تدوين- سوار عبد ربه
تحمل تجربة الحركة النسوية الأسيرة خصوصية لما تكتسبه من صفة مميزة وإن تشابكت في تجربتها مع مجمل التجربة الجماعية للأسرى، ذلك بالنظر إلى جوانب مختلفة مرتبطة في التكوين البيولوجي للمرأة وما يتطلبه من احتياجات خاصة تترافق وإياها في كافة مراحل الاعتقال، وتشكل علامة فارقة في تجربتها، وكذلك في تعاطي السجان معها واستغلالها، بالإضافة إلى جوانب مجتمعية مرتبطة بالثقافة السائدة.
مجمل هذه التجارب بقيت لسنوات طويلة تبحث عمن يوثقها بصورة حية من داخل الأسر، كما أخذ الأسرى يفعلون، ما أسهم في إفراز أعمال أدبية عديدة اصطلح على تسميتها بـ"أدب السجون"، إلا أن التجربة النسائية في هذا الجانب ما زالت حتى وقتنا الحاضر شحيحة، وإن بدت تأخذ حيزا لا بأس به من الأدب.
وللوقوف عند مساهمة الأسيرات في أدب السجون، وما تضمنته هذه المساهمات، وسبب عزوف الأسيرات عن الكتابة وتوثيق التجربة، التقت تدوين بالأسيرة المحررة والكاتبة نادية الخياط والكاتبة التي رافقت الأسيرات في كتاباتهن ابتسام أبو ميالة.
تقول الخياط إن "النساء بدأن بتوثيق وكتابة تجاربهن حتى ولو بعد حين من تحررهن وأول الإصدارات كانت للمناضلة عائشة عودة، فكانت كتبها محفزا ودافعا على إطلاق إبداعات الأسيرات ومواهبهن المدفونة في نقل تجاربهن القيمة، والعمل الدؤوب على تطوير فن الكتابة والأسلوب وإخراجها إلى النور سواء بالكتابة الجماعية أو الفردية، فقد صدرت العديد من الكتب للأسيرات عن تجاربهن في فترات وأزمنة مختلفة واستطعن نقل الصورة بكلمات جميلة ومحتوى جيد وواقعي ومتعدد الجوانب".
وترى الكاتبة أن نسبة مساهمة النساء في أدب السجون أو أدب الحرية كما تسميه، قليلة جدا، إلا أنه في الفترات الأخيرة تطورت كتابة تجارب النساء في الأسر، وكل واحدة من النساء الأسيرات لها تجربتها ولها إحساسها بتجربتها ولها مميزات معينة وبفترات مختلفة.
وعرجت الخياط على بعض من كتابات الأسيرات ككتابها "احترقت لتضيء" وكتاب الأسيرة مي الغصين "حجر الفسيفساء"، بالإضافة لكتاب أعدته الأسيرة دارين الطاطور بعنوان "القصيدة الخطرة"، وكذلك الكتاب الجماعي "ترانيم اليمامة" الذي وثقت فيه عشر أسيرات تجاربهن الاعتقالية، كما ساهمت الأسيرات في كتاب صدر عن رابطة الكتاب الأردنيين بمشاركة حسن عبادي "الكتابة على ضوء شمعة"، وشارك فيه 36 أسيرا وأسيرة وتناول طقوس الكتابة في المعتقل، منهم داخل السجون وآخرين من خارجه. بالإضافة لمساهمة الأسيرة خالدة جرار التي تجري أبحاثا عن أدب السجون بشكل عام والأسيرات بشكل خاص.
وفي هذا الجانب أوضحت صاحبة رواية "احترقت لتضيء" أن سبب قلة مساهمة الأسيرات في أدب السجون يعود إلى قلة عدد الأسيرات إذا ما قورن بعدد الأسرى، بالإضافة لعوامل أخرى، إذ في البداية لم تمتلك الأسيرات جرأة كافية لنقل تجربتهن بكل أريحية بسبب التضييقات المجتمعية، خاصة في المخيمات، ولهذا كانت الأسيرة تخشى التطرق لمواضيع حساسة كأساليب التحقيق والتعذيب.
لكن اليوم أصبحت الأسيرة أكثر جرأة، كما أن المجتمع أصبح أكثر تفهما، وذلك بسبب ارتفاع نسبة التعليم، وازدياد الثقافة والوعي حول أهمية توثيق هذه التجارب، وفقا للخياط.
وتحمل تجربة الحركة النسوية الأسيرة خصوصية في تفاصيلها، إذ ترى الخياط أن الخصوصية تنبع من الاحتياجات الخاصة للنساء التي ترافقها في كل مراحل الاعتقال، وهذه الأمور الخاصة كالحيض والولادة لا يتعرض لها الأسير الرجل، لذلك من الضروري أن توثق تجارب النساء بكل تفاصيلها.
وفي هذا السياق، أشارت الخياط للأسيرات اللواتي أنجبن أطفالهن في السجن، ومنهم من تربى لمدة عامين داخل الزنازين، وهؤلاء الأطفال حرموا من كل احتياجات الأطفال الأساسية، وهذا أيضا ما يميز تجربة النساء الأسيرات عن الرجال الأسرى.
وحول روايتها "احترقت لتضيء" أوضحت المؤلفة أنها جاءت بعد إلحاح المحيطين بها، ووثقت فيها تجربتها النضالية والاعتقالية، وما أسهم في هذا كان تواجدها في رابطة نساء أسرن من أجل الحرية، التي هدفت إلى توثيق تجارب النساء الأسيرات، ولأجل هذا عملت الرابطة على دورات كتابة إبداعية وتوثيقية وغيرها.
وكان للكاتبة ابتسام أبو ميالة دور أساسي في ما أنتج من روايات للأسيرات حتى الآن، إذ أخذت على عاتقها مهمة توجيه الأسيرات في الكتابة، وتحويل أعمالهن من أعمال تقريرية إلى روائية، وهذا الأمر استغرق منها ما يزيد عن عامين، نتج عنه حتى اللحظة روايتي الأسيرتين المحررتين، نادية الخياط ومي الغصين، ولا تزال ثلاث روايات أخرى تشرف عليها أبو ميالة بانتظار أن يكتملن ويبصرن النور.
وفي لقاء خاص مع تدوين قالت الكاتبة ابتسام أبو ميالة إن سبب مرافقتها للأسيرات في مرحلة الكتابة ينبع من كون قضيتهن، قضية عامة وليست خاصة، وهذه الإنتاجات ليست محلا لكتابة الخواطر أو تناول الأحداث بعمومية.
وأضافت: "كون تجربة الأسر للنساء تجربة عامة، يجب أن يعرف كل الناس تفاصيلها، ذلك لكثرة علامات السؤال حول التحقيق معهن، وأساليب التعذيب التي تمارس عليهن، لذا قمنا بتناول كافة الجوانب والقضايا بشفافية".
وترى أبو ميالة أن المجتمع عنده نهم لمعرفة ما تتعرض له الأسيرات في التحقيق، كما أن تناول هذه الموضوعات يأتي من باب طمأنة الأهالي على بناتهن، لأن ما يدور في الخارج حول ما تتعرض له الأسيرات داخل السجن، أمور كانت تجري في السابق، لكنها انتهت بعد حملات المطالبة بحقوق الأسير وفضح أساليب التعذيب وغيرها، وبقيت مقتصرة على التهديد فقط.