السبت  21 كانون الأول 2024

تجربة الأسرى ضمن سياق إنتاج معرفة تحررية

2023-04-17 02:18:23 PM
تجربة الأسرى ضمن سياق إنتاج معرفة تحررية

تدوين- سوار عبد ربه

أخذ الباحثون والأكاديميون يلتفتون منذ سنوات قريبة إلى أهمية إنتاج معرفة تحررية، بعد معاناة شهدها المجال البحثي نتجت عن عدة عوامل يلخصها مثقفون وأكاديميون بتسليع التعليم، ضعف العلوم الاجتماعية وغياب الحرية والديمقراطية، ما أفرز غيابا لإنتاج معرفة تحررية تكون أساسا للتحرر. 

وانطلاقا من كون الأسرى يشكلون مكونا مركزيا في البنية الاجتماعية بوصفهم عناصر فاعلة وجزءا محوريا في قضية التحرر، وكذلك مكونا ثقافيا أساسيا لما ينتجوه من أعمال أدبية، أخذ الباحثون والأكاديميون يصولون في هذا المجال، بالارتكاز على أدبيات الأسرى وظروفهم الاعتقالية كمادة بحثية، في سياق إنتاج معرفة تحررية في ظل الاستعمار، تكون انعكاسا واقعيا للهوية الخاصة للباحث الفلسطيني، وتقدم رؤية أكثر وضوحا لشكل المعرفة المراد إنتاجها.

أخذ الباحثون والأكاديميون يصولون في هذا المجال، بالارتكاز على أدبيات الأسرى وظروفهم الاعتقالية كمادة بحثية، في سياق إنتاج معرفة تحررية في ظل الاستعمار، تكون انعكاسا واقعيا للهوية الخاصة للباحث الفلسطيني

حول هذا التقت تدوين بمجموعة من الباحثين والأسرى المحررين، للوقوف عند تجربة الأسرى ضمن سياق إنتاج معرفة تحررية عن الواقع الفلسطيني في ظل الاستعمار، بما يشمله هذا الجانب من جهة الباحثين في قضايا الأسرى، والأسرى المنتجين.  

مساهمة أدبيات الأسرى في إنتاج معرفة تحررية 

قدم الأسير المحرر والكاتب أمير مخول قراءة في هذا السياق قال فيها: "في مفهوم الإنتاج المعرفي؛ الأسرى يقدمون الكثير من الإنتاجات، ويخرجون الكثير للنشر إلى خارج السجون ولديهم طرقا غير مألوفة في إخراج المواد وهي حالات تلامس المستحيل وتعطي المخيال الفلسطيني آفاق كتابة واسعة جدا، وآفاق إنتاج معرفة جديدة، لا يستطيع أن يقوم بها إلا من هم داخل السجون، لأن السجن يستطيع أن يكون مقبرة وأن يكون مدرسة، ليس بفضل السجن نفسه إنما بفضل الحركة الأسيرة وإدراكها لواقع الأسر".

الأسرى لديهم طرقا غير مألوفة في إخراج المواد التي ينتجونها  وهي حالات تلامس المستحيل وتعطي المخيال الفلسطيني آفاق كتابة واسعة جدا، وآفاق إنتاج معرفة جديدة

ويرى مخول الذي قضى تسع سنوات في الأسر أن كل إنتاج معرفي حتى يكون تحرريا يجب أن يستند إلى واقع الحركة الأسيرة كما هو دون مبالغة ومغالاة إنما بالاستناد على فهم كيف تسير حياة الأسرى وبماذا يمكن أن تسهم.

الإضافة المعرفية وشروط تحققها 

يقول مخول إن الدراسات والأبحاث حول الأسرى حتى تقدم إضافة معرفية يجب أن تكون مبنية على توصيف حياة الأسرى كما هي، ليس من باب الخطاب والمبالغة والبطولة ولا الأسطورة، إنما كيف يعيش الأسرى حياتهم فعليا، لأن في ذلك إثراء معرفي في مفهوم كيفية مقدرة الإنسان الفلسطيني على الصمود، وأن يبني عالمه الموازي في الفراغ الذي يوفرونه له في السجون، فإما يملؤه الفراغ وإما هو يملأ الفراغ.

هل تتأسس المعرفة على التجربة؟ 

وفي رده على سؤال عما إذا اعتبرنا أن أدبيات الأسرى، هي انعكاس لمفهوم التجربة، فهل تتأسس المعرفة على التجربة؟، يرى مخول أنه المعرفة لا تتأسس دائما على التجربة، لأن كثيرا من الكلام المنقول عن الأسرى حتى إعلاميا لا يصدر عن الأسرى، فالأسرى أكثر واقعية مما يكتب عنهم خارج السجون، إذ في الخارج يسعون إلى تعظيم وتكبير وتقديس حالة الأسرى، والأسرى لا ينظرون إلى أنفسهم كأسطورة ولا كمقدسين وإنما ينظرون إلى أنفسهم كجزء من مسيرة الشعب الفلسطيني، فهي ليست قضية يمكن حصرها بمفهوم التجربة في هذا الشكل، لكن التجربة لمن يريد أن يستفيد من ملحمة الأسر عليه أن يفهم كيف يعمل الاحتلال وكيف تبنى السياسات. 

