الجمعة  15 تشرين الثاني 2024

رولان بارت: ما أدين به للخطيبي

2023-04-03 11:39:19 AM
رولان بارت: ما أدين به للخطيبي

تدوين- ثقافات

شرح المفكر الفرنسي رولان بارت، في مقدمة كتاب "الاسم العربي الجريح" لعبد الكبير الخطيبي، ما أضافه الأخيرُ لبارت معرفياً على صعيد الهوية. كتب بارت مقدمة الكتاب الذي صدر بالفرنسية عام 1980. وقد ترجم إلى العربية على يد الشاعر والأديب  محمد بنيس. 

أهمية عبد الكبير الخطيبي تكمن في كونه المثقف العربي الذي انتبه بحس أكاديمي ونقدي عال إلى إثارة العديد من القضايا المتعلقة بحرج الهوية العربية الإسلامية في مواجهتها للحداثة منطلقا من المادة الثقافية المغيبة التي عادة ما توضع في خانة الثقافة الشعبية. ويشكل كتابه المبكر «الإسم العربي الجريح» أهم هذه المنجزات الفكرية والنقدية وهو المؤلف الذي تناول فيه العديد من المسائل كشعرية الجسد في المخيال الثقافي وما يتعلق به من جنون وعنف وحكمة شبقية وضحك ومسرة ومحرم ومقدس واقتصاد في الدلالة والمعنى،

وفيما يلي ما كتبه بارت عما يدين به للخطيبي:

إنني والخطيبي نهتم بأشياء واحدة، بالصور، الأدلة، الآثار، الحروف، العلامات. وفي الوقت نفسه يعلمني الخطيبي جديداً، يخلخل معرفتي، لأنه يغير مكان هذه الأشكال، كما أراها يأخذني بعيداً عن ذاتي، إلى أرضه هو، في حين أحس كأني في الطرف الأقصى من نفسي. إن الخطيبي معاصر، يساهم في هذه التجلية التي تنمو بدخيلتي، وشيئاً فشيئا أدرك كيف أن المشروع الدلائلي الذي ساهمت فيه وما أزال، ظل حبيس مقولات الكلي التي تقعد كل مناهج الغرب منذ أرسطو. كنت أفترض ببراءة، وأنا أسائل بنية الأدلة، أن هذه البنية تبرهن على عمومية ما، تؤكد هوية لم تكن، في العمق، وبسبب المتن الذي اشتملت عليه، إلا هوية الإنسان "الثقافي" لموطني. والخطيبي يقوم بمعنى ما بالشيء نفسه لحسابه الخاص، إنه يسائل الأدلة التي ستجلي له هوية شعبه. ولكن ليس الشعب واحداً. إن شعبي أنا لم يعد "شعبياً" فصورة هويته ‏ التي نسميها تقاليده ‏ لم تعد إلا مادة متحفية. (وبالضبط مادة متحف التقاليد الشعبية الكائن جنب بوا دو بولوني  Bois de Bologne ،   غير بعيد عن حديقة قديمة للحيوان. فالأمر يتعلق في الحالين معاً بمخزون "الغرابة").

إن ما يمكنني أن أسائله، على مستوى معين من السلم الاجتماعي الذي آخذ فيه مكاني، هو الفرنسي "الثقافي"، مصوغاً بالأمواج المتعاقبة للعقلانية، للديموقراطية، ووسائل الإعلام الجماهيري. وما يسائله الخطيبي هو إنسان شعبي كلية، هذا الذي لا يتكلم إلا بهذه الأدلة الخاصة به، ويجد نفسه دائماً مغدوراً من طرف الآخرين، سواء أكان ناطقاً (أي الفلكلوريين) أم مجرد منسي بكل بساطة (أي المثقفين). إذاً أصالة الخطيبي ساطعة بدخيلة عرقه. صوته متميز حتما، ومن ثم فهو منفرد حتماً. لأن ما يقترحه، بشكل مفارق هو استرجاع الهوية والفرق في آن، مثل هوية معدن خالص، متوهج، ترغم أيا كان على قرائتها كفرق.

بارت: إن شعبي أنا لم يعد "شعبياً" فصورة هويته ‏ التي نسميها تقاليده ‏ لم تعد إلا مادة متحفية

وهنا يمكن لغربي (مثلي) أن يتعلم شيئاً من الخطيبي، إننا لا نستطيع أن نفعل ما يفعله. ليس أساسنا اللغوي واحداً، ومع ذلك يمكن أن نأخذ عنه درساً في الاستقلال مثلا. إننا واعون مؤكداً بانغلاقنا الأيديولوجي، ومنا من يبحث عن بعض أفكار الفرق وهم يسائلون المطلق الآخر، الشرق (أعني: الزن، الطاو، البوذية)، ولكن ما يجب أن نتعلمه ليس هو استظهار نموذج (تفرق اللغة بيننا فيه تماماً)، بل أن نكتشف لأنفسنا لغة "متعددة المنطق"، "لمامة" فروقات سيقوض مزيجها الاندماجية المرعبة (لأنها تاريخياً) بعيدة القدم للأنا الغربي.

لهذا نحاول أن نكون "مزّاجين" نستعير من هنا وهناك بقايا "الأمكنة الأخرى" (شيئاً من الزن، شيئاً من الطاو..... الخ)، وتخلط هذه الهوية الغربية التي عادة ما تضغط علينا كغطاء (له دائماً ثمنه وبذخه). لهذا لا يسعنا أن نعود إلى ما هو "شعبي" لدينا، فنحن لم نعد نملكه، ولكن يمكننا أن ننفتح على "شعبيات" أخرى، يمكن أن "ننزاح عن المركز"، كما نقول الآن. وهنا تمنحنا كتب الخطيبي متتالية بارعة وقوية من الأدلة التي لا تقبل الاختزال ومفسرة في آن مما يسمح لنا بالإمساك بالآخر انطلاقا من نفسنا.