا لهذه الحوادث ولكنها كانت تحصل بالفعل، وكانت تنثر جوا من التوتر والإحساس بعدم الأمن، ذات يوم كنت مع زميل من المؤسسة نحمل معداتنا ونسير في أحد الشوارع في منطقة الشياح، وفجأة رأيت زميلي يقذف بنفسه كالسهم منبطحا على طوله في مدخل عمارة فنظرت إليه متعجبا ومتسائلا ولكنه لم ينظر إلي فقد جمعع ساعديه وهو مستلقي على الأرض، فهمت طبعا وبسرعة هذا الإجراء الذي يتخذه وهو إجراء يتم أثناء القصف لحماية الذات، فتجمدت مكاني لحظة ثم انفجرت بالضحك، فنهض الزميل مستفسرا: ما انفجرت
- ما الذي تتحدث عنه؟
- سمعت القذيفة وهي نازلة اكيد ما انفجرت
- عن اية قذيفة تتحدث؟
- والله العظيم سمعت صوتا
- ولكنني لم اسمع شيئا
- عجيب
وبعد مراجعة ما حدث تبين لنا أني وقبل أن يلقي زميلي بنفسه في مدخل البناية ضربت قدمي بقطعة من الكرتون كانت ملقاة على الأرض وأحدثت صوتا يشبه صوت سقوط القذيفة قبل ارتطامها بالأرض.. حادثة طريفة ؟ ربما.
الكهرباء مقطوعة.. كيف نشحن بطاريات الكاميرا ونصور المشاهد الداخلية؟ في الليل يسير الجميع بأضواء كاشفة يدوية تعمل على البطاريات الصغيرة، تستطيع أن تصطدم بعمارة من عشر طوابق قبل أن تراها .. كاميرا.. البولكي- مثالية مع انقطاع الكهرباء، فالزنبرك يستطيع أن يسير الكاميرا. حقيقة اكتشفناها منذ عملنا عام 1969 في الأردن وبشكل خاص في قواعد الفدائيين حيث كنا أحيانا نقضي أكثر من يومين ولكن نجد أنفسنا بحاجة لكاميرا لا تصدر ضوضاء وتعمل – سنكرون- مع المسجل، ما العمل؟ تبرز الأفكار المتعددة .. نولد الكهرباء بواسطة جهاز يدار على اليد فنتناوب عليه لادارته ولكن من أين نأتي بالجهاز؟
نصممه. إذا فلنبدأ ولكن أين المواد الخام لصنعه؟ لم تنقض فترة طويلة حتى استوردت حركة فتح محركات تدار بالنفط، عظيم.. انحلت المشكلة – مولد صغير – مزعج جدا- توزع انتاجه الكهربائي على أقسام الاعلام الموحد. سبعة أقسام من أقسام الإعلام لمبة واحدة، 1—شمعة لكل قسم، وعندما نتجرأ باشعال لمبة أخرى تنقطع الكهرباء عن جميع الأقسام، بحث الأخوة عن المكان المناسب لوضع المولد ولم يجدوا إلا فسحة قرب شقة مؤسسة السينما.
- ماذا تقول؟ ارفع صوتك.
- يقول..............
- لم اسمع شيئا ارفع صوتك.
وبسبب ضجة المحول ظل شعارنا المازح الذي سببه وجود مولد الكهرباء (الظلام خير من النور)
بعد احضار المحول الكهربائي نشط التصوير إذ أصبح بالإمكان شحن البطاريات للكاميرات.
الماء مقطوع أيضا وانقطاع الماء خلق مشاهد جذابة للسينما، خاصة اذا كنت تصور بفيلم ملون، الأوعية البلاستيكية الملونة والطوابير من الناس تنتظر لتملأ جالونا من الماء لتستعمله للشرب وتحضير الطعام. في النهاية اصبح مشهد الناس وهي تحمل غالونات بلاستيكية فارغة أو مليئة بالماء مشهدا عاديا كمشهد تدخيل سيجارة، بعضهم يحملها باليد والأخر على الرأس والأخر صمم عربات صغيرة لحملها .
نحن الآن في منتصف العام 1976 ولدينا 15000 متر من الأفلام المصورة بالألوان نيجاتيف وريفيرسال ولا مكان في بيروت لتحميضها وطبعها، بعض المواد مضى عليها ثلاثة أشهر ونصف وهي مصورة وموضوعة في العلب، القلق يساورنا جميعا هذه المواد ستتلف بالتأكيد إذا لم يتم تحميضها بأسرع وقت.
في قسم الفوتوغراف التابع للمؤسسة كانت الحاجة كبيرة للماء فتحميض الأفلام وطبع الصور بحاجة لكميات كبيرة نسبيا من الماء .. لا يوجد ماء يوجد صور.. اضطررنا مرة إلى تحميض صور بعد غمرها بمحلول المثبت فقط.
