تدوين- إصدارات
صدر عن منشورات جنوب شمال -المركز المغربي جنوب شمال للدراسات والأبحاث كتاب "وضع "المرأة" السوداء في المجتمع المغربي" للباحث ياسين يسني.
بشكل عام، مثل البحث في موضوع "المرأة المغربية السوداء"، حلقة ضرورية لتكوين معرفة كاملة عن الوضع الأسود المغربي. ويحاول الباحث في هذا المؤلف الإجابة عن مجموعة من الأسئلة من قبيل: هل يمكننا الحديث عن وضع "نسائي أسود"؟ هل هناك فرق بين وضع "الرجل الأسود" و"المرأة السوداء"؟ ما هو أثر التهميش التاريخي الذي عاشته "المرأة السوداء" بالمغرب على حاضرها؟ ماهي الصور النمطية القدحية التي استمرت عبر الزمن ولا زالت تشكل تهديدا بالنسبة للكثير من "النساء السوداوات"؟ وهل تشكل تمثلات الجسد الأنثوي الأسود المترسخة في المتخيل الاجتماعي المغربي عائقا أمام الترقي السوسيو- نفسي "للمرأة السوداء"؟ وهل يشكل وصمها الذي تتقاطع فيه الكثير من أشكال الهيمنة عائقا أمام ولوج فرص العيش (كالشغل والتعليم والزواج والإعلام ومناصب القرار)؟ وكيف تدبر المرأة السوداء وصمها المزدوج في علاقتها بذاتها وبالآخرين؟ وما هي الاستراتيجيات الفردية أو الجماعية التي تعتمدها "النساء السوداوات" لمقاومة أشكال تمييزهن وتوصيمهن الاجتماعيين؟
يُبين الكاتب في الفصل الأول من هذا المؤلف، كيف أن لا مرئية وضع النساء السوداوات الاجتماعية توازيها لامرئية أكاديمية. سنكشف من خلال عرض أهم الدراسات الوطنية التي تناولت وضع النساء السوداوات، عن ندرة الدراسات السوسيولوجية والأنتروبولوجية التي تناولت النساء السوداوات وحضورهن المحتشم على مستوى الدراسات التاريخية المتمركزة حول العبد الأسود. بالإضافة إلى غياب مقاربة تاريخية تقاطعية عن دراسات العبودية بالمغرب، تسمح بظهور وضع الأمة السوداء كوضع متميز تتقاطع على مستواه الكثير من ّأشكال الاضطهاد. يتطرق الكاتب أيضا في الفصل الأول، إلى عوائق تبلور اهتمام أكاديمي-نسوي سوسيولوجي وأنتروبولوجي بوضع النساء السوداوات. ثم يكشف عن أهمية الدراسات التاريخية رغم ندرتها في تتبع البناء الاجتماعي لوصم ودونية المرأة السوداء في المتخيل الاجتماعي المغربي. ويثير أيضا أهمية الدراسات المؤسسة للنسوية السوداء في الولايات المتحدة الأمريكية وسنناقشها وسنكشف عن قيمتها وحدودها وإمكانات استثمارها على المستوى النظري والمنهجي في الواقع المغربي.
سيخصص حيزا مهما من هذا العمل للحديث عن النسوية السوداء والثورة التي أحدثتها في دراسات النوع الاجتماعي والنماذج التحليلية التي أبدعتها لمقاربة وضع النساء السوداوات
ويعرض الكاتب في هذا الفصل الثاني أهم الاختيارات النظرية والمنهجية، كما ويسائل فيه قيمة المقاربة التقاطعية وحدودها. ونظرا لاهتمام الكاتب بوضع النساء السوداوات، سيخصص حيزا مهما من هذا العمل للحديث عن النسوية السوداء والثورة التي أحدثتها في دراسات النوع الاجتماعي والنماذج التحليلية التي أبدعتها لمقاربة وضع النساء السوداوات، ويخص بالذكر هنا المقاربة التقاطعية. ويركز الكاتب في هذا الفصل على مفهوم العنصرية المجندرة Racisme Genré لـ"فيلومينا إسيد" الذي يبدو لنا الأداة التحليلية التقاطعية الأكثر قابلية للتوظيف في مشروعنا البحثي. لأنه يسمح لنا بالتموقع بين تحليل فينومينولوجي وبنيوي أو ما يسميه فيليب ديكولا "بنينة الحياة المعيشة"، أي الجمع بين تحليل سرديات المشاركات ومساءلة دور السلطة ومؤسساتها في بناء وصم الجسد الأسود وإعادة إنتاجه. سيقربنا هذا الفصل من مجال البحث وعينته وأدوات جمع المعطيات، بما في ذلك الصعوبات التي رافقت العمل الميداني.
