الأحد  22 كانون الأول 2024

نصان للأسير حسام زهدي شاهين من رواية "زغرودة الفنجان"

2023-04-17 10:55:08 AM
نصان للأسير حسام زهدي شاهين من رواية
غلاف الرواية

تدوين- نصوص

بينما عاد موضوع الإسقاط الأمني إلى الواجهة في الأيام الأخيرة، ونظرا للدور الخطير  الذي يمارسه العملاء في ضرب المقاومة وإفشال عملياتها قبل تنفيذها، أو كشف المنفذين بعد أن وجهوا ضرباتهم للاحتلال، اخترنا لكم في تدوين، نصين متفرقين من رواية الأسير حسام زهدي شاهين التي تحمل عنوان "زغرودة الفنجان" الصادرة عن دار الأهلية عام 2015.

وفي هذين النصين، يروي الأسير شاهين قصة صديقه الذي اعترف له بتورطه مع الاستخبارات الإسرائيلية، يليه بعض من الدروس التي يتلقاها المقاومون حول الإسقاط الأمني. في حين يتناول النص الثاني واحدا من الأساليب التي تستخدمها استخبارات الاحتلال للإيقاع بالشبان، والتي ترتكز على الجنس، هذا الذي يرى في الاحتلال نقطة ضعف في مجتمعنا فيستغلها. 

الأسير حسام شاهين

وفيما يلي النصان المختاران:

(1)

بقينا وحدنا في البيت والمسلحان بانتظاري في الخارج، عندها بدأ الكلام وعلامات الارتباك بادية على محيّاه، وبكلمات متلعثمة غير واضحة أشار إلى أنه ينوي القيام بعمل بطولي، وأنه جزء من هذا الشعب، ومن واجبه أن يسهم في انتفاضته، وكعادتي في مثل هذه المواقف وأمام انفعالات كهذه لجأت إلى الصمت، وتركته يسترسل في حديثه وعيناي تقرآن لغة جسده، وكلما تجنب النظر في وجهي وسمر عينيه في الأرض، أدركت أن في الأمر خلاف ما يدّعي، فملامح التعب النفسي تكشفت على قسائمه، وكلما ترهبل في حديثه تجاذبتني الأفكار المتضاربة، وحتى لا تعتمل في صدري الريبة سألته أن يفصح عن مراده بشكل واضح بعيدا عن المراوغة. نظر إلي ونار البؤس تستعر في عينيه، فطفق يلوك بنيته طعن جندي في مدينة القدس، حينها استغربت منه هذا المطلب، وسألته:

ليش بدّك تقوم بهيك عمل؟ هذي طريق صعبة، ونهايتها الموت أو السجن، وانت ماشاء الله عليك، عندك ولاد صغار، وزوجة في زهرة شبابها.

هذي رغبتي، لأ، مش بس رغبتي، وكمان قراري، على شان هيك بدّي إياك تساعدني، وأنا على أتم الاستعداد إني أتحمل كل النتائج إللي بتترتب على هيك قرار.

وليش توجهت إلي بالذات في هالموضوع؟

لأني بثق فيك، بحكم الصداقة والمعرفة القديمة بيننا، والعيش والملح إللي أكلنا سوا

الإصرار على هذه الرغبة، والارتباك الواضح في صوته، وكلماته المتلعثمة أحيانا، وحركاته المتوترة، دفعني إلى مربع الشك مرة أخرى، ولكن لابد من سؤاله بطريقة لبقة لا تغمطه حقه إذا كان صادقاً، وعلى سليقتي بحثت في رأسي عن مخرج سريع أتفادى فيه إحراجه وإحراج نفسي إذا كانت شكوكي خاطئة، ففي مواقف كهذه لابدّ مما ليس منه بدّ، فالمسائل الأمنية لا تحتمل التخمينات، والثقة لا تلغي الحذر، وقباحة السؤال الآن خير من قباحة الندم فيما بعد/ وفي النهاية لم أهتد إلا إلى القول:

بحكم هذه العلاقة الطيبة التي نتحدث عنها، وبحكم الثقة التي تربطنا، سأسألك سؤالا، وأرجو أن تجيبني عليه بكل صراحة، وأتمنى أن لا يزعجك كلامي، لأن الوضوح والصراحة فيما تطلبه مني هما أقصر الطرق للاتفاق.

إسأل، وسأجيبك، وقسما لن أخفي عليك شيئا.