في فترات الحصار الذي فرض على المناطق الوطنية أصبح الحصول على الخبز واللحم والخضار أمرا في غاية الصعوبة .. معلبات معلبات لا شيء غير المعلبات، يعلق المصورون إذا اهتزت الكاميرا بايدينا لا تلومونا.
نحن الآن في منتصف العام 1976 ولدينا 15000 متر من الأفلام المصورة بالألوان نيجاتيف وريفيرسال ولا مكان في بيروت لتحميضها وطبعها، بعض المواد مضى عليها ثلاثة أشهر ونصف وهي مصورة وموضوعة في العلب، القلق يساورنا جميعا هذه المواد ستتلف بالتأكيد إذا لم يتم تحميضها بأسرع وقت. أوروبا هي الحل.
ولكن لا يوجد لدينا مبلغ كاف لتحميض الأفلام، إذن.
إنتاج مشترك أقوم بالاتصالات مع أكثر من جهة لدينا 15000 متر عن الحرب ونحن بحاجة لمن يدخل طرفا في الإنتاج، أخيرا اتصلنا بالحزب الشيوعي الإيطالي، "لدينا أفلام اجيفا كروم واكتا كروم وايستمان كالور، هل بالإمكان تحميضها في إيطاليا؟
لا يوجد شيء لا يحمض في إيطاليا.. هكذا كان الجواب.
مائة وخمسون كيلو مترا من الأفلام تنتقل في أحد الأيام من صيدا على متن مركب إلى قبرص تأخر المركب إلى الغد لأسباب تعود إلى الطقس ولكن الطقس ممتاز.
ولكن يبدو لأسباب أمنية، حسنا سنعود غدا، في الغد نركب مركبا في عرض البحر بعد أن انتقلنا إليه بواسطة قوارب صغيرة .. نحن الآن نتراقص في عمق البحر على مركب صغير عليه جميع جهودنا فجأة يصدر صوت:
ادخلوا يا شباب الإسرائيليون جاؤوا
نظرت حولي كانت في الأفق نقطة رمادية غامضة صغيرة، بدأت تكبر بالتدريج لتصل إلى زورق عسكري عليه مدافع رشاشات ويقف خلف المدافع جنود مستعدون لإطلاق النار، بحار قبرصي يخرج ويلوح بيده تحية للجنود فلا يردون، يدور الزورق حول مركبنا مرتين والأفكار تملأ رأسي حول الأفلام والخوف يسيطر علي من فقدها... نتهامس داخل المركب "مصيبة اذا صعدوا وفتشونا!! ولكنهم أخيرا يذهبون من حيث أتوا.. بعد أن خلفوا في نفسي إحساسا بالمذلة والنقمة، كان ذلك فعلا مشهدا مذلا مركب صغير يحمل مدنيين في عرض البحر المتوسط يقابله زورق عسكري ويقف فوقه جنود مستعدون يقدح الشرر من عيونهم، إنهم يستطيعون عمل أي شيء يشاؤون بنا، لقد اعتقلوا في مرة سابقة المناضلة نهلة الشهال، وأخذوها معهم مع زميل لها إلى إسرائيل وبدون سبب. فما الذي يمنعهم من اعتقالنا ومصادرة الأفلام.
أخيرا- بعد 24 ساعة وصلنا إلى قبرص، وانتظرت أسبوعا حتى حصلت على مقعد على الطائرة إلى روما، في المطار تحتجز الأفلام ويمضي أسبوع على احتجازها، وانا كمن يجلس على النار، الأفلام ستتلف إذا لم تحمض، أخيرا حصلت على جواب هام " لا يمكن تحميض أفلام الجيفا كروم في روما.. ما العمل؟ إلى فرنسا.. وبعد أسبوعين تحمل الأفلام إلى معامل التحميض في باريس وبمساعدة اليوني سيني وبالترتيب مع اليونتيل فيلم، في روما.
ولكن الأفلام بدلا من أن تعود إلى روما للبدء في العمل على فيلم تل الزعتر تتأخر مدة ثلاثة شهور في اليونستي، وبالرغم من الاتصالات اليومية تقريبا أسباب سخيفة تماما لا مجال لذكرها هنا كما ضاعت بعض المواد في هذه الفترة.
في إنتاج مشترك مع اليونتيل فيلم في روما خرج بعد جهد كبير فيلم تل الزعتر، لقد كان العمل على هذا الفيلم اختبارا عمليا لمعنى التضامن بين القوى التقدمية، بل ترجمة عملية وأستطيع برضى القول: لقد نجحنا في الاختبار رغم الصعوبات الفائقة التي عانينا منها أثناء العمل.
بعد فيلم تل الزعتر، بقي لدينا حوالي عشرة آلاف متر من الأفلام الملونة التي لم تستعمل بالإضافة للأفلام الأبيض والأسود – في خطتنا عمل فيلم عن الحرب اللبنانية ذي أبعاد تاريخية واجتماعية وسياسية بحيث يوضع لبنان في إطاره بين الدول العربية وفي إطار منطقة الشرق الأوسط والصراع الدائر فيه.