الأسرى أكثر واقعية مما يكتب عنهم خارج السجون، إذ في الخارج يسعون إلى تعظيم وتكبير وتقديس حالة الأسرى، والأسرى لا ينظرون إلى أنفسهم كأسطورة

ويضيف: السجون ليست خارج الشعب الفلسطيني ففيها الإيجابي والسلبي وهناك نقاط الضعف والترهل في الحركة الأسيرة فهي ليست فوق الخطأ، لكن طبيعة كونها في ظل حصار يومي مباشر جدا وقهر يومي مباشر جدا، يعطيها أحيانا أدوات جديدة في كيفية خلق أدوات الإنتاج وأدوات تحررها وهي تدرك تماما أنها لا تستطيع أن تتحرر.

في حين تعتبر الباحثة مي هماش أن التجربة قادرة بشكل كبير على التأسيس لمعرفة جديدة، وما يميز موضوع الأسرى أنهم عندما يكتبون يكتبون عن أسرى آخرين أو يكتبون عن أنفسهم كضمير غائب، مستشهدة بالمجموعة القصصية الأولى التي كتبها محمد عليان ونشرت كأدب روائي، إذ يوجد في هذه المجموعة فصل كامل عن الإضراب الكبير الذي خاضه الأسرى في السجون، وفيه يتحدث عليان عن نفسه كضمير غائب ذلك لأنه يريد تحويل هذه التجربة التي كان جزءا منها إلى معرفة من خلال توثيقها وتأريخها.

وعليه، فترى الباحثة أن المعرفة تتأسس على التجربة عندما تنتقل للحديث عن الجسد الواحد ضمن أجساد أخرى، لتصبح القصة ممثلة للكل، حتى لو اختلفت التجارب إلا أنها في المجمل واحدة، وهذا يعتمد على الطريقة التي يتعامل بها الشخص مع التجربة وكيف يعيد إنتاجها بطريقة تحافظ على هويته الوطنية.

المعرفة تتأسس على التجربة عندما تنتقل للحديث عن الجسد الواحد ضمن أجساد أخرى، لتصبح القصة ممثلة للكل

إنتاج بحثي ليس كافيا

ترى هماش أنه في السنوات العشر الأخيرة، يوجد إنتاج بحثي حول هذا الموضوع لكنه ليس بشكل كثيف، وليس كافيا بما ينتج عن الأسرى أو حتى مفهوم الحرية لدى الأسرى، أما الإنتاج الحقيقي فهو ما أنتج داخل السجون، أي كتابات الأسرى نفسها عن مفهوم الحرية وتجربتهم ومقاومتهم قبل وخلال وحتى بعد عملية التحرر.

وتعتبر الباحثة التي كانت قد قدمت رسالة "ماجستير" بعنوان: "الوعي الجسدي تحت التحقيق: دراسة في تجارب الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية"، أن غالبية الدراسات التي تكون مميزة حول الأسرى وتجربتهم هي الأدبيات التي تحاول أن تعبر عن مفاهيم الصمود والقوة والمقاومة وقدرة الاحتمال والمواجهة.

في حين يرى الأسير المحرر أمير مخول أنه معرفيا هناك إسهام متراكم وتسارع في هذا الإسهام، وهذا يأتي في سياق واقع جديد ينبغي استغلاله، وما أسهم في هذا هو تخصيص بعض الجامعات مساقات لدراسة الحركة الأسيرة بأشكال مختلفة إضافة لوجود وسائل إعلام تتبنى هذه المواضيع، ما يعطي إمكانية ستكون مستحيلة دون هذه المنابر، إلى جانب دور المؤسسات الحقوقية ومؤسسات الأسرى المهمة على الصعيدين المحلي والعالمي. 

أهمية البحث في موضوع الأسرى 

تقول الباحثة مي هماش في هذا الجانب إن الباحث عندما ينطلق في البحث في موضوع الأسرى، لا بد أنه يمسه بشكل شخصي، ذلك لأن كل بيت فلسطيني يوجد فيه أسير أو على الأقل سبق وأن تعرض لتجربة الاقتحام، كما أن تجربة الأسر هي شبيهة لمفهوم النكبة المستمرة، وعليه من المهم أن يكتب الباحثون عن الأسرى لتسليط الضوء عليهم، سيما في ظل غياب برنامج سياسي واضح يتابع ملف الأسرى المرضى وكبار السن والنساء والأطفال وغيرها من الحالات.

