تدوين- تغطيات
ناقش الشاعران الفلسطينيان إيهاب بسيسو وفارس سباعنة، أمس، مجموعة من المفاهيم المرتبطة بالشعر، الأيديولجيا، جدواه، وما الذي يؤثر فيه، وعن لحظات التأمل الخاصة بالشاعر، في قراءة جماعية اشترك فيها الحضور مع الشاعرين، وذلك في حوارية عقدت ضمن سلسلة ندوات "المعنى" في مكتبة بلدية رام الله العامة.
وهدفت الحوارية إلى الإضاءة على تفاصيل معينة مرتبطة في تكوين حياة يومية عند الشاعر إيهاب بسيسو وتأملاته اليومية.
استهل الشاعر والإعلامي فارس سباعنة الحوارية بقراءة لقصيدة "صباح جديد"، من ديوان إيهاب بسيسو الصادر عام 2014 عن دار الشروق للنشر والتوزيع في رام الله وعمان، "حين سار الغريب على الماء" وعلق عليها قائلا "إن مجموعة هذا الديوان تدور معظمها حول المطر، المقهى، المدينة، والعالم الذي كان يعيشه بالغربة في بريطانيا أثناء سنوات الدراسة والعمل.
وبحسب سباعنة، يدخل بسيسو القارئ لقصيدة "الصباح الجديد"، في مجموعة من العادات اليومية له، كما أن اللافت في هذه القصيدة هو خاتمتها، التي تجمل كل الأبيات التي تسبقها".
ويرى سباعنة الذي أدار الحوارية أن الشاعر بسيسو في هذا العالم ينظر إلى نفسه وإلى إيقاع حياته اليومي والمستمر، ويرى هذه الالتقاطات التي يعيشها بهذه الوحدة المتجذرة في كل التفاصيل.
كما يرى سباعنة أن هذا الديوان لإيهاب بسيسو يختلف عن دواوينه ونصوصه الأخرى، ذلك لأنها كانت دائما فيها حمولة أيديلوجية، رسالة أو موقف سياسي، لكن هذا الديوان مخفف من الأيديولجيا والأحمال المعرفية.
وعن هذا يقول بسيسو: "المسألة مسألة خيار ولكل مبدع أو مبدعة الخيار الشخصي في أين يريد أن يوجه دفة العمل الإبداعي سواء كان في الشعر، الرواية، السرد بشكل عام".
الحالة الشعرية ليست وصفية، لأن الوصف المجاني لا يعني شيء
ويوضح: بتجربتي الشخصية أؤمن بأن الحالة الشعرية ليست وصفية، لأن الوصف المجاني لا يعني شيء، بمعنى أن الشعر هو تكثيف لحالة واستفادة من مجمل كثير من الصور والتعبير عنها في إطار شعري، أحيانا يصعب التعبير عنه في الحياة اليومية وفي اللغة اليومية، مشيرا إلى أن التحدي يكمن في كيف تأخذ هذه اللغة وتصبح هي جزء من اليومي ولكن بحالة شعرية.
ويردف: "أنا أميل إلى اللغة المقتصدة والمتقشفة والتي تفصح الكثير عن فحوى الصورة في سياق التعبير".
وعن رؤيته للشعر يقول ايهاب بسيسو "إن الشعر إن لم يكن يحمل في طياته الدهشة، يصبح أقل استجابة لهذا التفكير، ويؤرقه دائما سؤال عن إمكانية تحويل الحياة اليومية غير الشعرية إلى حالة شعرية ما".
وفي سؤاله عن الشاعر المرافق له في القصيدة، والذي يصف حركته اليومية، في مساحة كبيرة يتواجد فيها الرفيق التخيلي ضمن القصيدة، ما يعني في مساحات كثيرة كان وحيدا".
يجيب بسيسو: "أنا أنتمي جيليا إلى جيل الانتفاضة الأولى وعندما ذهبت إلى بريطانيا ما حملته في ذاكرتي عن الوطن هو تجربة الانفاضة التي امتدت إلى 7 سنوات من عمري بكل ما لها من تأثير على اليوميات التي نعيشها كأطفال".
وعن تجربته في بريطانيا في هذا السياق يقول بسيسو إنه حاول خلالها الوصول إلى حالة من التوازن النفسي ما بين الذاكرة الماضية وما بين العالم القادم، موضحا أنه لم يكن مطلا على تفاصيل الحياة اليومية الفلسطينية المستحدثة، ما خلق لديه نوع من أنواع التأمل.
وعن الوحدة التي أشار إليها سباعنة في سؤاله يقول بسيسو إنها ليست بمعناها الواضح، إنما محاولة لفهم الذات أكثر بين المرحلتين أعلاه.
أما المرحلة الثالثة بالنسبة لبسيسو فتمثلت في عودته إلى فلسطين، وهناك حاول اكتشاف ذاته مرة أخرى بعيدا عن تجربة الطفولة وبعيدا عن تجربة الاغتراب، مع دخول عامل جديد، وهو "كيف سيعرف الوطن".
يوضح بسيسو أن هذا التساؤل جاء نتيجة لكونه من قطاع غزة ويريد الإقامة في الضفة الغربية، وليس مسموحا له إلا بتصريح ما دفعه للتساؤل كيف سيعرف الوطن مجددا وهو بحاجة دائما إلى تصريح للبقاء في وطنه دون أن يرحله الاحتلال إلى غزة.
اللحظات التي لم تكتب شعرا أو توثق فنا لا تعيش حتى في الذاكرة
ويتساءل سباعنة في هذا السياق: لو لم يتم تكثيف هذه اللحظات في قصائد، إلى أين كانت ستذهب، وهنا تكمن جدوى الشعر، لأن اللحظات التي لم تكتب شعرا أو توثق فنا لا تعيش حتى في الذاكرة.
وفي سياق الندوة يعرج سباعنة على عادة رافقت بسيسو في بريطانيا وهي الذهاب إلى السينما يوم الأربعاء، والتي كتب عنها في قصيدة حملت عنوان "يوم الأربعاء".
وعن هذا علق الحضور على أهمية السينما في تحفيز الشاعر، لأن السينما نص بصري مباشر، ويمكن أن تغني عن القراءة.
يرى سباعنة أن في شعر إيهاب بسيسو ظاهرة قائمة على الإشكال مع الوقت، وذلك بسبب القلق الدائم، كما أوضح بسيسو معتبرا أنه منذ سنوات طوية كان يحيا ضمن المؤقت، بسبب تجربته الخاصة كونه من قطاع غزة ويرغب أن يحيا في الضفة الغربية، مشيرا إلى أن الفرق بينه وبين المواطن الفلسطيني المقيم أصلا بالضفة الغربية كثير، ذلك لما أثرت عليه هذه المفارقة، وعلى عمله، وسفره وكافة مناحي حياته.
ويلخص بسيسو حالة المؤقت التي يحيا داخلها بهذا المشهد، "حاجز جيش مؤقت، قد يوقفك بشكل مؤقت، تنتهي فيه إلى حالة أخرى وبكل هذه المفارقة مطلوب منك أن تفكر، تنتج، تضحك، تعمل، وهذه الحالة من المؤقت غريبة".
يشار إلى أن بلدية رام الله كانت قد أطلقت برنامجا بعنوان "المعنى" في مكتبة رام الله العامة منتصف شهر آذار 2023، ويمتد على مدار العام.