وأنا سأكون عند حسن ظنك بي، وسأعمل على مساعدتك قدر المستطاع، ولكن هذا يعتمد على صدق أقوالك، وبما أنك تثق بي، وطلبت مني المساعدة في أمر خطير من هذا النوع، يجب أن تكون صريحا معي إلى أبعد الحدود.

نعم سأكون، بشرط أن يبقى كل ما يدور بيننا من حديث سراً لا يعلمه إلا أنا وأنت والله.

هذه الإجابة أكدت شكوكي ومخاوفي، وعلى إثرها اضمحل الخجل في نفسي، وتلاشى التردد الجالس على رأس لساني، وقررت أن أطلق كلماتي إلى قلب الشك مباشرة.

أعدك بأن يبقى الأمر سرا بيننا.

..... ..... ..... ..... 

هل أنت متورط مع جهاز المخابرات الإسرائيلية؟

ألقيت بكلماتي الملغومة في وجهه، وأنا أنتظر لحظة الانفجار، هيا يا مازن خيّب توقعاتي واطردني من منزلك، إبصق في وجهي لاءك المشحونة بالشهامة والمروءة، خير من أن تقتلني بنعمك القذرة المغموسة بالخزي والعار، اكبر وتعملق بالكرامة، واجعلني أبدو صغيرا كصرصور، أنا الذي طالما اعتد بنفسه ولم يقبل لها الهوان، اليوم سأقبله بسعادة، استرخى جسده وخارت قواه، وكأنني أزحت عن صدره حجر بلال، استمر الصمت للحظات حتى قطعه باهتزاز رأسه الموحي بالموافقة، وملامحه يبدو عليها تأنيب الضمير والندم، فطمس في جوفي آخر براعم الأمل وهشم ذاكرتي الجميلة عنه، وفاحت في الأجواء رائحة الخيانة، نعم للخيانة رائحة نتنة يستطيع أن يشتمها الإنسان بسهولة إذا ما تجرد من عواطفه لبعض الوقت، هذه ليست دعوة للهوس، ولا إلى أن يعيش الإنسان على حافة الشك. 

بدأت أصغي إلى صمته لعلني أجد فيه ما يطفىء نار الحقد المتقد في صدري، والأفكار المتصارعة تأكل تلافيف دماغي، كيف أجلس مع خائن في بيته، وأحتسي معه القهوة بهذه البساطة؟ ولكنه صديقي، لا لم يعد صديقي، كان صديقي، آه... إنه صديقي الخائن، لا إنه خائن وفقط خائن، تذكرت شيئا تعلمته في الدورات الأمنية التي كانت تعدها لنا الحركة، وهأنذا أرى صورة المحاضر في خيالي وهو يتحرك بين مقاعدنا، ويقول: العدو يضمر لنا الشر دائما، ويتربص بنا ويسعى جاهدا لاختراق صفوفنا بكل الوسائل، ومخابراته تجيد التنقل بين الفضيلة والرذيلة في سبيل خدمة أهدافها، قد تكون في المسجد وقد تكون في البار، وحتى تنتصر علينا تسعى لتحقيق ثلاثة أهداف، تجنيد الشباب في صفوفها، أو تحييدهم عن المشاركة في العمل الوطني، أو تدميرهم سلوكيا واجتماعيا ودينيا، باختصار من كل الجوانب، وبهذه الطريقة نستطيع أن نحول بين العدو وبين افتراس ضحاياه، نعم ضحاياه، لا تستغربوا هذه الكلمة ، فلا يوجد عميل بالفطرة أو بالولادة، وكل عميل وقع في شباك الاحتلال هو ضحية خلل في ظرف من ظروفه سالفة الذكر، ومن واجبنا كثورة إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هؤلاء الضحايا، وعلينا التعامل معهم على هذا الأساس، إلا من لا يصلح مع إفساده شيء. كل بيوتنا معرضة لهذا الخطر، ولا عصمة لأحد إلا بالوعي! وأذكر أيضا الجدال الحاد الذي دار بعد تلك المحاضرة، فمنّا من اختلف مع هذا الرأي ورفضه اطلاقا على قاعدة أنهم وحوش ستستمر في التهام ضحاياها البشرية، لذلك يجب القضاء عليهم قبل أن تقع الفأس في الرأس، ومنا من تبنى وجهة نظر المحاضر، باعتبار ضرورة منحهم فرصة أخرى في الحياة، لأن انقاذ الشخص يعني إنقاذ الأسرة التي ينتمي إليها وبالتالي إنقاذ اللبنة الأساسية في المجتمع، غير أن الكلام النظري يختلف كثيرا عن الممارسة، وهأنذا تائه في مشاعري، ولا أعلم إن كنت أجلس أمام ضحية أم أمام خائن له ضحايا! فالموقف صعب وشديد الالتباس والضبابية، والغضب بدأ يحيط بروحي كإحاطة السوار للمعصم، ولكن لابد من ضبط النفس حتى أتبين الحقيقة كاملة.

