الأحد  22 كانون الأول 2024

شاعرتي العزيزة: من نزار قباني إلى فدوى طوقان

2023-04-12 12:22:50 PM
شاعرتي العزيزة: من نزار قباني إلى فدوى طوقان

تدوين- نصوص

ننشر هنا، بعضاً من الرسائل التي بعث بها الشاعر السوري الكبير نزار قباني إلى الشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان. 

دمشق 10/11/1956

شاعرتي العزيزة،

أمس كنت في بيروت، وسلمتني دار الآداب حزمة من الرسائل كانت رسالتك أعنفها طيبا وأكثرها نشراً وعطاءً.

هذه الحروف الرحيمة الكريمة التي تطفر على الورق طفرات نجمة تسكن سقف بلادي.. طفرات فراشة حرير تخرج من شرنقتها لتكتب أبجدية كاملة بالحرير.. هذه الحروف هي حروفك يا فدوى، جاءتني كهدية عرس، كرشة طيب من إناء خالقه لم يخلق بعد.. كهدير سيمفونية هي فوق احتمال الليل.. فوق احتمال الوتر.

كيف أبدأ الشكر؟ كيف أنهيه.. ككيف أستطيع أن أحمّل نقاط هذه الرسالة وفواصلها مشاعري أمام رسالتك الحلوة، أمام أناملك الذاهبة بكدس أنجم. العائدة بكدس صحو. كيف؟ أنت أعلم مني بفن الأنامل التي تستطيع بمدّة حرف، بغواية فاصلة، أن، تعمّر ألف دنيا على شق الريشة..

وبعد، يا فدوى، لا شيء في العمر يعدل طاقة الحرف على التغلغل، والتفجر، والتهام الأبعاد. وحين أفكر فيما استطاعت حروفك وحروفي أن تفعله في هذا التراب العربي، أزداد يقينا بقدرة صناعتنا على لمّ الملايين حول دفء الحرف الجميل المغموس بأعصاب كاتبه، بحرائقه، بليل عينيه.

لا تلتفتي إلى أقزام الالتزام. فهم أتفه من أن يتركوا أثرا على هذه الأرض. إنني في سوريا أقف وحدي في وجه من يريدون أن ينتفعوا حتى بطيب الزنبق، بورقه الأبيض. أنا لا أزال أصيح في وجه هؤلاء.. أنتم أكلة زنبق.. وما أضيق الدنيا عندما تستحيل إلى مخبز لا تعبق منه سوى رائحة الطحين..

إن مذهبي كان واضحا منذ بدأت، ولا أزال أقول بجعل الجمال بمنأى عن الملابسات الزمنية والمذهبية. الفن لا يمكن أن يكون أجيرا لأحد، حاكما كان أو مجتمعا أو عقيدة. وكفانا يا فدوى أن ثلاثة أرباع شعرنا القديم .. كانت تزلفاً... واستجداء.. ومسح جوخ..

هذا ليس مجالا للإطالة، ولكنني أقول إنك لفت نظري يا فدوى بجرأتك وإصرارك على التعبير عن مشاعر الأنثى بدون زيف ولا استعمال أقنعة. وفي شعرك الأخير مغامرات قلمية جبُن أمامها كثيرات من المؤمنات بما نسميه في شرقنا (حياء) وهو ليس سوى خطيئة تخاف أن تفتح فمها.. خطيئة مصابة بالكساح لا تملك أن تتقدم.. ولا تملك أن تتأخر.

قصيدتك الأخيرة في (الآداب) تحفة. وقد وقفت أمامها مشدوها، للطاقة العارمة الصائحة التي تضمنتها، إياك أن تحسبي حسابا لأي مخلوق. واستمري على هذا الغناء الصافي الحر. إلا من الدفق الأصيل والعبير السيد.

أعود فأكرر شكري. والله يرعاك.

نزار قباني.

 

بيروت 14/1/1961

عزيزتي فدوى،

أبعث إليك من بيروت بأطيب أشواقي وأرجو أن تكوني سعيدة في جنبات القصر الذي يبدو لي – من خلال شعرك الأخير على الأقل- أنك صرت أقوى من جميع قضبانه.. وجدرانه..

واقعيتك خلال السنوات الأخيرة شيء أصفق له أنا شخصيا.. فأنا – كما تعلمين- مع الكلمات النابعة من لحمنا.. وتجربتنا.. ومزق شرايينا.. وضد كل ما هو ضبابي دخاني.. ضد العمارات الذهنية المبنية من الوهم والغيبوبة.