إضافة إلى ما سبق، يتجه الباحث للخوض في هذا الموضوع لأنه من الضروري أن نسمع صوت الأسرى، لأنهم لا يكتبون لأنفسهم أو لبعضهم، والكتابات تأتي لتذكرنا  بوجودهم ورغبتهم في التواصل مع المكان الذي تم إقصاؤهم عنه، ومن خلالها يستعيد الأسير مكانه وزمانه. 

من المهم أن يكتب الباحثون عن الأسرى لتسليط الضوء عليهم، سيما في ظل غياب برنامج سياسي واضح يتابع ملفهم

وتختتم هماش هذا الجانب بقولها: "إذا أردنا أن ننتج معرفة تحررية، يجب تناول المواضيع الجوهرية الموجودة في فلسطين والتي تمثل عادة التجربة الحقيقية المعاشة يوميا".

أما بالنسبة للأسرى، ترى هماش أن كتاباتهم مهمة لما يقدموه من وعي، ذلك لأنهم قادرون على الكتابة عن السجن كمسرح، وقادرون على أن يعلموننا عن السجن قبل أن ندخله، وأن يعلموننا ما هي التجربة قبل أن نخوضها. 

وفي هذا الجانب قال الأسير المحرر أمير مخول: "الأسرى بدأوا يتلمسون أن ما يكتبونه في السجون لا يستطيع أن يكتبه أي أحد، ذلك لأن لا أحد يستطيع أن يرى كيف يعيش الأسير في زنزانة وكيف يتقاسم الضيق مع ثمانية آخرين في 22 مترا ولا كيف يملأ وقته بما هو مفيد ولا كيف يعبر عن مشاعره، هذه وقائع لا يمكن أن يصل إلى خباياها أحد غير الأسرى، لذلك الأسرى ليسوا موضوعا بحد ذاته إنما مشاركين في هذا السياق".

بدورها قالت الباحثة أشجان عجور والتي كانت قد أعدت كتابا بعنوان: "استعادة الإنسانية في تجربة الإضراب عن الطعام في فلسطين: الذات الثورية وإنهاء استعمار الجسد"، المعرفة التي ننتجها عن الأسرى هي من عمق التجربة وهي ثمرة نضال الأسرى الفلسطينيين، وفي هذه الكتب نوثق النصال الفلسطيني الذي هو فصل مهم في النضال الإنساني العالمي الذي طالما جرى تغييبه، وفي مقدمة النضال الإنساني كفاح الأسرى ونضالاتهم في وجه عسف وسلب السجان والذين سجلوا بطولات إنسانية.

المعرفة التي ننتجها عن الأسرى هي من عمق التجربة وهي ثمرة نضال الأسرى الفلسطينيين

تجارب الأسرى كانعكاس لواقع المجتمع

من جانبها، قدمت الباحثة اللبنانية ساندي درويش قراءة في هذا الجانب تطرقت فيها إلى إنتاجات الأسرى الفلسطينيين والأسرى السياسيين بشكل عام، كانعكاس لواقع المجتمع، ذلك لأنه مبني على أفراد، سلطة سياسية، واقع اجتماعي، فساد، وحقوق مهدورة، وعليه فإن أدب السجون قادر على تصوير حالة المجتمع، ومن خلاله يمكننا أن نعرف ما إذا كانت السلطة السياسية مستبدة أم لا، وإذا كان المواطنون يحصلون على حقوقهم أم لا، وغيرها من الأمور.

وخلصت درويش إلى أن أدب السجون هو جسر عبور مهم يمكننا من خلاله معرفة طبيعة المجتمع وما يعانيه أفراده ويبيّن لنا كيفية تعامل السلطة مع الثائرين السّاعين للتغيير والتعبير عن الرأي. إذ يسعى الباحث في دراسته إلى الغوص في دوافع السلطة للاعتقال وإظهار ما تقترفه تجاه الأسير من تعذيب وإذلال، فضلا عن ذلك تصوير حال السجن وعوالمه الخفيّة وما يتعرض له السجناء من إفتراءات وعذابات تحاول السلطة طمرها بشتى السبل للحفاظ على كيانها ووجودها.

أدب السجون هو جسر عبور مهم يمكننا من خلاله معرفة طبيعة المجتمع وما يعانيه أفراده ويبيّن لنا كيفية تعامل السلطة مع الثائرين

ماذا يتوقع الأسرى من الباحثين؟ 

وفي هذا الجانب قالت الباحثة أشجان عجور إن الأسرى يتوقعون من الباحثين أن تكون أبحاثهم شاهدا على ما يجري في فلسطين، وأن تنقل قصصهم ورواياتهم التي تم تشويهها وإسكاتها، مضيفة أن أحد الأسرى الذين قابلتهم قال: " إن الدعاية الإسرائيلية جعلتنا إرهابيين وعنصريين وانتحاريين، ومن خلال شهاداتنا تلك نريد أن نظهر من هو الإرهابي الحقيقي".