فجأة وثب من على أريكته، ودنا مني كالذليل، جلس على الأرض ورأسه مطأطأ وعيناه شاخصتان في حذائي، فطلبت منه النهوض والعودة إلى مكانه، ومن غير طول تفكير وجدتني أحاول رفع معنوياته فقلت له:

من الممكن أن يخطىء الإنسان في حياته، ويرتكب حماقات، وهذه الأخطاء تتفاوت من شخص لآخر، وكل واحد بجريرته يعامل، المهم أن تعترف بخطئك وتضع حداً للاستمرار فيه، فالاعتراف بداية الإصلاح، والإصلاح فضيلة، من ناحيتي سأساعدك على تنفيذ أمنيتك، ولكن ليس بسكين، بل سأزودك بقطعة سلاح من سلاحي الشخصي، ليس في الوقت الحالي، لأنه مطلوب منك إيضاح أشياء كثيرة قبل ذلك، يجب أن تخبرني بتفاصيل تورطك مع جهاز المخابرات الإسرائيلية.

(2)

في اليوم التالي، وفي ساعات بعد الظهيرة، جاءني اتصال هاتفي من الكابتن مارون على مكان شغلي، وطلب مني التوجه إلى الفندق فور الانتهاء من الدوام، وعندما وصلت إلى هناك وجدت أن الكابتن مودي ينتظرني أيضا، فرحب بي بحفاوة وأخبرني بأنه سمع من مساعده أخبارا طيبة تتعلق بجديتي في العمل، وأنني أنجز مهامي بشكل سريع ومتقن، غير أنه لمّح لي بأن كل ما أقوم به بالمقارنة مع ما يقوم به آخرون ما هو إلا شيء صغير وهامشي لا يكاد يذكر في السجلات المهمة التي تعطي وزنا محترما لصاحبها، وأردف قائلا:

هناك من يقومون بتصوير أفلام فيديو لصالحنا، فيها حركة وممارسة جنس كاملة وليس مجرد صور ثابتة، فيستفيدون مالا ومتعة ونحن نحصل على بعض المعلومات.

قلت: أنتم تعرفون أن هذا الموضوع مخيف بالنسبة لي، لأننا نعيش في مجتمع عشائري، والمساس بالشرف أصعب من المساس بكل الأشياء الأخرى، وقد يكلف الإنسان حياته.

لا أحد يطلب منك أن تؤدي هذا الدور في الشارع، ولأن الشرف يقابله الموت في ثقافتكم، فهذا يسهل علينا المهمة ولا يعقدها، لأن كل غشاء بكارة نفضه يهرب إلينا خوفا من الموت، وأنت اختبرت النتائج بعد أن جربت بنفسك محاول أبسط من ذلك بكثير ونجحت فيها ببراعة، ومع العلم أن نسبة المخاطرة فيها أكثر بكثير مما أدعوك إليه، فالخوف شيء طبيعي موجود فيك، لأنك تعيض المجتمع وتجهل طبيعته، ومتى عرفتها وتطورت تجربتك، ستكتشف أن لا وجود ل في حياتك.