بيروت مناخ للشعر لا مثيل له. وأنا أعيش هنا أكرم أيام يمكن أن يعيشها شاعر.

شكرا على (الحب الذي أعطيتنيه) إن حب الشاعرات شيء لا أحلى ولا أرق.

متى نراك في بيروت؟ أرجو أن نلتقي قريبا فحنيني إليك كبير.

سلام عليك شاعرتي الحلوة.

نزار قباني

 

عنواني حاليا: نزار قباني

شارع البرلمان – ساحة النجمة

دمشق – سورية

 

دمشق 25/6/1966

عزيزتي فدوى،

أبعث إليك بأطيب تحياتي وأجمل أشواقي، راجيا أن تكوني هانئة ناعمة البال، وأن تكون أصابعك الموهوبة متألقة موصولة العطاء

أكتب إليك هذه الرسالة لأنقل إليك أنني عزمت نهائيا على ترك الحياة الديبلوماسية والانصراف إلى العمل الأدبي الذي كان وسيظل قدرنا الأوحد والأجمل.

وفي سبيل هذا القدر النبيل الجميل، قررت تأسيس دار نشر في بيروت باسم (منشورات نزار قباني) تتولى نشر آثار هؤلاء الذين كانوا سفراء جمال وخصب وخير في الدنيا العربية.

وليس لدي شك في أن تجربتي الشعرية الطويلة ستساعدني على النظر في منشورات الدار نظرة تقارب العبادة والتصوف. ففي عالم النشر الذي نحياه أصبحنا نحتاج إلى الوجدان النظيف أكثر من أي شيء آخر.

ولأني أعتبرك وجها شعريا رائع التألق في نهضتنا الشعرية المعاصرة أرجو أن تعتبري نفسك منذ الآن من الدار ولها، وأن تزوديني في بحر الشهرين القادمين بأحدث مجموعة شعرية لك لم يسبق نشرها، لأتمكن من إصدارها في مطلع تشرين الأول القادم، مع ما سوف أصدره من مجموعات شعرية لكبار الشعراء المعاصرين.

فيما يتعلق بحقوق النشر أرجو إعلامي عن رغباتك وعن طريقة التعامل التي تريحك أكثر لأعمل على تحقيقها. وبانتظار إجابتك السريعة أرجو لك دوام الصحة والسعادة أيتها الصديقة العزيزة.

نزار قباني.

 

منشورات نزار قباني

الإدارة: شارع مدام كوري – ملك عبد الخالق

المنزل هاتف رقم 252155 – المكتب 246133

ص.ب: 6250 – بيروت – لبنن

 

بيروت في 1/3/1967

عزيزتي فدوى،

سلامات. أرجو أن تكوني بخير وشهيتك الشعرية بخير. أمس أرسلت لك مع الصديق الأستاذ سهيل التل السكرتير في وزارة الخارجية الأردنية نسخة من (الرسم بالكلمات). ديواني الجديد الذي لا أعرف ما أسميه.. وأين أصنفه.

الناس... يعشقونه جدا... أو يشتمونه جدا... ونكهة الشتيمة عندي هي أحلى كل النكهات.

أكتب إليك لأطلب إليك انتقاء 10 قصائد من شعرك هي الأغلى والأجمل لديك.

عندي سلسلة شعرية بمنتهى الأناقة ستصدر (كألبوم التصاوير) من عشر ورقات فقط.. يترك فيها لكل شاعر انتقاء 10 قصائد يحبها من شعره.. سيكون عنوان هذه السلسلة مبدئيا.. (أحلى قصائدي).

ليس عليك سوى نقل القصائد (موضوع عشقك) على ورق أبيض. وإرسالها إلي.

سيكون مستوى السلسلة عاليا، وسيكون فيها عرب وأجانب، وهي محاولة من محاولاتي لتعميم الشعر.

بانتظار صوتك العذب. لك مني أطيب الشوق والتحية.

نزار قباني.

 

ملاحظة: إحدى القصائد يجب أن تكون مكتوبة بخطك، لأنها ستصدر هكذا. حجم الورقة التي ستكتبين عليها هو (10*20) وأفضل صور الطفولة والشباب والرحلات (إنكلترا... مثلا) أو نابلس..

أرجو أن ترسلي أيضا صورا متعددة لك ( يستحسن أن تكون بكاميرا عادية)