لا مرئية وضع النساء السوداوات الاجتماعية توازيها لامرئية أكاديمية
الفصل الثالث من هذا العمل هو بمثابة عودة فاحصة ومتفحصة لتجربة عمل ميداني قاربنا فيها موضوعا حساسا، إنه رجوع انعكاسي لمسار بحثي يركز فيه الكاتب على أهم العقبات الميدانية التي واجهته والاستراتيجيات التي اعتمدها للتخفيف من حدتها. ويتطرق للعقبات الأنطولوجية والإبستيمولوجية والأخلاقية التي تطرحها دراسة العنصرية المجندرة على الباحثين، خاصة في ظل ظروف الأزمة الوبائية التي تزامنت مع مرحلة جمع المعطيات الميدانية.
في الفصل الرابع من هذا المؤلف، يعرض الكاتب أهم الصعوبات التي واجهته في التحديد الدقيق لما ننعته بـ"النساء السوداوات" والإكراهات التي تطرحها رمزية السواد، فالكلمات التي يمكن توظيفها لتقديم عمله وشرح أهدافه كانت "ثقيلة" ومحرجة للباحث والمشاركات على حد سواء. ثم يقارب وصم النساء السوداوات، كهوة فاصلة بين هويتهن الواقعية وهويتهن الافتراضية. كما يثير الكاتب موضوع الألقاب القدحية وخاصة لقب "العزية"، الذي يختزل النساء السوداوات في هوية دونية رغما عنهن.
ينطلق الكاتب في الفصل الخامس، من تحليل خطاب المشاركات، حيث خلص إلى فكرة أساسية مفادها ضرورة تتبع البناء التاريخي لصورة المرأة السوداء في المتخيل الوطني. لا يمكن مقاربة وضع المرأة السوداء في الحاضر من دون الرجوع إلى الماضي الذي كانت فيه "سلعة بشرية" تتقاطع على مستوى جسدها الكثير من أشكال الاضطهاد. فلحظة "الأمة السوداء" لحظة تاريخية مهمة بالنسبة إلينا في هذا العمل. لعب الماضي العبودي دورا حاسما في إقصاء النساء السوداوات من "الأنوثة" عندما ألصقت بأجسادهن الكثير من الصور النمطية القدحية التي بررت استغلال جنسانيتهن وقوة عملهن وأعطت للرجال البيض والسود والنساء البيضاوات على حد سواء امتيازا اجتماعيا لا زال مفعوله ساريا في الحاضر.
أما في الفصل السادس والأخير، فيتطرق إلى الكيفية التي تحاول من خلالها النساء السوداوات تدبير وصمهن. فقد استطاعت النساء السوداوات، تحت إكراه مجتمع ذكوري-عنصري، من إبداع الكثير من استراتيجيات التفادي أو الرفض الجذري للوصم. سنركز على ما يسميه إرفين غوفمان باستراتيجيات تصحيح الوصم وسنركز على ظاهرة تبييض البشرة وتليين الشعر. كما أننا سنعالج في هذا الفصل، ما تحمله هذه الاستراتيجيات من أمل-ألم قد يصل حد الإصابة بأمراض جلدية مزمنة ومميتة.