أخرج من مغلف أمامه كان ملقى على الطاولة مجموعة صور وحذف بها إلي، انظر إلى هذه الصور، أترى أنها سميرة وهي عارية تماما، كما أن جسمها جميل جدا ومثير للشهوة، فحتى نحن لو أردنا التقاط هذه الصورة لما استطعنا التقاطها بهذه الدقة والوضوح، والذي التقطها هو أخوها، وأنت تقول أنه كان مترددا وخائفا، فكيف ستكون لو كان حاله غير ذلك، اسمع يا مازن واصغ إلي جيدا، الخوف هو حليفنا في العمل خلال هذه المعركة، تصادق معه ينفعك ويقودك نحو النجاح، وإيّاك أن تتركه يقف في الصف المقابل، فلحظتها تكون عرضت نفسك للخطر، دع أعداءك يخافون من الخوف، وحينما يحدث ذلك سيهربون منه إليك، حتى وإن لم تكن تمثل الأمان بالنسبة إليهم، فالخطر المؤلم خير من الخطر القاتل، وأكبر دليل على ذلك قصة سمير وهذا الدرس يجب أن تحفظه جيدا، فقد يأتي يوم تكون فيه أمامنا مهمات كثيرة وكبيرة، والآن أنظر جيدا لهذه الصور التي بين يديك.... في البداية ترددت، فهذه أول مرة أتعرض فيها لهكذا موقف، وعندما سمعت قهقهة مودي ومارون وهما يحدثانني باستهزاء:

    شو خايف تشوف صورة بنت عريانة.... نظرت إلى الصورة وتفرستها وبسذاجة طلبن منهما أن لا يشاهد هذه الصور أحد غيري.

فقال الكابتن مارون: هذه ليست مشكلتي أن يراها أو لا يراها أحد، ودعك من هذه المهاترات، وبالمناسبة قل لي أي درجة سمير مهم بالنسبة لعملك؟ انه مهم جدا، ويساعدني في جمع الكثير من المعلومات، ولكن الفتاة يمكنها أن تجلب لك معلومات أكثر وتساعدك في العمل بطريقة أفضل.

- كيف سيكون ذلك ممكنا، فأنا لا أستطيع أن أطلب منها القيام بهذا العمل بسهولة، عدا أنني أخاف من الإقدام على مثل هذه الخطوة.

لا يا مازن هذا الكلام لا يجوز، فأنت تعمل معنا منذ مدة ليست قليلة، وكلمة خوف هذه أريدك أن تستأصلها من دماغك، فالذي يريد أن يعمل هذا النوع من الأعمال يجب عليه أن يدفن خوفه وينساه، لقد سبق وأوضحت لك هذه المعادلة، ثم سألني وهو يطوف حولي وحول الكابتن مارون وحول المكتب كمن يدور حول البيدر:

إذا ما أبرزت هذه الصورة إلى الفتاة أو أهلها ما الذي سيحدث؟ سوف يقتلونها. فقال: أو أنها ستخبر أهلها بالأمر وتقول لهم مازنهو الذي صورني، ولكن لو كان في هذه الصورة شخص آخر إلى جانبها، فهل ستتجرأ على إخبار أهلها؟

أنا حصلت على الصور كما طلبها مني الكابتن مارون بالضبط.

أعرف ذلك، والجزء الثاني اتركه لي فأنا أعرف كيف أتدبره.

والآن أجبني على سؤالي: إذا كان بجانبها شخص آخر وهما عراة ستصبح الأمور أسهل؟

بالضبط. ما يعجبني فيك أنك تفهم بالإيماء، صورة وهما عراة، وفي هذه الحالة سوف تعمل معك أيضا وتخدمك بالطريقة التي تريد، المرأة سلاح إذا أجدت فن استخدامه، فلن تغلب في تجاوز الكثير من العقبات التي من الممكن أن تعترض طريقك، وحتى تسيطر على هذا  السلاح بشكل مستديم عليك أن تتمكن منها كما يربض النمر على فريسته، والآن سوف أعرض عليك فرصة عملك، صفقة لن تتكرر، وسوف أحضرك للعمل هنا في هذا الفندق، وسأجعل معاشك الشهري 5000 شاقل مقابل أن توسع نطاق عملنا، فمثلا لو أن في هذه الصورة شخصا آخر كما سلف وقلنا، خاصة وأننا نعرف جبروت والدها، فبالتأكيد أنها ستفضل الانتحار على أن تخبر أحدا، وبصراحة أنا لا أريد أن أخفي عليك كيف أفكر، أريد أن أدبلج صورتك إلى جانب صورتها، وعندما تريها هذه الصورة ستسقط خائرة بين يديك، وتخضع لإرادتك ومن ثم تساعدك على تجنيد نساء أخريات، فكما تعلم المدينة كبيرة، وأنت وحدك لا تستطيع أن تغطي كل نواحيها، وستحتاج إلى من يعاونك، وبواسطتها ستتمكن من اصطياد الرجال الذين أنت بحاجة إليهم.